في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفي مثل هذا اليوم 14 أكتوبر، اهتز الوسط الثقافي المصري والعربي على وقع نبأ محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، في حادث أثار صدمة عميقة وأعاد طرح أسئلة الفكر والتطرف وحرية الإبداع في المجتمع، حيث حاولت الجماعات التكفيرية في مصر، حيث حاولت الجماعات التكفيرية اغتيال أديب نوبل أسفل منزله بالعجوزة يوم الجمعة، في أثناء استعداده لركوب سيارة صديقه " فتحي هاشم" في طريقه إلى مقره اليومي المعهود في وسط القاهرة.
وكان "محفوظ" قد خرج لركوب السيارة، واستدار فتحي هاشم لكي يتولى القيادة، قبل أن يسمع صرخة عالية من محفوظ، امتدت يد آثمة من شاب جاهل، بالسكين في رقبة صاحب نوبل، وتمثلت عناية الله في أن تكون هذه الواقعة بالقرب من مستشفى الشرطة بالعجوزة؛ حيث تم إسعاف محفوظ، وإنقاذ حياته، لكن الحادث ترك أثره على حياة ابن الجمالية لسنوات بعدها.
تعمد التكفيريين محاولة اغتيال أديب نوبل في الذكرى السادسة لحصوله على نوبل، وهو ما ظن التكفيريون أنه كان مكافأة للكاتب الكبير على رواية "أولاد حارتنا" التي كفروه بسببها مرارًا وتكرارًا، على الرغم من أن الأكاديمية السويدية أشارت في حيثيات فوز محفوظ بنوبل، إلى أن "أولاد حارتنا" التي كتبها عام 1959م تناول من خلالها بحث الإنسان الدءوب عن القيم الروحية، وإنها تتضمن أنماطاً مختلفة من الأنظمة تواجه توتراً في وصف صراع الخير والشر".
وكان أديب نوبل يدرك داخليا سبب الطعنة، ويعلم بخطورة مشروعه الأدبي، على المتطرفين وصانعي الإرهاب.
وعلى الرغم من أن الجريمة استهدفت "صوت العقل" في الأدب العربي، فإن نجيب محفوظ ظل بعد نجاته رمزًا للإنسان المتسامح المؤمن بالحوار والفكر لا بالسيف
وفي تصريحات لاحقة، قال محفوظ بهدوئه المعهود: "أنا لم أكره أحدًا، حتى من حاول قتلي، لأن ما فعلَه كان جهلًا، والجهل لا يُحارَب إلا بالوعي"، وأكد أن حاول قتله ضحية فكر منحرف، وليس عدوًا شخصيًا له.
هكذا تحولت ذكرى 14 أكتوبر 1994 البائسة إلى ذكرى لانتصار الكلمة على السلاح، ولانتصار الكاتب الذي قاوم الجهل بالإبداع، وترك وراءه أدبًا خالدًا يفتح العقول ولا يهاب الطعنات.