الثلاثاء 7 اكتوبر 2025

تحقيقات

عامان على حرب غزة| مصر قلب العروبة النابض.. جهود متواصلة لوقف العدوان ودعم الحقوق الفلسطينية

  • 7-10-2025 | 10:06

قطاع غزة

طباعة
  • دار الهلال

«نعمل بكل قوتنا وبكل إخلاص من أجل وقف الحرب.. وعملنا بكل قوتنا وكل إخلاص لإدخال مساعدات للفلسطينيين».. كلمات تختصر حجم الجهد والإصرار، قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة للأكاديمية العسكرية، لتسجّل للتاريخ شهادةً لمصر على ما بذلته طوال عامين من حرب غزة؛ إذ اضطلعت القاهرة، منذ السابع من أكتوبر 2023، بدورٍ إنساني ودبلوماسي محوري في أصعب اللحظات، فكرّست جهودها لوقف العدوان الإسرائيلي، وإجهاض مخطط التهجير، وإنقاذ القضية الفلسطينية من محاولات تصفيتها، وقدّمت كل ما بوسعها لتخفيف معاناة المدنيين تحت القصف والحصار.

ومع اندلاع عملية «طوفان الأقصى» وبداية الحرب الإسرائيلية التي دمّرت غزة وأغرقتها بدماء الأبرياء، وأودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، كانت مصر حاضرة بدورها الإنساني والتاريخي والجغرافي والسياسي، لتظل السند الحقيقي للفلسطينيين، والركيزة الثابتة في الدفاع عن قضيتهم العادلة أمام المجتمع الدولي.

فعلى الصعيد الإنساني، أثبتت البيانات الرسمية أن نحو 70% من حجم المساعدات الإغاثية التي وصلت إلى قطاع غزة قدمتها مصر وحدها، فيما تحوّل مطار العريش الدولي إلى منصة رئيسية لاستقبال المساعدات القادمة من مختلف دول العالم قبل توجيهها إلى أهل القطاع.

ومع سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح — الذي كانت مصر تُدخل منه المساعدات رغم تخصيصه أساسًا لعبور الأفراد — اضطرت القاهرة إلى توجيه الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الخاضع بالكامل لسلطة الاحتلال، ما أتاح لإسرائيل التحكم في تدفق المساعدات عبر إجراءات تفتيش معقدة وعراقيل متعمدة، من احتجاز الشاحنات وتركها عرضة لاعتداءات المستوطنين، إلى استهداف المدنيين المنتظرين للمساعدات بالنيران المباشرة.

ولم تقتصر الجهود المصرية على إدخال المساعدات براً، بل امتدت لتشمل عمليات إسقاط جوي لإيصال الإغاثة إلى المناطق المعزولة التي تعذّر وصول الشاحنات إليها بسبب القصف والحصار.

كما فتحت مصر أبواب مستشفياتها أمام الجرحى والمرضى من أبناء غزة، فاستقبلت الحالات الحرجة لتلقي العلاج والرعاية الطبية اللازمة، ووفّرت أطقمًا طبية متخصصة ومستلزمات دوائية متكاملة، في مشهد يجسد التزامها الأخلاقي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني الذي يواجه عدواناً همجياً على أرضه.

ومع تفاقم الكارثة الإنسانية داخل القطاع، وعجز المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن عن حماية المدنيين وإرغام إسرائيل على وقف إطلاق النار، انضمت مصر إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، في إطار تمسكها بالشرعية الدولية ورفضها لسياسة الإفلات من العقاب، متهمةً إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

كما يسّرت القاهرة لممثلي المحكمة الجنائية الدولية مهمة رصد الأوضاع الإنسانية عبر معبر رفح، دعمًا لجهود المجتمع الدولي الرامية إلى تقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة، ووقف تلك الحرب العبثية التي تستهدف المدنيين الأبرياء.

وفي موازاة التحرك القانوني، حرصت القاهرة على أن تكون منصّةً للحقائق أمام العالم، فاستقبلت رؤساء دول وحكومات وكبار المسؤولين الدوليين في أقرب نقطة من حدود غزة، سواء في معبر رفح أو مدينة العريش، ليقفوا بأنفسهم على حقيقة الأوضاع الميدانية، ويروا كيف يُغلق الاحتلال المعبر من الجانب الفلسطيني بينما تصطف مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات في انتظار الإذن بالعبور إلى القطاع، حاملةً معها مقومات الحياة لأهله المحاصرين.

ومنذ اللحظة الأولى، تولّت مصر مسار التهدئة وقيادة جهود التفاوض لوقف الحرب، وحشدت كل ما تملك من إمكانات لإنقاذ أهل غزة والدفاع عن القضية الفلسطينية.. وانطلقت هذه التحركات من رؤية وطنية تستند إلى خبرة سياسية عميقة وإدراك مبكر لطبيعة هذا العدوان الذي يختلف جذريًا عن سابقيه، ويتسم بطابع انتقامي ويحمل في طياته مخاطر التهجير والإبادة الهادفة إلى تفريغ الأرض من سكانها.

وفي هذا السياق، نظّمت مصر بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب قمة «القاهرة للسلام» بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أمام العالم أن البشرية تقف أمام امتحان إنساني قبل أن يكون سياسيًا، وأن أي تقصير ستكون كلفته باهظة على الضمير الإنساني. كما رسم الرئيس السيسي «خطًا أحمر» حين قال: «أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين، وبروح صادقة تعبّر عن إرادة كل مواطن مصري: لن تُصفّى القضية الفلسطينية دون حل عادل، ولن يكون ذلك على حساب مصر أبدًا».

ومنذ ذلك الحين، لم تُفوّت القاهرة قمةً أو مؤتمرًا دوليًا إلا وكانت القضية الفلسطينية وملف وقف الحرب في صدارة أولوياتها، داعيةً إلى الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية إنصافًا لشعبٍ حُرم من حقه لأكثر من سبعة عقود.

وقد تُوّجت تلك الجهود والدعوات باعترافات دولية متتالية بالدولة الفلسطينية المستقلة، بدأت بخطوات رمزية وتوجتها فرنسا عقب زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى القاهرة والعريش، والتي أعقبتها دعوة باريس إلى عقد مؤتمر «حل الدولتين» في نيويورك، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي شهد سلسلة من الاعترافات المتتابعة بدولة فلسطين.

وفيما يتعلق بجهود وقف إطلاق النار، عملت مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاقات تهدئة وتأمين الإفراج عن المحتجزين والرهائن، وأسفرت تلك الجهود في أوقات سابقة خلال العامين عن هدنٍ مؤقتة وتبادل جزئي للمحتجزين، إلا أن تلك المساعي تعثرت مع استمرار حكومة الاحتلال في التنصل من أي حلول سلمية، ومضيّها في سياسة الاغتيالات والدمار، حتى بلغ بها الأمر حد استهداف مفاوضين على أرض دولة وسيطة.

وفي مارس 2025، قدّمت مصر خلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، تبنتها الدول العربية والإسلامية، وشدّدت فيها على أن غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، وأن إعادة الإعمار حق أصيل يرسّخ بقاء الفلسطينيين على أرضهم ويحفظ لهم حقهم في وطنهم.. وتعهدت مصر بالمساهمة الفاعلة في إعادة بناء ما دمّرته آلة الحرب، غير أن استمرار العدوان حال دون انطلاق عملية الإعمار حتى الآن.

ورغم التحديات الكبيرة، لم تتراجع القاهرة عن وساطتها لوقف إطلاق النار، بل واصلت جهودها حتى اللحظة الأخيرة؛ فاليوم، ومع مرور عامين على العدوان، تسعى مصر إلى تفعيل الخطة الأمريكية الجديدة لوقف الحرب في غزة، التي طرحها الرئيس دونالد ترامب، من خلال استضافة مفاوضين من حكومة تل أبيب وحركة حماس، في محاولة جادة لتقريب وجهات النظر وإنهاء المشهد الدموي في القطاع، وفتح الطريق أمام إحياء مسار السلام العادل والشامل.

ويشهد العالم أجمع أن مصر، على مدار العامين الماضيين، سخّرت ما تملك من إمكانات، وحشدت أقصى الجهود العربية والإسلامية والدولية الممكنة لوقف نزيف الدم في غزة وإنقاذ حل الدولتين، رافعةً شعارًا واضحًا وحاسمًا: رفض التهجير، والدفاع عن القضية الفلسطينية، وصون الأمن القومي.

وقد تحدثت القاهرة بصوتٍ عالٍ وباللغة التي يفهمها الغرب، فنجحت في تغيير موازين الخطاب الدولي لصالح القضية الفلسطينية، وأكدت أن السلام العادل لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وهكذا أثبتت مصر أن الإنسانية لا تُقاس بالكلمات بل بالمواقف، بعد أن ظل صوتها عاليًا يوقظ الضمير الإنساني من صمتٍ طال أمام مأساة غزة، دفاعًا عن شعبٍ صامد لم يفقد حقه ولا إيمانه بالحياة.

واليوم، وبعد عامين من حربٍ يترقب العالم إخماد نيرانها في كل لحظة، خاصةً مع انطلاق المفاوضات الجارية بشأن «خطة ترامب»، تبقى مصر — قلب العروبة النابض، بضميرها الإنساني وثقلها الإقليمي ومكانتها الدولية — الطرف الأكثر ثباتًا في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ماضيةً في حمل راية الأمل بسلامٍ عادلٍ وشاملٍ يعيد الحقوق إلى أصحابها وينهي عقودًا من المأساة والظلم على أرض فلسطين.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة