رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الحرب الروسية الأوكرانية تواصل إلحاق أضرار كبيرة بموسكو على مستويات عديدة.
فهزيمة الأحزاب الموالية لموسكو في الانتخابات البرلمانية بمولدوفا يوم 28 سبتمبر الماضي شكلت ضربة جديدة لروسيا، بعدما منح الناخبون غالبية واسعة للحزب المؤيد لأوروبا، ما يعتبر حلقة في سلسلة من التراجعات التي تعكس تقلص نفوذ روسيا إقليميا ودوليا منذ غزو أوكرانيا في فبراير عام 2022.
وأكدت المجلة أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى انقلاب المزاج الشعبي في المناطق الشرقية والجنوبية ذات الغالبية الناطقة بالروسية، بعدما تحولت تلك المناطق إلى ساحات قتال تخللته خسائر بشرية هائلة.
ورجحت المجلة أنه عند نهاية الحرب الأوكرانية، ستجد روسيا نفسها أمام أوكرانيا مسلحة، ذات جيش محترف ومجهز بأساليب قتالية مبتكرة، ومتحالفة مع أوروبا، في مقابل روسيا مستنزفة القدرات العسكرية والاقتصادية، وتقلص في القدرة على التأثير في فضائها التقليدي، أي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
ودللت المجلة الأمريكية على ما ساقته بشأن تقلص النفوذ الروسي بالإشارة إلى انهيار اتحاد الدول المستقلة (بديل الاتحاد السوفيتي) عمليا، وتراجع دور الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إلى تكتل محدود بعضوية ثابتة تشمل روسيا وبيلاروس وكازاخستان وقيرغيزستان.
أما أرمينيا، الحليف التقليدي لموسكو، فقد اتجهت رسميا نحو الاتحاد الأوروبي، بينما تدهورت العلاقات مع أذربيجان إثر صدامات متكررة، ما دفع باكو إلى إغلاق أنشطة ثقافية وإعلامية روسية. ووصل الأمر إلى توقيع رئيسي أرمينيا وأذربيجان اتفاق سلام بوساطة أمريكية في البيت الأبيض.
وفي آسيا الوسطى، وجدت الجمهوريات السوفيتية السابقة -وفقا للمجلة- متنفسا بعيدا عن موسكو عبر تعزيز علاقاتها بالصين، والانفتاح على دول الخليج، وتوثيق روابطها بتركيا، فضلا عن البحث عن طرق بديلة لتصدير الطاقة بعيدا عن روسيا. أما في البحر الأسود، فقد أنهى الصراع مع أوكرانيا عمليا -في رأي المجلة- دور روسيا البحري.
وبالنسبة لأوروبا الغربية، فقد شكل الغزو الروسي لأوكرانيا نقطة تحول، حيث رفعت دول مثل بولندا ودول البلطيق وفنلندا إنفاقها الدفاعي بشكل غير مسبوق. كما تعهدت غالبية الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (ناتو) بزيادة الإنفاق العسكري إلى 5 في المئة من الناتج المحلي خلال العقد المقبل. كما أدى الغزو إلى توسع الحلف بانضمام السويد وفنلندا، ما أضاف حدودا مباشرة بطول 800 ميل بين روسيا والناتو.
واقتصاديا، تراجعت مكانة روسيا -وفقا للمجلة- بعد تقليص أوروبا اعتمادها على الطاقة الروسية، وفرض عقوبات واسعة قلصت الاستثمارات والتجارة. كما أضعفت القيود على سفر الروس وحظر قنوات الدعاية الموالية للكرملين قدرة موسكو على ممارسة نفوذها الثقافي والإعلامي.
وسياسيا، أضعفت الحرب شعبية الأحزاب الأوروبية التي كانت متعاطفة مع روسيا، مثل حزب ماتيو سالفيني في إيطاليا وحزب التجمع الوطني في فرنسا. وحتى النمسا، المعروفة بحذرها التقليدي تجاه الناتو، بدأت تقاربا ملحوظا مع الحلف. أما في المجر، الحليف الأبرز لبوتين، فتراجعت مكانة حزب فيكتور أوربان أمام المعارضة الموالية لأوروبا والناتو.
وفي الولايات المتحدة، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية من شملهم المسح يرون في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قوة خبيثة"، ويؤيدون تسليح أوكرانيا شريطة أن تتحمل أوروبا التكلفة الأكبر. وقد اضطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا إلى وصف روسيا بأنها "نمر من ورق"، في تحول قد يفتح الباب لانحياز أوسع إلى جانب كييف.
وخارج أوروبا، تلقى النفوذ الروسي ضربات إضافية. ففي سوريا، رغم احتفاظ موسكو بقاعدتين عسكريتين، إلا أنها خسرت حليفها الأهم مع سقوط نظام بشار الأسد. وفي إيران، فقد اكتفت روسيا -وفقا لفورين بوليسي- بالمشاهدة بينما تعرض برنامج طهران النووي لضربات إسرائيلية وأمريكية متتالية.
وفي أفريقيا، بدأت حكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو تشعر بخيبة أمل -وفقا للمجلة- من شراكاتها مع روسيا، بعدما تبين عجز موسكو عن الوفاء بوعودها هناك. أما في آسيا، فإن كوريا الشمالية تعتبر الدولة الأكثر دعما لروسيا حتى الآن، مع تراجع دعم الحلفاء الآخرين.
وبينت "فورين بوليسي" أن حصيلة ذلك كله أن روسيا خرجت من حربها ضد أوكرانيا أضعف بكثير، حيث نزيف في الأرواح والموارد، هجرة واسعة للكفاءات التقنية والعلمية، وتآكل فرص النمو الاقتصادي، وأن الواقع يؤكد ضرورة مواجهة الحقيقة للخروج من المأزق الحالي وإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن.