الأحد 5 اكتوبر 2025

مقالات

تجليات النصر في كتابات المبدعين


  • 5-10-2025 | 12:48

سمير الفيل

طباعة
  • سمير الفيل

تمر اثنتان وخمسون سنة على حرب أكتوبر المجيدة، وهي إحدى حلقات الصراع العربي الصهيوني، ويتردد دائمًا أن الإبداع لم يكن على مستوى الحدث، وهو قول قد يجانبه الصواب، لأن ثمة كتابات عبّرت عن الحرب، ما قبلها وما بعدها، ولحظات الصدام المروع. أتذكر القصائد التي تغنت بنهوض مصر من كبوتها: قصائد صلاح عبدالصبور، ونزار قباني، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وفتحي سعيد.

في مختلف محافظات مصر، وبالأخص الإسكندرية منبع الفن والإلهام، تغنى الشعراء بالحدث: عبد العليم القباني، وعبد المنعم الأنصاري، وفوزي خضر، وأحمد فضل شبلول، وجابر بسيوني.

نعود إلى قصيدة صلاح عبدالصبور التي نقلت الإحساس العظيم بالعبور بنبرة هامسة تكاد لا تُسمع، وهي من سمات الشاعر الحكيم الذي تخطى حاجز الهزيمة ليتلو قصيدة النصر حيث القبضات المرفوعة في وجه الإحباط والاستسلام:

"إلى أول جندي رفع العلم في سيناء": (تمليناك حين أهل فوق الشاشة البيضاء/ وجهك يلثم العلما/ وترفعه يداك لكي يلحق مدار الشمس/ حر الخفق مقتحمًا/ وكان الوجه مبتسمًا/ وكان هذا الوجه يظهر ثم يستخفي/ ولم ألمح سوى بسمتك الزهراء/ ولم تعلن الشاشة لنا نعتًا لك أو اسمًا/ ولكن كيف كان يسعك اسم يحتويك/ وأنت في لحظتك العظمى/ تحولت إلى معنى).

في تلك الفترة لمعَت أسماء شعراء كانوا على مستوى الحدث، فقد صدر ديوان "أغنية لسيناء"، شعر: فوزي خضر، عصام الغازي، درويش الأسيوطي، صلاح اللقاني. الديوان صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975. كما كتب شعراء كبار، منهم محمد إبراهيم أبو سُنة قصيدة "خفقة العلم". وفي برنامج "لغتنا الجميلة" لفاروق شوشة قُدِّمت عشرات القصائد الشعرية التي عالجت الحدث بفنية عالية:

نصار عبد الله، وأحمد سويلم، وكمال عمار، وعزت الطيري، والسيد الخميسي، وفؤاد طُمان، وأحمد الحوتي، وإسماعيل عقاب، وغيرهم.

من محافظة دمياط، أذكر قصائد للشعراء: الدكتور عيد صالح، ومصطفى العايدي ـ وكان محاربًا في الأنساق الأولى لسلاح المشاة ـ والسيد النماس، وأنيس البياع، وعزة بدر، وفكري العتر (حصلا على الدكتوراه فيما بعد).

وإذا ذهبنا إلى دائرة السرد سنجد كتابات سامقة لعدد من الكتاب المصريين، منهم قبل الحرب: مجيد طوبيا، وجمال الغيطاني، ومحمد يوسف القعيد.

عن وقائع الحرب كتب جمال الغيطاني "حكايات الغريب"، ومعصوم مرزوق أصدر رواية "أشجار الصبار"، وسمير الفيل من أوائل من سجل وقائع حرب أكتوبر في روايتي "رجال وشظايا"، و"وميض تلك الجبهة"، أما سعيد سالم فقد أصدر رواية "عمالقة أكتوبر" 1979، وأحمد محمد عبده "ثعالب الدفرسوار"، وأحمد ماضي قدم روايته "الممر".

كانت الشئون المعنوية بالجيش المصري تقيم كل عام مسابقة في مجال القصة القصيرة بدءًا من عام 1974، ومن الأسماء التي حفرت اسمها في هذا المجال: سمير عبد الفتاح، وسيد الوكيل، وشوقي عبد الحميد، ومحمد عبد الله الهادي، وفوزي البارودي، ومحمد الراوي، وسيد نجم، وأحمد ربيع الأسواني. لم تقتصر الكتابة في هذا المجال على الكُتاب بل شاركت الكاتبات أيضًا، مثل: نجلاء علام، وابتهال سالم.

من المجموعات القصصية قبل الحرب "أرض.. أرض" لجمال الغيطاني، بتقديم الدكتور علي الراعي.

كما كتب فؤاد حجازي عن العمليات الحربية خلال العدوان الثلاثي أو حرب اليمن أو حرب يونيو 1967، منها رواية "الأسرى يقيمون المتاريس" عن تجربة الأسر في سجن "عتليت" الإسرائيلي، وكيف تحققت فكرة المقاومة في ظل أصعب الظروف، والتي صدرت للمرة الأولى عام 1976.

ومن خلال سلسلة "أدب الجماهير" توالى نشر عدد من الكتب لمجموعة الأدباء الشبان عن تجارب إنسانية من بينها تجربة الحرب. ولا ننسى مجلة "سنابل" التي كان يصدرها محمد عفيفي مطر من "كفر الشيخ"، والتي كانت تهتم بالكتابات القادمة من جبهة القتال قبل الحرب، والتي توقفت بسبب نشر قصيدة "أغنية الكعكة الحجرية" لأمل دنقل.

وهناك أسماء مرموقة شاركت في الحرب ولها كتب حول التجربة، منها: قاسم مسعد عليوة، ومحمود الورداني، وحجاج أدول، ورجب سعد السيد، والسيناريست محسن زايد، والكاتب الساخر جلال عامر.

شارك أدباء عرب في تسجيل وقائع الحرب، فمن سوريا كتب الدكتور عبد السلام العجيلي رواية "أزاهير تشرين المدمّاة" (1974)، ومن المغرب كتب مبارك ربيع رواية "رفقة السلاح والقمر" (1976).

وقد حرصت أن أقتني مجلة "النصر" طيلة السنوات التي تلت حرب أكتوبر، وتعرفت على المشرفين على صفحة "الأدب"، منهم: مصطفى الشندويلي، وعصام الغازي، ومحمود المنسي. ظلت الأسماء تطرق باب القص، ففي العدد 598، أبريل 1989، نُشرت نتيجة مسابقة القصة القصيرة 1988، وكانت كالتالي: الفائز الأول معصوم مرزوق، قصة "سقط عمدًا"، الفائز الثاني محمد السيد سالم، قصة "النقطة الحاسمة"، الفائز الثالث محمد علي وهبة، قصة "أغنية الخندق"، الفائز الرابع سمير الفيل، قصة "الكودي 28"، الفائز الخامس محمد السيد سالم، قصة "دائرة الانتقام"، الفائز السادس عبد الرازق السيد أبو زيد، قصة "السمري والرمانة"، الفائز السابع سمير الفيل، قصة "المجذوب"، الفائز الثامن عبد الغني زيدان، قصة "سيأتي النور"، الفائز التاسع ماهر حسن، قصة "اللفافة البيضاء"، الفائز العاشر عبد الفتاح بكري، قصة "كلمة في أذن زوجتي".

وقد تيسر لي قراءة قصص أخرى مهمة جدًا في سياق الكتابة عن الحرب، منها "في انتظار حلول البركات"، و"كبرياء امرأة الشهيد" لفكري داود.

حدث أن أقيمت عدة مؤتمرات أدبية تناولت الجهد العسكري إبان الحرب، وظهرت أسماء جديدة لشباب الباحثين، وهو ما يشير إلى أن تلك الوقائع لم تُنسَ رغم مرور الزمن.

أتذكر ملامح الكابتن محمد غزالي يقود فرقة "أولاد الأرض" بالسويس، ينشد على السمسمية: "وعضم ولاد نلمه نلمه، نسنه نسنه، ونعمل منه مدافع.. وندافع.. ونجيب النصر.. هدية لمصر"، وقد أعادت فايدة كامل إنشادها بالإذاعة.

يُذكر أن كثيرًا من فرق السمسمية قد قامت بجهد هائل قبل الحرب وخلالها على امتداد مدن القناة: بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس. ومن بورسعيد استمعنا لأصوات: محمد عبد القادر، وإبراهيم الباني.

شعراء العامية اشتركوا بقصائدهم في استثارة حماس المواطنين. وجدنا "وجوه على الشط"، تسجيل ما حدث خلال حرب الاستنزاف لعبد الرحمن الأبنودي، وكتب سيد حجاب أغنياته، وأطل علينا فؤاد حداد بنصوص غاية في العذوبة، ولا تسقط من الذاكرة "الأرض بتتكلم عربي" من ألحان سيد مكاوي، أما أحمد فؤاد نجم فكتب أغنية "دولا مين ودولا مين"، لحنها كمال الطويل وغنتها سعاد حسني.

يكتب فؤاد حداد: "المصري أول سيرة الإنسان/ إحنا من صخر العزيق والصبر/ وإحنا من طل وندى المواويل/ زي ما اتعود علينا النيل/ زي ما اتعود علينا العطش/ يمكن خطانا في الزمن الطويل/ كان من سبيل الرحمة والحنية/ يصعب علينا في يوم نفارق عيالنا/ وما جاش في بالنا/ زي العرق: الدم يبني البيوت".

الأغنية تصدرت المشهد وتفاعلت منذ أول طلقة. "بسم الله"، كلمات: عبد الرحيم منصور، ألحان: بليغ حمدي. "رايات النصر"، كلمات: نبيلة قنديل، ألحان: علي إسماعيل. "خلّى السلاح صاحي"، كلمات:

أحمد شفيق كامل، ألحان: كمال الطويل، غناء: عبد الحليم حافظ. "عبرنا الهزيمة"، كلمات: عبد الرحيم منصور، ألحان: بليغ حمدي، غناء: شادية. "أم البطل"، كلمات: نبيلة قنديل، ألحان: علي إسماعيل، وهي عن تجربة استشهاد ابن شريفة فاضل التي غنتها. "وأنا على الربابة باغني"، كلمات: عبد الرحيم منصور، ألحان: بليغ حمدي، غناء: وردة الجزائرية.

في ذات السياق لا يمكن أن ننسى "مصر لم تنم"، كلمات: فتحي سعيد، ألحان: رياض السنباطي، غناء: محرم فؤاد: "مصر لم تنم/ ولم تزل/ يقظانة العينين، صلبة القدم/ في الأرض كالجبل/ وفي السماء للذرى وللقمم".

وفي نفس السياق، أغاني المقاومة والصمود قبل الحرب: "يا بيوت السويس"، "عدى النهار"، "تعيشي يا بلدي"، "راجعين بقوة السلاح"، "سكت الكلام".

في تلك الفترة كانت هناك ثنائية شهيرة: عدلي فخري، وسمير عبد الباقي، ممثلة في سهرات "في حب مصر". أما الثنائي أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام فقد قدما عدة أغنيات منها: "إحنا الحرب حطبها ونارها/ وإحنا الجيش اللي يحررها/ وإحنا الشهدا في كل مدراها/ منتصرين أو منكسرين".

ومن شعراء العامية الذين شاركوا بقصائدهم: ماجد يوسف، وعبد الدايم الشاذلي، وعطية عليان، ومحمد كشيك، ومحمد بغدادي، وعبد الستار سليم، وحجاج الباي، ومحمد هاشم زقالي. ومن مدينتي: السيد الجنيدي، ومحمد العتر، ومحروس الصياد، ومحمد علوش، ومجدي الجلاد، والسيد الغواب، ومحمد النبوي سلامة، وغيرهم.

بتكليف من فاروق شوشة قدمتُ للإذاعة المصرية برنامجين من إخراج مجدي سليمان، هما: "وجوه من أكتوبر" 1990، و"أوراق أكتوبرية" 1995. الأولى حلقات بشعر العامية عن الأحداث من خلال جنود وضباط شاركوا في العملية، والثانية عن أبناء الشعب ممن لهم أبناء في جبهة القتال.

المسرح اقترب من الحدث، وقد زرت القاهرة خلال تلك الأيام المجيدة، وشاهدت مسرحية "مدد. مدد" من إخراج: عبد الغفار عودة، تتضمن أغنية "مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد.. إن كان في أرضك مات شهيد.. فيه ألف غيره بيتولد"، من ألحان: محمد نوح، أما الكلمات فمتنازع عليها بين زكي عمر وإبراهيم رضوان.

وقدمت عدد من خشبات المسرح "حدث في أكتوبر" للتعريف بالبعد التاريخي والحضاري لما حدث من صراع على جبهة القتال.

تتناول المسرحية فترة حرب السادس من أكتوبر حيث يظهر الممثلون بشخصياتهم الحقيقية محاولين إيجاد مكان لهم وسط لهيب المعركة واستعدادهم التام للتضحية بأرواحهم من أجل مصر.

تأليف: إسماعيل العادلي، إخراج: كرم مطاوع، أما طاقم العمل فمكون من: محمود ياسين، سهير المرشدي، شفيق نور الدين، أشرف عبد الغفور، أحمد الناغي، محمود حجازي.

هناك تجربة مختلفة بعض الشيء حين حوّل الكاتب محمد الشربيني ديوان "الخيول" لصاحب هذه السطور إلى عرض مسرحي بعنوان "غنوة للكاكي" 1990، من ألحان: توفيق فودة، إخراج: شوقي بكر.

اجتهد الدكتور السيد نجم في تقديم جهد نقدي لأغلب النصوص القصصية والروائية التي تعاملت مع حرب أكتوبر بجدية، وامتد هذا العمل من خلال عدة كتب نقدية تناولت طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، منها: "الحرب: الفكرة – التجربة – الإبداع" 1995، "المقاومة والأدب" 2001، "المقاومة والحرب في الرواية العربية" 2005، "المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني.. الانتفاضة نموذجًا" 2006، "أدب المقاومة.. مفاهيم وقضايا" 2013، "أدب المقاومة في الفكر والإبداع" 2019.

كل عام، ومصر بلدنا في عزة ورفعة وتقدم..

الاكثر قراءة