الأحد 19 اكتوبر 2025

فن

في ذكرى رحيله.. نيازي مصطفى «شيخ المخرجين» وصاحب النهاية الغامضة

  • 19-10-2025 | 03:45

نيازي مصطفى

طباعة
  • ندي محمد

تحل اليوم 19 أكتوبر ذكرى وفاة المخرج الكبير نيازي مصطفى، أحد أبرز رواد الإخراج في تاريخ السينما المصرية والعربية، الذي ترك إرثًا فنيًا ضخمًا امتد لعقود طويلة، وارتبط اسمه بعشرات الأعمال الخالدة التي شكلت وجدان أجيال من عشاق السينما. وبرغم مشواره الحافل بالنجاح، إلا أن نهايته كانت مأساوية وغامضة، في واحدة من أكثر الجرائم التي حيرت الوسط الفني حتى اليوم.

وُلد نيازي مصطفى في 11 نوفمبر عام 1910 بمحافظة أسيوط، لأب سوداني من أعيان السودان وأم تركية، ونشأ في بيئة متعددة الثقافات أثرت في شخصيته وحبه للفن. سافر في شبابه إلى ألمانيا لدراسة السينما، وهناك اكتسب خبرة واسعة في تقنيات الإخراج والمونتاج، قبل أن يعود إلى مصر ليبدأ مشواره العملي في استوديو مصر كمركّب أفلام، ثم مساعد مخرج مع الفنان يوسف وهبي.

في عام 1937، تولى إخراج أول أفلامه «سلامة في خير»، لتبدأ بعدها مسيرة لامعة قدم خلالها عشرات الأفلام التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية، مثل «رصيف نمرة 5»، «أبو حديد»، «سر طاقية الإخفاء»، «عنتر بن شداد»، «لعبة الحب والجواز». لم يكن نيازي مصطفى مجرد مخرج، بل كان فنانًا شاملاً تولى كتابة السيناريوهات وصناعة المؤثرات البصرية، واعتبر من أوائل من أدخلوا الخدع السينمائية إلى الأفلام العربية.

امتدت بصماته خارج مصر، إذ أخرج أفلامًا عربية وأجنبية، من بينها الفيلم العراقي «ابن المشرق» عام 1949، وأول فيلم طويل سعودي «موعد مع المجهول» عام 1980، إلى جانب الفيلم التركي «شيطان البوسفور»، كما شارك في إخراج الفيلم الإيطالي «كيف سرقنا القنبلة الذرية».
كما قدم خمسة أفلام لبنانية، منها «البدوية العاشقة»، «بنت عنتر»، «سارق الملايين»، «النصابين الثلاثة»، «عنتر يغزو الصحراء»، ليصل رصيده إلى 119 فيلمًا، كان آخرها «القرداتي» عام 1987 بطولة فاروق الفيشاوي وسمية الألفي.

 

عرف المخرج الراحل حياتين عاطفيتين بارزتين؛ الأولى من الفنانة كوكا، التي لم تكن مجرد زوجة بل شريكة نجاح فني، إذ عملت معه كمونتيرة ثم بطلة لأفلامه، واشتهرت بتجسيد شخصية الفتاة البدوية في أعماله مثل «عنترة بن شداد».
لاحقًا تزوج من الراقصة نعمت مختار، لكن هذا الزواج لم يستمر طويلًا، فعاد مجددًا إلى كوكا بعد علمه بإصابتها بمرض السرطان، وظل إلى جوارها حتى وفاتها، في موقف إنساني ظل عالقًا في ذاكرة الوسط الفني.


في 19 أكتوبر 1986، استيقظ الوسط الفني على صدمة كبرى بعد العثور على جثمان المخرج الكبير مقتولًا داخل شقته بحي الدقي في ظروف غامضة.
عُثر عليه مكبّل اليدين من الخلف بكرافته، وفمه مكمم بقطعة قماش، وقد قُطع شريان يده بشفرة حادة في مشهد بدا وكأنه مقتبس من أحد أفلام الجريمة التي أخرجها بنفسه.

بدأت التحقيقات على نطاق واسع وشملت العاملين معه في فيلمه الأخير «القرداتي» وأقاربه وسكان العقار، إلا أن الغموض كان سيد الموقف؛ فلم يتم العثور على بصمات أو آثار اقتحام، كما لم تُسرق أي متعلقات ثمينة.
أشارت التحقيقات حينها إلى أن الجريمة تمت بدقة احترافية، وكأن القاتل يعرف تفاصيل المكان جيدًا.

ورغم محاولات الشرطة لفك اللغز، أُغلقت القضية بعد أشهر دون التوصل إلى الجاني، وقُيّدت ضد مجهول. وحتى اليوم، وبعد مرور 39 عامًا على رحيله، لا تزال جريمة نيازي مصطفى واحدة من أكثر الحوادث غموضًا في تاريخ السينما المصرية.

رحل شيخ المخرجين، لكن بقيت أفلامه شاهدة على عبقريته، وبقيت نهايته لغزًا يثير التساؤلات.. كأنما كتب بيده آخر مشاهد حياته، ليغادر الدنيا في لقطة بلا نهاية.

الاكثر قراءة