الأحد 5 اكتوبر 2025

مقالات

يوميات حرب أكتوبر

  • 5-10-2025 | 12:32
طباعة

هذا كتاب وجدته في مكتبتي، فاجأني بوجوده الجميل عندما كنتُ أبحث في الزاوية التي أُخصِّصها لجيش مصر العظيم من مكتبتي. وأعتبرها حبَّة قلبي التي آخذها من مكانها كلما خرجت من البيت ثم أعود إليه مرة أخرى. ورغم أن المكتوب على غلافه أن مؤلفه هو عادل وديع فلسطين، إلا أن الزميل والصديق عبده مُباشر كتب له مقدمة لا تقل أهمية عن الكتاب نفسه.

والكاتب يبدأ كتابه بأنه يتقدم بالشكر للقوات المسلحة المصرية لتعاونها وجهدها الكبير الذي بذلته في مراجعة المادة العسكرية لهذا الكتاب. والكتاب يقع في أكثر من ستمائة صفحة من القطع الكبير، أي أنه مجلد ضخم عن هذه الحرب العظيمة.
ويُهدي المؤلف كتابه إلى الجندي المجهول، إلى القادة والضباط والجنود الذين استشهدوا في معركة الشرف من أجل الوطن لاسترداد الأرض والكرامة، وإلى كل رجال القوات المسلحة المصرية الذين رفعوا رايات النصر، ومن بينهم أخي، نقيب احتياط فيكتور وديع فلسطين، الذي كان في السرية الطبية ضمن اللواء 182 مظلات، وحصل على الميدالية التقديرية من النقابة العامة للأطباء تقديرًا لخدماته الطبية الجليلة، واعترافًا بما قدّمه في معركة العاشر من رمضان 1393هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973م، رمزًا للفداء والتضحية.

مقدمة الكتاب المهم

كتب المحرر العسكري الذي نتابعه بكل دِقَّة، الزميل عبده مباشر، مقدمة لهذا الكتاب، ترقى لمستوى الكتاب نفسه. كتب فيها:

أعادني كتاب يوميات حرب أكتوبر للأستاذ عادل وديع فلسطين، أستاذ الأمراض الصدرية، إلى تلك الأيام المُبهرة الرائعة من شهر أكتوبر 1973 التي شهدت الأمة المصرية وهي تتجاوز أحزانها وآلامها، وتُضمِّد جراح هزيمة عسكرية قاسية، كذلك رمال سيناء كانت شاهدة على الهزيمة خلال شهر يونيو 1967.

ثم انتفضت قواتنا بقوة وعزيمة لاستعادة الكبرياء والكرامة.

هذه الأيام بكل جلالها عِشتها بكل كياني، بل وكنتُ أنتظرها مع كل من كان على موعدٍ مع الانفجار الكبير على امتداد وعُمق خطوط المواجهة مع العدو، فقد كانت مسئوليتي كرئيس للقسم العسكري بالأهرام وكمراسل حربي تفرض عليَّ متابعة العمليات العسكرية إذا ما اندلعت نيران المعركة، ومعرفة ما يجري من تخطيط وتدريب وتسليح واستعداد ومناورات من أجل هذا اليوم.

لقد أعادني الكتاب إلى هذه الأيام، نشطت الذاكرة ومرت الأحداث أمام عينيَّ، وعِشتُ هذه البانوراما النابضة مع كل صفحة من صفحات كتابي الذي اعتمد كاتبه بشكل رئيسي على ما ورد في الصحف طوال أيام المعركة، وبصفة خاصة جريدة الأهرام.

ولمن يبحث عن عطر هذه الأيام فليس هناك أفضل من تقليب صفحات الجرائد والمجلات التي صدرت خلال هذه الفترة. ولأن الدكتور عادل على بيِّنة من هذه الحقيقة، فقد بذل جهدًا في إعداد مادة هذا الكتاب، وعرض بشكلٍ منهجي التفاصيل المهمة التي وردت في هذه الصفحات، وفي مقدمتها الأهرام والأخبار وأخبار اليوم، ولم ينس الرجل الاستفادة من مقال نصف كلمة للأستاذ أحمد رجب.

