نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، لقاء لتكريم اسم الشاعر الراحل حسني منصور، وذلك بقصر ثقافة الشاطبي، بمحافظة الإسكندرية، وذلك في إطار برامج وزارة الثقافة للاحتفاء برموز الإبداع الأدبي والفكري.
شهد اللقاء حضور الشاعر الدكتور مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، الشاعر عبده الزراع مدير عام الإدارة العامة للثقافة العامة، أماني شاكر مدير عام الإدارة العامة للمكتبات، والفنانة الدكتورة منال يمني مدير فرع ثقافة الإسكندرية، إلى جانب لفيف من الشعراء والأدباء من أبناء المحافظة، منهم محمد عطية، رشاد بلال، علاء أحمد، والفنان علي الجندي.
أدار اللقاء الشاعر صادق أمين، وشارك به كل من الدكتور محمد دوير، والشاعرين جابر بسيوني، ومحمود عبد الصمد زكريا.
واستهل "أمين" اللقاء مرحبا بالحضور، ومتحدثا عن السيرة الذاتية للشاعر الراحل، وأبرز أعماله الشعرية والمناصب التي شغلها، مؤكدا أن أعماله ستظل خالدة في الذاكرة ولن تنسى.
وثمن جهود الهيئة العامة لقصور الثقافة على إقامة اللقاء من خلال برنامج "عطر الأحباب"، الذي يعد نافذة وفاء يطل منها المثقفون على أعمال المبدعين الراحلين.
ثم ألقى على مسامع الحضور قصيدة بعنوان "روح نوفمبر" من ديوان "تلقيمة ناي" للشاعر الراحل.
من ناحيته، أعرب الدكتور مسعود شومان عن سعادته بتواجده في محافظة الإسكندرية وسط نخبة من الشعراء والأدباء، لتكريم شاعر ذي تجربة إبداعية متميزة.
وتناول شومان تفصيليا السمات الجمالية في شعر حسني منصور، مشيرا إلى أن تجربته عميقة الجذور، اتسمت كتاباته بالصدق الإنساني، والقصيدة لديه لم تكن مجرد تعبير بل محاولة لاستعادة المعنى الضائع.
وأضاف أن الشاعر التقط نبض الناس وهمومهم وتناول حياة المهمشين وقضايا الشارع العام، فأصبحت قصيدته تنتمي إلى التيار الإنساني الحميم، كما أنه بدا وكأنه شاعر متصوف، فنجده حرص على استخدام كلمات ذات عذوبة، واعتمد بشكل كبير على الاستعارات والمفارقة الساخرة، إلى جانب امتلاكه حس لغوي بارع، واتضح ذلك في مفرداته المستخدمة مثل: البوح، النوح، البحر، السفر، الطيور، وهي مفاتيح لمجاز شعري يقوم على التوازن بين التجربة الروحية والتجربة الشعرية.
وتابع قائلا: كان منصور يكتب بعين المصور، فالصورة عنده مرئية قبل أن تكون لغوية، وظهر ذلك في كتاباته عن المقهى والكورنيش والشارع، إذ كانت الكلمة عنده كائنا حيا يتنفس ويتألم ويشيخ، ويمكن تلخيص تجربته في ثلاثية: الصدق والبساطة والحكمة، إلى جانب التوازن بين الحلم والواقع، والعامية والفصحى.
واستهل الشاعر عبده الزراع كلمته بالتعبير عن امتنانه الكبير للشاعر الراحل الذي يعد من أهم شعراء جيل التسعينيات، موجها الشكر لإدارة فرع ثقافة الإسكندرية وقصر ثقافة الشاطبي على استضافة هذه الفعالية.
ثم تطرق إلى أول لقاء جمعه بحسني منصور، قائلا إنه تعرف عليه خلال فترة الثمانينيات حين كان يتردد على الإسكندرية لقربها من مركز مطوبس الذي يقيم فيه، وكان يلتقي آنذاك بالدكتور محمد دوير.
وأضاف أن الإسكندرية في تلك الفترة كانت تموج بحركة أدبية نشطة، وكان منصور دائم الحراك الثقافي، يشارك في الندوات الأدبية مثل ندوة الأحد بقصر الحرية، وندوتي الثلاثاء بقصر ثقافة مصطفى كامل والأنفوشي، وكان حريصا على الحضور.
وعلى المستوى الإنساني، قال: كان شاعرا حقيقيا وإنسانا نبيلا ومثقفا، وله خصوصية في الكتابة، وقدّم الكثير من الإبداعات للحياة الثقافية.
وأوضح ذلك من خلال عدة مواقف جمعتهما، منها المهرجان الشعري الذي أقيم عام 1992 في قرية منية المرشد بمحافظة كفر الشيخ، ولقاء آخر أثناء مناقشة ديوانه الأول، بالإضافة إلى آخر لقاء بينهما في أبريل الماضي بفندق سميراميس بالإسكندرية، جلس خلاله صامتا ينظر إلى البحر وكأنه كان يودعه، ولم يعقب على الموضوعات المطروحة للنقاش من قبل أصدقائه الشعراء.
وفي كلمته، وجه الدكتور محمد دوير الشكر للدكتور مسعود شومان على برنامج "عطر الأحباب" المعني بتكريم المبدعين بعد الرحيل، معتبرا أنه نوع من النبل والوفاء.
وأضاف أن "منصور" كان يستحق التكريم لما قدمه من جهود في عالم الشعر، قائلا: لقبته منذ عام 1987 بشاعر الكلمة، حيث عرف ببساطة تعبيره وصدق كتاباته، وتمرده الإيجابي، وإيمانه بدور المثقف في القضايا الوطنية.
وأشار إلى أنه كان زاهدا متصوفا، يتمتع بتوحد داخلي، واتسمت كتاباته الأخيرة بحوار مفتوح مع الموتى، إذ كتب لوالديه وشقيقته وعدد من المقربين الذين رحلوا عنه.
بدوره، أعرب الشاعر محمود عبد الصمد زكريا عن اعتزازه بالشاعر حسني منصور، مشيرا إلى أنه تعرف عليه منذ السبعينيات بقصر ثقافة الحرية، وكان يلتقي به دائما بمنطقة باكوس في مقهى السيد متولي الذي كان يتردد عليه باستمرار.
وأكد أن "منصور" كانت له تجربة شعرية متميزة رغم قلة نشر دواوينه خلال فترة عمله في الثقافة الجماهيرية، فقد كان يزاحم كبار الأدباء، وبرع في كتابة الأغنية والقصيدة التفعيلية والعامية، وكان معلما لجيل من الشباب في قصر ثقافة مصطفى كامل.
وأوضح أن من يقرأ أعماله يدرك عمق ثقافته ووعيه واطلاعه على التراث، وتشربه بالقيم والعادات الصعيدية التي كانت تنضح في كتاباته، موجها الشكر لهيئة قصور الثقافة على هذا اللقاء الذي يعد بمثابة لفتة كريمة جعلت من حضر اليوم يشعر بأن هناك من يدعم شعراء الثغر.
كما أشاد الشاعر والناقد جابر بسيوني بالتجربة الفريدة لمنصور، مؤكدا طابعها الأصيل وصدقها الإبداعي.
وأضاف: شرفت باختياري من قبل المجلس الأعلى للثقافة للكتابة عنه ضمن موسوعة أدباء مصر المعاصرين، حيث تناولت نشأته ودراسته وتأثره بمعلميه خلال المرحلة الابتدائية، ومنهم الأستاذان عايدة ومحمد المراكبي.
