السبت 11 اكتوبر 2025

مقالات

أبطال الظل

  • 10-10-2025 | 16:51
طباعة

يُضحك البلياتشو الناس، لكنه غالبا يخفي وراء ملامحه الحزينة وجعا لا يراه أحد فهل تساءلت يوما من يستطيع أن يُضحك من يضحكوننا؟!

ذلك السؤال ظل حاضرا في أذهان عشاق الفن، فكما نضحك على الشاشات من قفشات النجوم الكبار، هناك من كان يُضحكهم خلف الكواليس وأمام الكاميرات بخفة الدم  لا بمهارة التمثيل.

كانت السوشيال ميديا خلال السنوات الأخيرة مرآة صادقة، أعادت للأذهان وجوها خفيفة الظل، شاركت عمالقة الكوميديا في صناعة الضحك الصادق، وكشفت لنا لحظات من وراء الكواليس لا تقل طرافة عن المشهد نفسه.

منهم الفنان سمير غانم أيقونة البهجة فقد كان يمتلك قدرة نادرة على اكتشاف المواهب الحقيقية التي تُضحكه قبل أن تُضحك الجمهور، ففي فيلم "تجيبها كده تجيلها كده هي كده" لم يتمالك نفسه أمام إبراهيم سعفان ووحيد سيف، وحتى فاروق الفيشاوي لم يسلم من عدوى الضحك في تلك المشاهد.

أما الفنان الشعبي عم عقرب، فقد كان مفاجأة سمير غانم الحقيقية، بخفة دمه وتلقائيته التي جعلت النجم الكبير يفقد السيطرة على ضحكاته أمام الكاميرا.

أما الزعيم عادل إمام، فكان دائما يحيط نفسه بمجموعة من أصحاب الظل الخفيف الذين يشاركونه البهجة بلا تكلف، مثل سليمان عيد ويوسف عيد وحسن الديب.

كانوا يمنحون المشهد حرارة الحياة، فتشعر أن الضحك طبيعي وغير مصطنع، كما في مشهد من فيلم بخيت وعديلة، حين خرج محمد هنيدي عن النص مرتين بخفة دمه المعهودة، فانهار الزعيم من الضحك وطلب الإبقاء على اللقطة كما هي لأنها ضحك صادق لا يُعاد.

ولا يمكن أن ننسى مشهد الكباب الشهير بين سعاد نصر ومحمد صبحي في "رحلة المليون"، الذي تحول إلى علامة من علامات الكوميديا المصرية بفضل تلقائية الأداء.

وكذلك الفنان محمود القلعاوي الذي كان ينهار من الضحك في مشاهده في "انتحار مدرس ثانوي"، حتى أصبح الضحك جزءاً من روح المشهد لا خطأً في التصوير.

وتتوالى المواقف التي تؤكد أن الضحك الحقيقي لا يُمثل، بل يولد من الموقف ذاته، ففي فيلم "عبود على الحدود"  اضطر المخرج لإيقاف التصوير مرات عديدة لأن علاء ولي الدين ومحمد هنيدي لم يستطيعا التوقف عن الضحك في مشاهد عفوية خرجت من القلب.

وفي الناظر تكررت الظاهرة نفسها حين جمع المخرج شريف عرفة بين علاء ولي الدين ومحمد سعد، حتى قال عرفة مازحا "كنا بنضحك أكتر ما بنصور!

ومن الشاشة إلى المسرح، لم يخلُ عمل من تلك اللحظات النادرة، ففي "العيال كبرت" خرج سعيد صالح عن النص فجأة في مشهد جمعه بـحسن مصطفى، ليرد الأخير تلقائياً بضحك حقيقي دوى في المسرح، فصار المشهد من أشهر علامات الكوميديا الارتجالية.

أما في يوميات ونيس فقد نسي عبدالله مشرف جملته الأصلية وقال كلاما عشوائيا جعل محمد صبحي يضحك حتى الدموع، لكنه أكمل المشهد كما هو لأنه رأى فيه روحاً طبيعية لا تُكرر.

وفي الجيل الأحدث، لا يمكن تجاهل مشهد أحمد مكي مع هالة فاخر في إتش دبور، حين انفجر من الضحك أثناء التصوير لأنها أدت المشهد بجدية مفرطة وسط موقف كوميدي صرف، ليبقى المشهد علامة من علامات خفة الدم المصرية الأصيلة.

هؤلاء هم من أضحكوا من يضحكوننا، أبطال الظل الذين لا يسعون للصدارة، لكنهم يمنحون الكوميديا روحها الحقيقية، فنجوم الكوميديا الكبار لم يخافوا يوماً من مشاركة البهجة، بل آمنوا أن الضحك عمل جماعي، وأن أعظم نكتة هي تلك التي تنبع من الصدق، لا من النص.

وأن الضحك ليس مجرد مشهد على الشاشة أو نكتة تُقال، بل هو طاقة حياة هو اللغة التي تجمع الناس رغم اختلافهم، والدواء الذي يخفف ثِقل الأيام.

من يضحكوننا لا يعيشون دائما في ضوء المسرح، فبعضهم يعيش في الظل، يصنع البهجة للآخرين بينما يخفي وجعه بابتسامة.

ويبقى الضحك الحقيقي هو ذلك الذي يخرج من القلب، بلا تصنع أو نية سوى أن يسعد غيره، فالضحك لا يصنعه نجم واحد، بل قلوب تتلاقى على الفرح حتى وإن كانت خلف الكواليس.