شهادة هيكل

وكثيرًا ما أستفاد من مقالات كبار الكُتَّاب، وفي مقدمتهم الأستاذ محمد حسنين هيكل. ولا شك في أهمية ما كتبه خلال تلك الفترة: أولًا لمعاصرته للأحداث، وثانيًا لانعكاس نتائج العمليات الحربية ومُجريات الحرب على ما يكتُب، وثالثًا لأن المعلومات المتاحة كانت مقصورة على البيانات العسكرية بشكل أساسي، وتقارير المراسلين الحربيين. وكم كان مفيدًا العودة إلى ما كُتِبَ خلال تلك الفترة، ومقارنته بما ورد في الكتب والدراسات والبحوث التي استندت إلى ما أُزيح عنه الستار من معلوماتٍ خاصة من الجانب الإسرائيلي والعالمي.

والآن، وبعد مرور 36 عامًا، وبعد صدور عشرات المئات من الكُتب والدراسات في أنحاء العالم، أصبحت معظم حقائق هذه الحرب معروفة. ويمكن القول إن الأسرار التي لم تُعرف بعد عربيًا وإسرائيليًا وأمريكيًا محدودة بنسبة كبيرة. وإذا ما أضفنا إلى هذه الحقيقة إزاحة الستار عن أسرار الاتحاد السوفييتي بما فيها كل الوثائق الخاصة بمعركة أكتوبر، فإنه يمكن إدراك محدودية الأسرار المتبقية.

والذي لا شك فيه أن الحديث عن معركة أكتوبر 1973 إنما هو عزفٌ على أوتار انتصار عزيز وغالٍ. ولا أعتقد أن هناك انتصارًا مصريًا معاصرًا يُمكن أن يطاول مكانة انتصار أكتوبر الذي جاء بعد ثلاث هزائم عسكرية متتالية في جولات 1948، 1956، 1967.

ثلاث معارك كانت مصر فيها في موقف رد الفعل، ولكن بعد نكسة 1967 كان لابد من تغيير قواعد اللعبة والاستفادة من درس الهزيمة. وبدأت مراحل التغيير بعد وقف إطلاق النار وإعادة تنظيم القيادة وإعادة بناء القوات المسلحة. وعندما طلبت مصر من الاتحاد السوفييتي السلاح أصرَّ على الحصول على قواعد برية وبحرية وجوية، وقد ظل طويلًا يحاول تحقيق أهدافه، ويُقابَل بالرفض المصري.

ومن الصفحات المضيئة في تلك الفترة معارك الاستنزاف التي بدأت فعلاً قبل وقف إطلاق النار عام 1967، حيث قامت القوات المسلحة بعمليات فدائية خلف خطوط العدو تحت قيادة إبراهيم الرفاعي. وخلال تلك المعارك كان كاتب هذه الكلمات المدني والصحفي الوحيد الذي شارك في هذه العمليات.

وحتى رحيل الرئيس عبدالناصر عن عالمنا كان كل ما لدى القوات المسلحة خطة دفاعية تحمل اسم: الضربة 200. وعندما تسلَّم الرئيس السادات مسئولياته كرئيس لمصر بدأت القيادة في وضع أول خطط لمعركة هجومية لتحرير مساحة من الأرض المحتلة شرق القناة. وعلى ضوء هذا المخطط بدأت عمليات التدريب والتسليح والإعداد بشكل مختلف عمّا كان يحدث قبل عام 1967.

وبعد ست سنوات من الإعداد الجيد انطلقت الحرب من عقالها، وحققت القوات المسلحة أكبر انتصار في تاريخ المواجهة مع العدو الإسرائيلي. هذا الانتصار وتلك الحرب كانا موضوع كتاب الدكتور عادل وديع فلسطين الذي حمل اسم: يوميات حرب أكتوبر.

إنه جزء من التاريخ الوطني لمصر الحديثة والمعاصرة، لابد أن تقرأه الأجيال الجديدة والقديمة معًا كلمة كلمة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة