أخطر ما نواجهه اليوم وما سوف نواجهه غدًا، هو أن شعبنا العربي تخلف اجيالا عن تقدمه بفعل ظروف مختلفة بعضها يرجع إلى عوامل داخلية وبعضها الآخر يرجع إلى عوامل فرضت عليه من الخارج فرضا.
ولقد بذلنا نحن العرب الكثير من التضحيات وواجهنا الكثير من الآلام لأننا تخلفنا تطورين سابقين هما البخار والكهرباء، وحينما كان العالم كله يدخل عصر البخار، كنا نحن تحت سيطرة أوهام القرون الوسطى، وحينما جاء عصر الكهرباء، كنا نحن نخطو الخطوات البعيدة عن هذه الأوهام، لهذا فاتنا الكثير من الثمرات الكبرى التى حصلت عليها دول سبقتنا إلى المدنية، ولكن ذلك كله لا يقاس بما يمكن أن نتعرض له إذا فاتنا "الفجر الجديد" الذى أشرق على الدنيا.
وقد كان يمكن فى الماضى أن يتخلف شعب عن التطورات العالمية ثم يسمح له أن يبقى موجودًا على الأرض، ولكن الأمر هذه المرة مختلف، إن الذين يتخلفون عن الفجر الجديد سوف يغامرون بحقهم فى الوجود لقد كان من الممكن أن يوجد الجمل والسيارة فى وقت واحد لكن لا يمكن إطلاقًا أن يكون له وجود في عصر الصواريخ ...
هذه هى صورة المشكلة التى تواجهنا نحن العرب، ويجب أن أضيف إليها أن هناك نتائج سياسية كبرى سوف تترتب عليها، وأن الفارق بين الدول التى تساير التطور الكبير القادم والدول التى تعجز عن مسايرته سيكون أكبر بكثير من الفارق بين دول الاستعمار والشعوب التى أذعنت لطغيانه ...
إن المعرفة ستكون فى العصر القادم هى القوة الحقيقية.. وهى الحربة الحقيقية. وعلينا أن نسارع إلى مواكبته ونصنع لأنفسنا مكانًا فى موكبه لقد عشنا فى نهضتنا الحديثة التى صنعها غيرنا وكانت أوروبا غارقة فى ظلام القرون الوسطى فأسلمنا إليها التراث فى مطلع عصر النهضة، وذهبنا نحن نغط فى نوم عميق.. لم يعد بآمالنا أن نعيش عالة على الآخرين ولا عاد يليق بهذه الآمال أن تتعلق بالماضى بل علينا أن نتحول إلى قوة خلاقة لا نأخذ من الآخرين ولكننا نعطيهم.
جمال عبد الناصر
المصور – نحن العرب 1962