الجمعة 3 اكتوبر 2025

مقالات

مُحللون بالفطرة

  • 3-10-2025 | 13:51
طباعة

في بلد لا يخلو من الحكايات، صار التحليل السياسي والاقتصادي عادة يومية يتقنها الجميع، من جلسات المقاهي إلى منصات التواصل الاجتماعي لم يكن الأمر جديدًا أو مثيرًا للدهشة يومًا ما، فالشعب المصري اعتاد أن يكون محللا بطبعه، فمنذ عقود طويلة، امتلأت المقاهي والمدارس والمصالح الحكومية بالنقاشات السياسية والاقتصادية،  نفاشات تجدها دائرة بين أناس بسطاء، لا يملكون شهادات أكاديمية متخصصة، لكنهم يتحدثون عن الحروب والقرارات المصيرية وكأنهم خبراء استراتيجيون.

لا يتوقفون عند حدود المشاهدة، بل يقترحون حلولاً ويطرحون بدائل، في محاولة لفهم ما يجري حولهم أو التأثير فيه.

الأمر لم يقتصر على السياسة وحدها، فحتى مباريات كرة القدم تحولت  إلى مساحة للتحليل والتشريح، بعد كل مباراة يجلس الأصدقاء لتفنيد أسباب الفوز أو الخسارة، ووضع قائمة بأخطاء اللاعبين وخطط المدرب، وكأنهم محللو استوديوهات رياضية محترفون.

وفي وسائل المواصلات العامة، تتكرر الظاهرة بشكل لافت، يكفي أن يلتقط أحدهم عنوانا من صحيفة صباحية ليعيد روايته على الركاب وكأنه شاهد عيان أو مشارك في صناعة القرار.

لكن التطور التكنولوجي قلب المعادلة رأسا على عقب، وحول هذه الظاهرة الشعبية من مجرد أحاديث يومية إلى أداة قد تحمل مخاطر جسيمة.

 

فمع مواقع التواصل الاجتماعي، بات كل شخص قادرا على بث تحليلاته وتوقعاته للعالم كله بضغطة زر، وهنا تكمن الخطورة، إذ يمكن لآراء هاوٍ أن تؤثر على مستقبل شخص أو مصير مؤسسة.

نرى من يتحدث عن اقتصاد دول كبرى، وهو لا يملك من المعرفة سوى تصفح بعض الصفحات المشبوهة، وآخرون يطلقون شائعات عن إفلاس دولة أو استقالة حكومة، وكأنها أخبار مؤكدة، بل وصل الأمر إلى أن تجد من ينصحك بكيفية استثمار أموالك وهو نفسه لا يملك ثمن طعام يومه.

ولأن السوشيال ميديا لا ترحم، فقد استغل بعض محترفي الدعاية هذه السذاجة الشعبية في الترويج لمنتجات أو مهاجمة سلع منافسة عبر بث أخبار مضللة، مما يزيد من حالة الارتباك والفوضى المعلوماتية.

من هنا تأتي الدعوة الملحة للتريث والتدقيق قبل النشر أو إعادة التدوير، فالفرق كبير بين إبداء رأي شخصي عابر، وبين إطلاق تصريح قد يترتب عليه بيع أو شراء، أو خسائر مالية فادحة.

لقد تطورت الظاهرة اليوم لتتجاوز حدود التحليل المحلي إلى تحليلات عابرة للحدود، البعض يستند فقط إلى قناعته الشخصية، فيما يجمع آخرون آراء مجموعة من الهواة مثلهم ليخرجوا علينا بنظرية سياسية أو اقتصادية لا تستند إلى أي أساس علمي أو مهني.

إنها ببساطة ظاهرة التحليل المسموع التي انتقلت من جلسات المقاهي إلى فضاء الإنترنت المفتوح، ظاهرة تكشف شغف المصريين وربما شعوب أخرى بالحديث والخوض في كل شأن عام، لكنها في الوقت نفسه باتت تتطلب قدرا أكبر من الوعي والمسؤولية، حتى لا تتحول من فضول مشروع إلى فوضى معلوماتية قد تضر أكثر مما تنفع.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة