الأحد 5 اكتوبر 2025

مقالات

ورقة أكتوبر 1974 منعت المسرح الحقيقي لانتصار أكتوبر!

  • 5-10-2025 | 12:38
طباعة

انتصارات أكتوبر المجيدة عام 1973 تم تجسيدها إبداعياً وفنياً بصورة متفاوتة، ورغم ذلك لم نجد عملاً مسرحياً استطاع أن يجسد هذا الانتصار بما يليق به، لا سيما في العام الأول، وهو عام الزخم الفني والأدبي المفعم بنشوة الانتصار!! هذا الأمر بحثت عنه فلم أجد إجابة مقنعة منشورة أو معلنة، لأن الإجابة الحقيقية كانت مخفية وسط ركام من المخطوطات والوثائق المسرحية، التي استطعت إنقاذها منذ ثلاثين سنة، وأهديتها منذ عشر سنوات إلى المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية – بوزارة الثقافة – في صورة ثلاثين ملفاً حول «مسرحيات انتصارات أكتوبر»!! هذه هي الفكرة، وإليكم التفاصيل:

بعد انتصار أكتوبر بأشهر قليلة، بدأت مصر مسيرة السلام، حيث كان يوم الخامس عشر من مايو 1974 يوماً فاصلاً في تاريخ الصراع المصري مع العدو الصهيوني، كونه يوم الاستفتاء على «ورقة أكتوبر»، حيث وصلت نسبة من قالوا «نعم» عليها «99,95%»!! وورقة أكتوبر هذه نشرها وأعلنها للعالم الرئيس «محمد أنور السادات» راسماً فيها استراتيجية مصر حتى عام 2000، ووضع فيها – تلميحاً وتضميناً – علاقة مصر مع أمريكا وإسرائيل مستقبلاً، بالإضافة إلى وضع بذور السلام في شكل الباب الموارب لاتفاقية السلام التي تمت سريعاً - بعد ذلك – وفقاً لرغبة القيادة السياسية!!

بناءً على ورقة أكتوبر تغيّرت نظرة الرقابة المسرحية إلى النصوص المسرحية المقدمة عن حرب أكتوبر، بحيث إنها كانت ترفض – بصورة غير مباشرة – أي نص يذم أمريكا أو ينادي باستمرار الحرب أو يرفض السلام مع العدو الصهيوني!! ولعل هذا التوجه كان السبب المباشر في قلة عدد النصوص المسرحية المجازة رقابياً عن حرب أكتوبر، مقابل كثرة النصوص المُعدّلة أو المرفوضة رقابياً!! هذا الموقف يفسر لنا السؤال المطروح منذ عام 1973 وحتى الآن!! وهو: أين مسرحيات أكتوبر؟؟ لماذا لم يُكتب نص مسرحي قوي عن حرب أكتوبر؟! لماذا لم نجد نصوصاً مسرحية مكتوبة بعمق عن حرب أكتوبر حتى الآن؟!! الإجابة من وجهة نظري أن أغلب المبدعين والمثقفين والأدباء والنقاد يرفضون ما جاء في ورقة أكتوبر، رغم الاستفتاء عليها بنعم!! مما يعني رفضهم السلام أو التطبيع مع الكيان الصهيوني منذ اتفاقية السلام وحتى الآن!!

الأمثلة على ذلك كثيرة، مثل مسرحية «البركان» تأليف «أنور عبد الدايم» رفضتها الرقابة المسرحية دون إبداء الأسباب!! وعندما قرأت النص – المخطوط غير المنشور والمحفوظ الآن في المركز القومي للمسرح - اكتشفت أن المؤلف حدد زمن مسرحيته هكذا: "الفترة من 9 و10 يونية إلى الاستفتاء على ورقة أكتوبر"!! أي الفترة من بعد هزيمة يونية 1967 مباشرة إلى قبيل الاستفتاء على ورقة أكتوبر!! والمسرحية من فصل واحد، وتنقسم أحداثها إلى ثلاثة أقسام: الأول يتعلق بأحداث هزيمة 1967، والثاني يتعلق بحالة الشعب أثناء حرب الاستنزاف، والثالث عن انتصار أكتوبر 1973. وأظن أن سبب الرفض أن المسرحية أكثرت من أحداث الهزيمة وأثرها على الشعب بكل أطيافه، مقابل مساحة قليلة لانتصار أكتوبر، وتنتهي المسرحية بالدعوة إلى استمرار المعركة وعدم التوقف!! وهذا يعني أن المسرحية ضد ورقة أكتوبر وترفض ما فيها من معانٍ ومضامين بوقف حالة الحرب مع إسرائيل وعودة العلاقات مع أمريكا.. إلخ، كما أنها تشكك - ضمناً – في نسبة الاستفتاء على قبول ورقة أكتوبر!! وعرضها بهذا المعنى ضد توجهات الدولة نحو السلام وإنهاء حالة الحرب مع العدو الصهيوني، لذلك تم رفضها!!

أما مسرحية «عفاريت من ورق» تأليف «صلاح راتب» وإخراج «نبيل الألفي» لصالح مسرح الطليعة، فقد نالت ترخيصاً بالتمثيل رقم «164» بتاريخ 30/6/1974. وقبل ثلاثة أشهر نشرت جريدة «الأهرام» خبراً قالت فيه: "«عفاريت من ورق» اسم المسرحية التي يخرجها نبيل الألفي لمسرح الطليعة من تأليف صلاح راتب. وهي كوميديا غنائية عن المعركة يمثلها عبد الرحمن أبو زهرة وبدر الدين جمجوم، والسيد راضي". وهذا الخبر منشور قبل «ورقة أكتوبر». ولعل القارئ يتساءل: ما الغريب في أن مسرحية نشرت الصحف خبراً عن التحضير لها في بداية مارس، ونالت الترخيص بتمثيلها في نهاية يونية؟!! وهنا يجب أن أتدخل وأقول: إنني وجدت وثيقة عبارة عن خطاب من مدير المسرح إلى مدير الرقابة بتاريخ 19/6/1974، هذا نصه: "السيد الأستاذ مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد. نتشرف بأن نرسل لسيادتكم رفق هذا التعديل النهائي لمسرحية «عفاريت من ورق» تأليف الأستاذ صلاح راتب، وإخراج الأستاذ نبيل الألفي، والسابق الترخيص بها تحت رقم 16 بتاريخ 28/1/1974. برجاء التكرم بالتنبيه نحو الترخيص بالتعديلات الجديدة". [توقيع] مدير المسرح «أحمد عبد الحليم»". وهذا الخطاب يضع النقاط فوق الحروف لنعرف الحقيقة في أن نص المسرحية كان جاهزاً ونال الترخيص بصلاحيته في نهاية يناير، وقام المخرج والممثلون بالتدريب على العرض حتى أصبح جاهزاً في مارس – كما جاء في الخبر المنشور في جريدة الأهرام - ولكن العرض تأجل لسبب أو لآخر حتى صدرت ورقة أكتوبر، وتم الاستفتاء عليها بنعم!! وهذا التغيير في السياسة يستوجب تغييراً في المسرحية يتناسب مع الوضع السياسي الجديد، فقام المؤلف والمخرج بإحداث التغييرات اللازمة المتفقة مع التوجهات السياسية الجديدة، ليتناسب العرض مع ورقة أكتوبر، وهذا ما حدث وتؤكده الوثيقة، وبهذا الإجراء نالت المسرحية الترخيص بتمثيلها، ومُثلت بالفعل!!

أما مسرحية «رسول من قرية تميرة» لمحمود دياب، فعندي نسخة مخطوطة منها، تم تقديمها إلى الرقابة المسرحية يوم 24/4/1974، ومكتوب على الصفحة الأولى: "مسرحية «رسول من قرية تميرة» للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام، مسرحية في ثلاثة فصول". وفي آخر الصفحة وتحت عنوان «زمن المسرحية» وجدت الآتي: "تقع أحداثها ما بين سبتمبر ونوفمبر سنة 1973". وفي الصفحة الأولى من النص المكتوب بالآلة الكاتبة، وجدت ملاحظة مكتوبة من الرقيب بالقلم الرصاص، قال فيها: "إن المسرحية لم تُصوِّر أن العبور حدث في رمضان، وضد أمريكا" ثم أرقام بعض الصفحات!! وبالرجوع إليها وجدت مثلاً: أن الرقيب في ص(44) وضع علامة بالقلم الأحمر عند قول أحد الأشخاص في المسرحية، وهو «برعي»: "والله ما يستحي ولو تجيب له هيئة الأمم" فيكتب الرقيب بجوارها ملاحظة قال فيها: "مش معقول أن يقول هذا الفلاح برعي!!". أي أن الرقيب غير مصدق أن فلاحاً في هذه القرية يعرف معنى أو اسم «هيئة الأمم»!! وفي ص(51) ذكر المؤلف – في الإرشادات المسرحية – الآتي: "ويطرق سطوحي ويغيب في تأملاته .. وتُسمع أنشودة من أناشيد المعركة تتردد من خلال ترانزستور ... إلخ"، فيضع الرقيب علامة حمراء ويكتب كلمة «افتعال»!! وفي ص(53) جاء حوار قال فيه أحد الأشخاص وهو «محروس»: "تلاقيه سمع خبر الدفرسوار، فقالك خلاص البلد ضاعت"، هنا وضع الرقيب علامة حمراء وكتب الآتي: "انقضى زمن الحديث في هذا!". وفي ص(58) قال أحد أشخاص المسرحية وهو «أبو عارف»: "قام الصهاينة عملوا إيه؟ عملوا حيلة وسبكوها، وراحوا داخلين كده .. اتسللوا زي الحرامية، ودا شيء جايز .. خط المواجهة كبير، وجلّ من لا يسهو .. ودي حرب مدّ وجذر"، فوضع الرقيب علامة حمراء وكتب: "أرى حذف هذه الجملة لأنها تصف الجيش بالسهو والإهمال". وفي ص(59) حوار عن حالة الحرب وأن المصريين يحاربون في كل مكان، فوجدت الرقيب يعلق على الحوار كله بعبارة كتب فيها: "هذا كله استهلاك محلي قد انتهى أجله"!!

هذه بعض الملاحظات الرقابية، والغريب أن الرقيب تمادى فيها كثيراً، رغم أن النص يرفض إيقاف إطلاق النار، ويريد استمرار الحرب حتى يتم الانتصار الشامل، ويرفض فكرة التهدئة وأي مفاوضات أو سلام مع العدو!! والواقع يقول إن النص رُفض من قبل الرقابة، أو أن المؤلف أُجبر على سحبه، أو سحبه من تلقاء نفسه، حتى لا يُقال إن نصاً لمحمود دياب تم رفضه! أو أن أحدهم نصحه بسحبه لأن الحالة كانت غائمة .. وغير واضحة: هل ستستمر الحرب أو أن السلام سيحدث! والدليل على ذلك أن المؤلف نصّ في عنوان مسرحيته أن المسرحية من أجل "الاستفهام عن مسألة الحرب والسلام"!! هذا بالإضافة إلى أن الملاحظة المكتوبة من الرقيب على غلاف النص بأن المسرحية «ضد أمريكا»، ربما كانت السبب المباشر في رفض النص، واستندت في رفضها إلى ملاحظات الرقيب الواهية – الخالية من أي موانع رقابية - بوصفها «شماعة» لتبرير الرفض!!

والسؤال الآن: لماذا اعترضت الرقابة على نص مسرحي مكتوب عن حرب أكتوبر وفي الوقت نفسه ضد أمريكا؟! ولماذا يتم رفض النص الذي ينادي باستمرار الحرب؟! ولماذا لا توافق الرقابة على تمثيل نص مسرحي يرفض السلام مع العدو الصهيوني؟! الإجابة تتمثل في «ورقة أكتوبر»، حيث إنه تم تقديمه إلى الرقابة يوم 24/4/1974 أي بعد خمسة أيام من نشر ورقة أكتوبر! والطريف أن مسرحية «رسول من قرية تميرة» لم تُمثَّل - منذ عام 1974 – إلا بعد تنفيذ اتفاقية السلام، وبعد موت المؤلف محمود دياب!! وتحديداً في مارس 1984.

وأخيراً نجد مسرحية «كلام فارغ» لأحمد رجب – والمقدمة إلى الرقابة المسرحية يوم 6/7/1974 – والتي تُعدّ مثالاً دالاً على تحكم الرقابة المسرحية في زمام أمر النصوص المسرحية التي ستُعرض على المسارح المصرية، بحيث تتدخل فيها إما بالرفض أو التعديل، لتكون متناسبة مع التوجه السياسي للدولة والدعوة إلى السلام ونبذ الحروب .. إلخ ما جاء في «ورقة أكتوبر» تلميحاً وتضميناً!! ففي الأول من يوليو أرسلت الفنانة «سميحة أيوب» خطاباً إلى الرقابة، هذا نصه: "السيد الأستاذ مدير الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد. نرسل لسيادتكم رفق هذا عدد أربع نسخ من مسرحية «كلام فارغ» تأليف الأستاذ أحمد رجب .. وإعداد الأستاذ نبيل بدران وإخراج الأستاذ سمير العصفوري، والتي سيقدمها المسرح الحديث في الموسم الصيفي هذا العام. برجاء التكرم بالموافقة على تمثيلها بالمسرح الحديث.