وأشار إلى أنه تتلمذ على يد عدد من كبار الشعراء، منهم أحمد السمرة، وعبد المنعم الأنصاري، وعبد المنعم سالم، وعبد المنعم كامل، ومحجوب موسى وغيرهم، وانعكس ذلك في كتاباته التي بدأها بالفصحى ثم اتجه إلى العامية، وبرع كذلك في كتابة الأغنية التي امتازت لغتها بالانتقاء والدقة والتصوير المضفر بثنايا المضمون.
ولفت إلى أن الكاتبة سناء الجبالي تناولت تجربته في كتابها "الشعر والشعراء".
وفي مداخلته، قال الأديب الدكتور فوزي خضر رئيس نادي الأدب المركزي، إنه تناول تجربة الشاعر في كتابه "قراءات في دواوين شاعر الإسكندرية"، مؤكدا أنه أحد أهم شعراء الإقليم، وأشاد بتنظيم اللقاء الذي جاء مهما على المستوى الإنساني قبل المستوى الأدبي.
وتوالت المداخلات من الحضور، حيث أشاد الشاعر أحمد عواد بتجربة منصور وببرنامج "عطر الأحباب" الذي يحمل هموم المبدعين ويسلط الضوء على أعمالهم، كما تحدث الشاعر ناجي عبد اللطيف عن رحلة عطائه وأهداه قصيدة رثاء لروحه الطيبة.
وفي كلمته، توجه كمال منصور، موجه أول بإدارة شرق التعليمية، وشقيق الشاعر الراحل، بالشكر لوزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة على حرصهما على الاحتفاء بالمبدعين.
وتحدث عن الجانب الإنساني لأخيه، مستعرضا بعض المواقف التي جمعتهما خلال فترة الدراسة، خاصة في المرحلة الإعدادية، وكيف كان محبا للعلم والكتابة منذ صغره ومحبوبا من الجميع، وهو ما ترك أثرا كبيرا على مسيرته الإبداعية.
وأعرب عن أمنيته في تجميع كتابات شقيقه الأخيرة التي كان يعتزم نشرها في ديوان بعنوان "شخابيط"، والذي لم يسعفه القدر لإصداره قبل وفاته.
واختتم اللقاء بتكريم اسم الشاعر الراحل حسني منصور، بمنحه درع الهيئة وشهادة تقدير وفاء لعطائه ودوره في إثراء قصيدة العامية، وتسلم التكريم شقيقه، وسط حضور كبير من الأدباء والشعراء الذين أثروا اللقاء بعدد من قصائد الرثاء والكلمات المؤثرة.
الشاعر حسني منصور من مواليد عام 1965 بمحافظة الإسكندرية، تقلد عدة مناصب بالثقافة الجماهيرية، من بينها رئيس نادي الأدب المركزي لفترتين، ورئيس نادي أدب قصر ثقافة مصطفى كامل عدة مرات، كما كان عضوا باتحاد كتاب مصر، إلى وشارك في عدد من المؤتمرات الأدبية داخل الإسكندرية وخارجها.
صدر له عدة دواوين شعرية منها ديوان الفصحى "رجل بسيط وأشياء بسيطة"، وبالعامية "شجن طازة" عام 2011، "عند باب البحر"، عام 2013، و"تلقيمة ناي"، عام 2015، وحصل على عدد من التكريمات وشهادات التقدير من مؤسسات وجمعيات ثقافية عدة، بالإضافة إلى تكريم مميز من وزارة الثقافة لمشاركته في مسابقة خاصة بشعر العامية في الثمانينات.
أقيمت الفعاليات ضمن برنامج "عطر الأحباب"، الذي أطلقته الإدارة المركزية للشئون الثقافية، بهدف إلقاء الضوء على سيرة ومسيرة كبار الشعراء والكتاب وتقديم شهادات حول تجاربهم الإبداعية بمسقط رؤوسهم، ونفذ من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، وبالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، بإدارة محمد حمدي، وفرع ثقافة الإسكندرية.