انتشر «الإسكوتر الكهربائي» مؤخرًا في شوارع القاهرة والجيزة وعدد من المحافظات؛ ليُطرح كوسيلة مواصلات حديثة وسهلة الاستخدام وصديقة للبيئة، غير أن انتشاره السريع حوّله من أداة للتنقل والترفيه إلى مصدر قلق يهدد سلامة المارة وقائديه، في ظل غياب أي إطار قانوني واضح ينظم استخدامه.
الأخطر أن قيادة «الإسكوتر» لا تتطلب الحصول على تراخيص أو تصاريح من الجهات المختصة، ما يجعله خارج نطاق الرقابة الرسمية، ويفتح الباب أمام استخدامه العشوائي، خصوصًا من قِبل الأطفال والمراهقين في الشوارع العامة.
ورغم ما يُروَّج له باعتباره وسيلة مواصلات حديثة وصديقة للبيئة، إلا أنه غالبًا ما يتحول إلى لعبة في أيدي الصبية تُستخدم للتسلية، الأمر الذي يعرض حياتهم وحياة المارة للخطر.
وفي خطوة أولية لمواجهة مخاطره، أطلقت محافظة الجيزة في يوليو الماضي حملات ميدانية لضبط «الإسكوتر الكهربائي» في أيدي القُصَّر، وذلك بعد تلقي شكاوى عديدة من المواطنين بشأن حوادث وقعت بسببه، إضافة إلى ما يُثار حول استغلاله في أعمال مخالفة للقانون.
ورغم أن قرار المحافظة نصّ على قصر استخدامه على الأطفال، إلا أن الرصد الميداني يكشف أن هذه الوسيلة يقودها في الغالب شباب تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عامًا، بل وحتى في العشرينات والثلاثينات، باعتبارها بديلًا عن الدراجات البخارية أو العجل.
إلى جانب القيادة المتهورة، يثير «الإسكوتر» مخاوف إضافية، بعدما أكد مواطنون استغلاله في تنفيذ جرائم سرقة، ما ضاعف من التحذيرات المرتبطة بانتشاره العشوائي.
وسيلة بلا ترخيص
مع الانتشار المتسارع لـ«الإسكوتر الكهربائي» في شوارع مصر، برزت ثغرات قانونية وتنظيمية واضحة؛ فلا توجد لوائح دقيقة له، فيما تتصاعد المخاوف من حوادث يشارك فيها أطفال ومراهقون يقودونه بشكل متهور.
وهذا الواقع فتح باب التساؤلات حول الجهة المسؤولة عن وضع الضوابط، وهو ما طرحه خبراء المرور والإدارة المحلية الذين أكدوا أن تنظيم هذه الوسيلة أصبح ضرورة ملحة قبل أن تتحول إلى عبء على الطرق وأرواح المواطنين.
اللواء دكتور أيمن الضبع، استشاري تخطيط وهندسة المرور وخبير السلامة على الطرق، يؤكد أن «الإسكوتر الكهربائي» يمثل أحد أشكال النقل الخفيف التي ستشهد انتشارًا واسعًا خلال الفترة المقبلة، نظرًا لانخفاض تكلفته وقدرته على تلبية احتياجات التنقل اليومي في المسافات القصيرة التي تتراوح بين 3 و14 كيلومترًا.
لكن الضبع يحذر في الوقت نفسه من غياب التنظيم، لافتًا إلى أن الاستخدام الحالي يفتقد إلى الضوابط القانونية في كثير من الأحيان.
ويشير الضبع إلى أن القانون ينص بوضوح على ترخيص «الإسكوتر الكهربائي» الذي تتراوح قدرته بين 1500 وات حتى 4000 وات، على أن يُمنح قائده رخصة دراجة آلية خفيفة لمن تجاوز 16 عامًا، وفق الإجراءات المعمول بها.
وفي عام 2021، أُجري تعديل على قوانين المرور سمح لمن يبلغون 16 عامًا بقيادة الدراجات النارية الخفيفة مثل «الإسكوتر» والموتسيكل.
وينفي الضبع ما يتردد عن كونه وسيلة غير مرخصة، مؤكدًا أن المخالفة تكمن في السماح لأطفال دون السن القانونية – أحيانًا بعمر 12 أو 13 عامًا – باستخدامه في الشوارع.
لكن المسؤولية، كما يرى الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية والحكومية، لا تقف عند السائق وحده؛ فهو يعتبر أن المحافظين هم الجهة الأولى المسؤولة إداريًا وقانونيًا عن تنظيم وترخيص «الإسكوتر الكهربائي»، مشددًا على أن إدارات المرور بالمحافظات ملزمة بتحديد خطوط سيره.
ويكشف أن محافظ الجيزة وحده اتخذ قرارًا رسميًا بمنع استخدام «الإسكوتر»، بينما بقيت المحافظات الأخرى في موقع المتفرج، على حد وصفه.
ويصف عرفة ملف «الإسكوتر» بأنه «اقتصاد موازي» يوفر فرص عمل للشباب، لكنه يحرم الدولة في الوقت نفسه من إيرادات ضخمة نتيجة غياب التراخيص والمخالفات.
ويستشهد بالقوانين القائمة، مثل قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وقانون المرور رقم 121 لسنة 2008 وتعديلاته، والتي تُلزم بترخيص «الإسكوتر» وتحديد مساراته، بل إن القانون، كما يقول، يحمّل رؤساء الأحياء والمدن والقرى مسؤولية مباشرة عن الإشراف على تلك المسارات.
الأخطر في رأي عرفة أن ما يقارب 92% من سائقي «الإسكوتر الكهربائي» هم من الأطفال تحت سن 18 عامًا، وهو ما يعني أن غالبية مستخدميه يقودونه بصورة غير قانونية، في غياب أي رقابة فعالة.
حديث الخبراء يوضح أن الأزمة الحقيقة ليست في «الإسكوتر» كوسيلة مواصلات، بقدر ما هي في غياب وضوح القوانين أو ضعف تطبيقها في ما يخص الترخيص والضوابط المنظمة، ما يجعله أقرب إلى مصدر للحوادث والخسائر على الطرق.
غير أن اللواء أحمد هشام، الخبير المروري، يؤكد أن الأزمة المتولدة عن انتشار «الإسكوتر الكهربائي» تعود بدرجة أولى إلى عدم التزام مستخدميه بالضوابط المرورية الخاصة بقيادته، لا سيما ما يتعلق بالمناطق المسموح بالسير فيها وطرق استخدامه الآمن.
وحسب هشام، فإن «الإسكوتر الكهربائي» يُعد من وسائل النقل الخفيفة المخصصة لنقل الأفراد بمختلف الأعمار من مكان إلى آخر، إذ يسهم بشكل كبير في تقليل عدد السيارات على الطرق وتخفيف الكثافات المرورية في الشارع المصري.
وفي المقابل، يؤكد أن استخدام «الإسكوتر» في مصر يتم بطريقة خاطئة في كثير من الأحيان، موضحًا أن من أبرز المخالفات عدم التأكد من صلاحيته الفنية قبل الاستخدام، خاصة ما يتعلق بحالة الإطارات وسلامتها.
ويشير إلى أن مشهد شخصين يستقلان «الإسكوتر» الواحد بات مألوفًا في الشوارع، رغم أن ذلك ممنوع تمامًا ويُعد مخالفة واضحة لقواعد السلامة، لافتًا إلى أن سيره في نهر الطريق يمثل خطأ جسيمًا.
ويقتصر استخدام «الإسكوتر» – بحسب هشام – على الأندية الرياضية والساحات الشعبية والمولات، وكذلك الأرصفة التي لا توجد بها كثافات بشرية، حيث أكد أنه لا يجوز قيادته في الطرق السريعة.
ويبيّن أنه في حال ضبط «الإسكوتر الكهربائي» تُتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مستخدمه، فإذا كان الحدث، يتم سحب «الإسكوتر» وعمل المحضر اللازم وعرضه على جهات التحقيق، وقد تصل العقوبة إلى الحجز في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، مع مساءلة ولي الأمر قانونيًا.
أما إذا كان عمر السائق يزيد على 18 عامًا، فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة مالية لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقًا له.

«الإسكوتر الكهربائي».. بين الحظر والحاجة
أصبح «الإسكوتر الكهربائي» حاضرًا بقوة في شوارع المدن المصرية، مثيرًا جدلًا واسعًا بين المواطنين، فبينما يراه البعض وسيلة مواصلات عصرية تخفف من أعباء التنقل، يحذر آخرون من مخاطره المتزايدة، خاصة مع غياب القوانين والضوابط المنظمة لاستخدامه.
يقول م.ع: «كنت في طريقي إلى محطة المترو حين فوجئت بشخصين يقودان «إسكوتر» في الممر المخصص للمشاة، مرددين بسخرية: حاسب هنشيلك. ولولا أنني ابتعدت قليلًا لاصطدما بي. رحبت بقرار محافظة الجيزة بحظر «الإسكوتر»، لكن لماذا لا تُطبَّق هذه الخطوة في القاهرة وباقي المحافظات؟».
أما أ.ح فيرى أن «الإسكوتر» أصبح خطرًا داهمًا، قائلاً: «لا يوجد رادع قوي وسريع للمخالفين، وده بيشجع المستهترين على التمادي في سلوكياتهم غير المسؤولة، بما يعرض حياة الناس للخطر».
ويشير خ.م إلى أن المشكلة تكمن في غياب وسائل التنبيه الواضحة: «الإسكوتر وسيلة مواصلات عملية، لكن كونه بلا صوت تقريبًا يخلي الناس مش واخدة بالها منه، والسائق نادرًا ما بيضرب كلاكس. لازم يكون في توعية علشان يمشوا بسرعة مناسبة ويستخدموا الكلاكس من وقت للتاني لتفادي الحوادث».
بينما تؤكد د.س رفضها استمرار استخدام هذه الوسيلة، مشددة على أنها تسببت في العديد من الحوادث، وأضافت: «الأطفال دون سن 18 عامًا هم من يقودونها في الغالب، مما يشكل خطرًا مضاعفًا، ولذا يجب اتخاذ قرار بإلغائها تمامًا».
في المقابل، يرى م.س أن «الإسكوتر» يمثل الحل الأمثل لأزمة المواصلات: «أنا بركب توك توك يوميًا وبصرف ما لا يقل عن 100 جنيه، بينما سعر «الإسكوتر» حوالي 25 ألف جنيه فقط. طبيعي أفكر أشتري واحد».
وتتقاطع هذه الآراء المتباينة مع ما أظهره استبيان أجرته «دار الهلال» حول انتشار «الإسكوتر الكهربائي» في شوارع القاهرة والجيزة وعموم البلاد، إذ كشف عن انقسامٍ واضحٍ في مواقف المواطنين بين مؤيدين ومعارضين لوجوده، وسط تزايد ملحوظ لاستخدامه خلال الشهور الأخيرة.
ووفقًا لنتائج الاستبيان، أكد 58.3% من المشاركين أنهم يلاحظون انتشار «الإسكوتر الكهربائي» بكثرة في مناطقهم، فيما قال 20.8% إنهم يلاحظونه بين الحين والآخر، وأشار 12.5% إلى أنه يظهر بشكل محدود، مقابل 8.3% لا يلاحظونه على الإطلاق.

أما بشأن مدى خطورته على المجتمع، فقد رأى 45.8% من المشاركين أنه يشكل خطرًا على السلامة العامة، في حين اعتبر 54.2% أنه لا يمثل تهديدًا، ما يعكس تباينًا واضحًا في نظرة المواطنين لهذه الوسيلة الحديثة.

وفي ما يخص الموقف من حظرها، انقسمت الآراء بالتساوي؛ إذ أيد 50% من المشاركين تحرك السلطات لحظر «الإسكوتر» في الشوارع العامة، بينما رفض 50% هذا التوجه.

وبيّن الاستبيان أن 26.1% من المشاركين تعرضوا لمواقف شكّل فيها «الإسكوتر» تهديدًا لهم، سواء عبر حوادث أو محاولات سرقة، مقابل 73.9% لم يتعرضوا لأي مواقف مماثلة.

ومن حيث الفئة العمرية، أظهرت النتائج أن الشريحة الأكبر من المشاركين تنتمي إلى الفئة من 18 إلى 30 عامًا بنسبة 79.2%، تليها الفئة فوق 30 عامًا بنسبة 29.2%، وهو ما يشير إلى أن فئة الشباب هي الأكثر احتكاكًا واستخدامًا لـ«الإسكوتر» داخل الشوارع المصرية.
التنظيم هو الحل
وبينما يستمر الجدل حول «الإسكوتر الكهربائي» بين الحظر والحاجة، يبقى التنظيم هو الحل الوسط الذي يمكن أن يحافظ على السلامة العامة دون أن يعيق التطور في وسائل النقل الحديثة.
وبحثًا عن حلول لهذه الأزمة، يقترح الدكتور عرفة إنشاء وحدة إدارية متخصصة تتولى ترخيص «الإسكوتر» وممارسة الرقابة المباشرة عليه.
ويشير إلى أن ما يجعل «الإسكوتر» وسيلة «غير آمنة» في الشوارع المصرية هو استخدامه دون رقابة أو ترخيص، مؤكدًا أن الحل يكمن في تنظيمه لا منعه، عبر حملات توعية تستهدف الشباب والأهالي.
ويرى الدكتور عرفة أن التنظيم والترخيص قد يحولان «الإسكوتر» من خطر داهم إلى وسيلة نقل إيجابية، خاصة أنه يساهم في خدمة المناطق النائية ويوفر مصدر دخل للشباب.
أما اللواء أحمد هشام، فيشير إلى أن السرعة القانونية لقيادة «الإسكوتر» يجب ألا تتجاوز من 20 إلى 40 كم/س، مؤكدًا أن أي تجاوز لتلك السرعة يُعد مخالفة مرورية تستوجب الضبط والعقوبة القانونية.
لكن المشكلة، بحسب الخبير، تتفاقم في غياب الرقابة المستمرة على الطرق، ما يجعل من السهل الإفلات من العقاب، لذلك دعا المواطنين إلى الإبلاغ عن أي مخالفات عبر الخط الساخن (136) داخل القاهرة الكبرى أو الرقم (01221110000) على الطرق السريعة.
ويختتم هشام حديثه بالتأكيد على أن الحل الأمثل لأزمة «الإسكوتر الكهربائي» يكمن في الالتزام بقيادته داخل الأماكن المخصصة له، والتعاون مع الجهات الأمنية بالإبلاغ عن أي مخالفات يتم رصدها في الطرق والشوارع.
يبقى «الإسكوتر الكهربائي» وسيلة مواصلات عصرية وسهلة الاستخدام، لكن الجهل بقوانينه وعدم الالتزام بضوابطه حوّلاه إلى عبء مروري يهدد أرواح المواطنين، ما يستدعي تضافر الجهود لتقنين استخدامه وضبط سلوكه على الطرق بما يحقق السلامة العامة.