علماً بأن المسرح موافق عليها شكلاً وموضوعاً. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام. [توقيع] مديرة المسرح الحديث «سميحة أيوب» تحريراً في 1/7/1974".

وبعد يومين نشرت جريدة «الأهرام» خبراً يقول إن «محمد نوح» سيقدم ألحان عشرة أغانٍ للمسرحية، "تتحدث عن مصر بعد العبور في محاولة للتخلص من عيوبنا الاجتماعية وإعادة البناء"!! والمسرحية سيقوم ببطولتها عبد السلام محمد، ومرفت سعيد، مع المطرب محمد نوح الذي اختاره مخرجها سمير العصفوري. وهذا الخبر يعني أن هناك تغييراً في النص استلزم إضافة أغانٍ تتحدث عن مصر بعد العبور، أو بصراحة تتحدث وفقاً لورقة أكتوبر!! وهذا ما يؤكده خطاب آخر مرسل من المسرح إلى الرقابة، جاء فيه الآتي: "السيد الأستاذ مدير الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد، نرسل لسيادتكم رفق هذا أربع نسخ من الأغاني التي ستقدم ضمن مسرحية «كلام فارغ» والسابق الموافقة عليها من الرقابة رقم 178 بتاريخ 20/7/1974 والتي سيقدمها المسرح الحديث خلال النصف الأول من شهر أغسطس 1974".

ثم نجد خطاباً جديداً – بالمعنى نفسه – ولكن تاريخه بعد السابق – وتحديداً في 3/8/1974، هذا نصه: "برجاء التكرم بالموافقة على أداء هذه الأغاني ضمن المسرحية علماً بأن المسرح موافق عليها شكلاً وموضوعاً. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام. [توقيع] مديرة المسرح الحديث «سميحة أيوب»". هنا تظهر الحقيقة .. فالنص مُجاز رقابياً وهو جاهز للعرض بتصريح رسمي!! فلماذا تُضاف إليه الأغاني، ويُطالب المسرح بإعادة التصريح بالمصرح به من قبل، إلا إذا كان التغيير - أو إضافة الأغاني – يتناسب مع الرغبة السياسية في عرض مسرحيات تنبذ الحروب وتدعو إلى السلام، وفقاً لورقة أكتوبر!!
وهذا ما تؤكده الوثيقة التالية، وهي خطاب أيضاً من المسرح إلى مدير الرقابة بتاريخ 15/8/1974، جاء فيه: "السيد الأستاذ مدير الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد. نرسل لسيادتكم رفق هذا عدد نسختين من مسرحية «كلام فارغ» تأليف أحمد رجب، بعد التعديل والسابق الموافقة عليها برقم 178 بتاريخ 20/7/1974. برجاء التكرم بالموافقة على التعديل علماً بأن المسرح موافق عليها شكلاً وموضوعاً وتفضلوا بقبول فائق الشكر والتقدير [توقيع] مدير المسرح الحديث «سميحة أيوب»".

بعد هذه المراسلات، أصبح العرض جاهزاً – وفقاً للرؤية السياسية – ونشرت الصحف – وبالأخص جريدة «الأهرام» يوم 15/8/1974 – إعلاناً عن العرض قالت فيه: "المسرح الحديث يقدم اليوم والأيام التالية على مسرح يوسف وهبي الجمهورية سابقاً المكيف الهواء: أحمد رجب يؤلف «كلام فارغ»، ونبيل بدران يعد «كلام فارغ»، ومحمد نوح يلحن «كلام فارغ»، وفرقة النهار تعزف «كلام فارغ»، ونجوم المسرح الحديث في «كلام فارغ»، ومنصور مكاوي يصمم «كلام فارغ»، وسمير العصفوري يخرج «كلام فارغ». «كلام فارغ» عرض مسرحي موسيقي غنائي ضاحك. يرفع الستار الساعة 9 مساء".

أخبار الساعة

الاكثر قراءة