أكد محافظ الأقصر، المهندس عبد المطلب عمارة، أن مصر استعادت موقعها على الخريطة العالمية للعمارة في عهد الجمهورية الجديدة برئاسة السيد رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي، منوها بفوز مشروع "إعادة إحياء مدينة إسنا التاريخية" بجنوب المحافظة بجائزة "الآغا خان" العالمية للعمارة عن عام 2025؛ في إنجاز استثنائي يعيد للأذهان آخر تتويج مصري بهذه الجائزة ممثلًا في مكتبة الإسكندرية عام 2004؛ ما أسهم في زيادة عدد الزائرين للمدينة بعد أن كان أقل من 10 % إلى نحو 48 % .
وقال المحافظ - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة - إن فوز مدينة إسنا بتلك الجائزة؛ يدعم الجهود الرامية إلى النهوض بالسياحة والتنمية المستدامة في صعيد مصر، موضحا أن "إسنا" تشهد - حاليا - تنفيذ مشروع رائد لتطوير كورنيش المدينة الممتد بطول 1,260 مترً؛ يتضمن إنشاء ممشى نهري، وبازارات سياحية، ومسرح مفتوح، وحدائق ترفيهية؛ بما يسهم في تعزيز البنية التحتية وتنشيط السياحة وتوفير متنفس حضاري لسكان المدينة وزائريها، فضلا عن ترميم واجهات المباني التراثية المحيطة بمنطقة معبد خنوم، وتطوير المسار المؤدي إلى المعبد عبر إنشاء بازارات سياحية؛ بما يحول المدينة إلى وجهة سياحية متكاملة تعكس عبق التاريخ وروح الحداثة.
وأشار إلى أن أن هذا الإنجاز يضع المدينة في قلب الخريطة العالمية ويجعل من أبنائها شركاء رئيسيين في صياغة حاضرها ومستقبلها، لافتا إلى أن إنجازات المشروع تمثلت في ترميم وكالة الجداوي الأثرية وفتحها للجمهور لأول مرة منذ سبعين عاماً، وتطوير سوق القيسارية بالتعاون مع أصحاب المحال التجاري، وتحسين موقع معبد خنوم وتزويده بخدمات متكاملة للزوار، وترميم استراحة الملك فاروق بالمطاعنة وتجديد واجهات 15 مبنى وموقعا تراثيا، وأيضا تطوير شارع البازار التاريخي وتزويده بمناطق تظليل وفراغات عامة محسنة، وتوثيق التراث المادي وغير المادي؛ بما يشمل أكثر من 20 مبنى و25 وصفة طعام تقليدية.
وأضاف أنه جرى تدريب أكثر من 400 شاب وفتاة من أبناء إسنا على الحرف التقليدية، فضلا عن تنظيم مبادرات اقتصادية صغيرة بقيادة النساء مثل مطبخ "أوكرا" وورش خشبية، إلى جانب تطوير أكثر من 15 منشأة متناهية الصغر لتقديم الخدمات السياحية؛ ما أسهم في زيادة عدد زوار المدينة لأكثر من ثلاثة أضعاف، بعد أن ظلت لسنوات طويلة مقتصرة على معبد خنوم فقط.
من جانبه، أعرب مدير المشروع، المهندس كريم إبراهيم، عن اعتزازه بالتقدير الدولي، قائلاً: "الجائزة لا تكرم التصميم المعماري فقط، بل تحتفي بدور العمارة كأداة للتنمية المستدامة وتعزيز الروح المجتمعية.. مضيفا: "هدفنا كان إعادة تقديم إسنا كوجهة ثقافية وسياحية متكاملة وتحفيز الاقتصاد المحلي لصالح المجتمع".
وأرجع تتويج إسنا بالجائز إلى أن المشروع جاء كنهج شامل وليس مجرد ترميم، فضلا عن كونه لم يقتصر على ترميم المباني فقط، بل اعتمد على نهج متكامل يجمع بين الحفاظ العمراني والتنمية الاقتصادية والمشاركة المجتمعية، إلى جانب مشاركة المجتمع المحلي، بحيث جرى إشراك السكان في التخطيط والتنفيذ، وتدريبهم على الحرف التقليدية، وترميم بعض المباني بمشاركة الحرفيين المحليين، إلى جانب التكامل مع الجهات المختلفة، حيث نفذ المشروع بشراكة بين مؤسسة "تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة" ووزارة السياحة والآثار ومحافظة الأقصر، وبدعم من جهات دولية (الولايات المتحدة، هولندا، إسبانيا)، ليساهم هذا التنسيق في تعزيز الموارد والإمكانات الفنية والتنفيذية.
وتسلم محافظ الأقصر - بحضور وزيرة التنمية المحلية الدكتورة منال عوض - جائزة الآغا خان العالمية للعمارة لعام 2025، خلال الاحتفالية التي نظمتها مؤسسة "الآغا خان" للتنمية بمدينة "بيشكيك" بدولة قرغيزستان، وذلك عقب فوز مصر بالجائزة عن مشروع إحياء مدينة إسنا التاريخية بالمحافظة؛ في إنجاز يعكس الجهود المستمرة للدولة في الحفاظ على التراث وصون الهوية الثقافية، ويعيد العمارة المصرية لتتبوأ مكانتها العالمية من جديد.
وأعلنت لجنة التحكيم العليا للجائزة - التي تُعد من أرفع الجوائز المعمارية في العالم منذ تأسيسها عام 1977 في جنيف بسويسرا - اختيار مشروع إحياء إسنا ضمن سبعة مشاريع فقط على مستوى العالم؛ تقديراً لنهجه الشامل الذي تخطى حدود الترميم التقليدي؛ ليقدم رؤية متكاملة تربط بين الحفاظ على التراث العمراني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، موضحة أن المشروع "تجاوز المفهوم التقليدي لمشروعات الحفاظ العمراني، عبر إشراك المجتمع المحلي كعنصر رئيسي في صون التناغم العمراني من خلال تراثهم الحي؛ ما أطلق زخمًا متجددًا ومستدامًا في نسيج كان قد أصبح متداعياً".
وذكرت اللجنة أن ما تحقق في "إسنا"؛ يمثل سابقة في السياق المصري لكونه أول "خطة حفاظ" تعتمد رسميًا لمنطقة عمرانية غير أثرية، وهو ما يعكس التزام الحكومة المصرية بتحويل التراث إلى قاطرة للتنمية.. مشيرة إلى أن أهمية المشروع تكمن في كونه لم يقتصر على المعالم الأثرية الشهيرة مثل معبد خنوم، بل امتد إلى النسيج العمراني والأسواق والمباني التاريخية، مع توفير اهتمام خاص بالتراث غير المادي مثل الحرف التقليدية والممارسات الثقافية، وهو ما جعل منه نموذجًا ملهماً يمكن تكراره في مدن أخرى.