فتحت وزارة التضامن الاجتماعي أبواب عدد من المؤسسات التابعة لها أمام ممثلي المؤسسات الصحفية المختلفة، في جولة كشفت عن خريطة متكاملة للرعاية والتمكين تقدمها المؤسسة القومية لتنمية الأسرة والمجتمع..
خدمات تبدأ من الحضانات الدامجة التي تهيئ الأطفال للاندماج التعليمي في سن مبكرة، وتمتد إلى مراكز متخصصة للتأهيل والعلاج والتدريب، وصولًا إلى الورش المهنية التي تمنح الشباب من الجنسين فرصًا عملية للاندماج والإنتاج.. جولة بدت كرحلة عبر مراحل الحياة المختلفة، أظهرت كيف تتحول الحماية الاجتماعية من مجرد شعار إلى واقع يعيشه المستفيدون يوميًا.
وتأتي هذه الجهود في إطار الأولوية التي يحظى بها ملف «قادرون باختلاف» بدعم غير مسبوق من القيادة السياسية، وخاصة أبناء الأسر الأولى بالرعاية، بما يترجم الاهتمام بحقوقهم في الرعاية والتمكين، ويعكس حرص الدولة على بناء منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية .
الحضانات الدامجة.. البداية من الطفولة..
شملت الجولة من الحضانات الدامجة،التي تستوعب أطفالًا من غير ذوي الإعاقة من سن 2 إلى 6 سنوات، والأطفال ذوي الإعاقات البسيطة من سن 3 إلى 8 سنوات، بالإضافة إلى الأطفال الذين يعانون من الحرمان والتأخر البيئي، حيث تقدم برامج تعليمية متطورة في اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات، إلى جانب تحفيظ القرآن وتعليم السلوكيات الإيجابية، وتضم الحضانات أنشطة منتسوري، مساحات خضراء، وألعاب آمنة، بما يمهد لمرحلة الدمج التعليمي الكامل، ويمنح الأطفال فرصة انطلاقة متوازنة.
مراكز متخصصة لعلاج وتأهيل ذوي الإعاقة
شملت الجولة زيارة مجمع المرج لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يعد من أكبر المجمعات المتكاملة التابعة للمؤسسة القومية، يضم المجمع أكثر من 190 ابنًا من ذوي الإعاقة، إلى جانب وحدة متخصصة لرعاية المسنين ومتعددي الإعاقات.. ولا يقتصر دوره على الإقامة والرعاية اليومية، بل يمتد إلى برامج التأهيل والتدريب المهني، من خلال ورش متنوعة تشمل الخياطة والتطريز وصناعة الخرز والجلود والمشغولات اليدوية، وتوفر هذه الورش فرصًا جيدة لاكتساب مهارات عملية، تسهم بشكل أساسي في دمج الأبناء بالمجتمع وإعدادهم لسوق العمل.
أما مجمع عين شمس، فيعرف بتنوع برامجه العلاجية والتأهيلية، حيث يقدم سنويًا نحو 650 جلسة علاج طبيعي، إضافة إلى جلسات التخاطب والعلاج الوظيفي والتكامل الحسي، بما يغطي احتياجات مئات الأطفال والأسر، ويتميز المركز بدمج البرامج الأكاديمية والاجتماعية مع الجلسات العلاجية، ليكون أكثر من مجرد مؤسسة علاجية، بل بيئة متكاملة تسعى إلى تنمية القدرات وصقل المهارات، بما يحقق تحسينًا ملموسًا في نوعية حياة المستفيدين .
مكان الملايكة.. شهادة أم عن رحلة ابنتها في مركز عين شمس
في ركن هادئ بمكان انتظار أولياء الأمور داخل مجمع عين شمس، جلست أسماء أحمد تنتظر ابنتها سلمى التي دخلت لتلقي جلستها.. كان أمامها مشهد يبعث على الراحة؛ مساحات خضراء تتخللها أشجار النخيل، وزهور "وينكا" المميزة التي تظل متفتحة أغلب فترات العام، لتزين أرجاء المجمع بألوان زاهية تجعل المكان أشبه بواحة صغيرة وسط المدينة.. رفعت بصرها للحظة إلى المنظر العام، ثم بدأت حديثها الذي حمل بين سطوره مشاعر أم ممتنة لما وجدته بالمجمع.
قالت أسماء: "سلمى بتاخد جلسات تخاطب وعلاج وظيفي وتنمية مهارات من عدة سنوات، قبل ما نيجي هنا كنت بروح مراكز خاصة وبدفع مبالغ كبيرة جدًا، لكن ما كنتش بشوف أي تقدم حقيقي. بالعكس، كنت كل مرة بخرج محبطة وحاسة إن بنتي واقفة في نفس النقطة. أول ما بدأت سلمى هنا من سنة تقريبًا، اختلف الوضع تمامًا، لأول مرة أحس إنها بتتطور بجد".
وأضافت بنبرة واثقة: "أجمل حاجة في المركز إنهم بيعملوا تقييم دوري للطفل وللأخصائي كمان، بيشوفوا هل البرنامج العلاجي مناسب، ويغيروه لو في حاجة محتاجة تعديل، ده بيديني إحساس بالأمان وبطمني إن بنتي ماشية في الطريق الصح، دي حاجة ما شفتهاش في أي مكان تاني، لا حكومي ولا خاص".
وتابعت: "المكان هنا فوق توقعاتي.. ما كنتش متخيلة إن مؤسسة حكومية تبقى بالشكل ده، كل حاجة نظيفة ومنظمة، وفيه زرع وشجر وورود بتخلي الواحد يحس براحة من أول ما يدخل، حتى أماكن الانتظار لينا كأولياء أمور معمولة بشكل محترم، أنا دايمًا بسميه مكان الملايكة، لأنه بيخليني أرتاح وأفصل عن ضغوط الحياة".
وأضافت: "الموضوع مش مقتصر على علاج الأطفال بس، إحنا كمان كأمهات واخدين نصيبنا من الاهتمام، بيعملوا لنا محاضرات دعم نفسي، وبيشرحوا لنا الجديد في العلم بخصوص حالات أولادنا، بحس إني مش مجرد ولي أمر بيستنى بره، لكن كأني شريكة في رحلة علاج بنتي، وبفهم إزاي أساعدها في البيت".
ثم ابتسمت وهي تكمل حديثها: "من أجمل الحاجات كمان إنهم بيصوروا جلسات سلمى ويدوني الفيديوهات، لما بشوف الفرق بين أول جلسة وآخر جلسة، ببقى منبهرة وسعيدة وفخورة، بحس إن كل خطوة صغيرة بتاخدها سلمى هنا هي انتصار كبير ليا وليها".
ورش مهنية للتأهيل والتمكين
في كل من مجمع المرج ومجمع عين شمس برزت الورش المهنية كأحد أهم أدوات الدمج المجتمعي، إذ لا تقتصر على تدريب الأبناء على الحرف، بل تسهم أيضًا في صقل شخصياتهم وتنمية مهاراتهم الحياتية، ففي مجمع المرج يعمل أكثر من 120 ابنًا وابنه في ورش متعددة تشمل الخياطة والتطريز وصناعة الخرز والجلود والعطور، إضافة إلى النجارة والزراعة.
وتنتج هذه الورش منتجات متنوعة مثل الشنط الجلدية، المفروشات المطرزة، الإكسسوارات اليدوية، والقطع الخشبية، التي يعرض بعضها في معارض محلية، بما يمنح الأبناء شعورًا بالإنجاز وفرصة لتسويق ما تعلموه.
أما مجمع عين شمس فيضم ورشًا متخصصة للخياطة والمشغولات اليدوية يشارك فيها نحو 80 مستفيدًا، حيث يجمع التدريب بين الجانب المهني وبرامج تعديل السلوك، بما يساعد الأبناء على الانضباط وتحمل المسؤولية، ويمنحهم فرصة حقيقية للاعتماد على الذات.
وتعد هذه الورش بمثابة جسور تربط بين الرعاية داخل المؤسسة وفرص الاندماج والإنتاج في المجتمع.
الغذاء والأمن الغذائي
ومن بين المبادرات اللافتة، برنامج «تكية المحروسة» الذي تنفذه المؤسسة بالتعاون مع بنك الطعام المصري، ونجح في توزيع أكثر من 171 ألف وجبة جاهزة على الأسر الأولى بالرعاية، بما يضمن وجبة آمنة ومتوازنة تصل مباشرة إلى المستفيدين.
وأخيرًا.. الجولة لم تكن مجرد انتقال بين مبانٍ ومراكز، بل نافذة على فلسفة متكاملة تسعى من خلالها وزارة التضامن الاجتماعي، عبر المؤسسة القومية لتنمية الأسرة والمجتمع، إلى جعل الحماية والتمكين واقعًا ملموسًا، من الحضانات التي تفتح أبواب الأمل للأطفال، إلى الورش التي تمنح الشباب فرص الإنتاج، مرورًا بمراكز علاج وتأهيل متطورة، تتضح معالم خريطة اجتماعية جديدة تُعيد تعريف مفهوم الرعاية الشاملة في مصر.