تطل مركب الشمس على الحفرة الشرقية الطولية الموازية للهرم الأكبر من ناحية الجنوب، في موقع فريد يربط بين قدسية الماضي وعظمة الحاضر، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى متحفها بمنطقة آثار الهرم، لتتهيأ لاستقبال زائريها داخل أروقة المتحف المصري الكبير، حيث تفتح الحضارة المصرية ذراعيها لأمون في مشهد خالد يجسد عبقرية الإنسان المصري القديم.
اكتشاف مراكب الشمس
في عام 1954، نجح عالم الآثار المصري كمال الملاخ في اكتشاف حفرتين مسقوفتين عند قاعدة الهرم الجنوبي للملك خوفو وفي قاع إحداهما عُثر على سفينة مفككة مصنوعة بإتقان من خشب الأرز اللبناني، وضعت بعناية في الحفرة في 13 طبقة، بلغ عدد أجزائها 1224 قطعة، تضمنت خمسة أزواج من المجاديف، وزعنفتين للتوجيه، ومقصورة، وسقالة للرسو على الشاطئ.
يبلغ طول المركب نحو 42.3 مترًا، وأقصى عرض لها 5.6 مترًا، وتشبه في تصميمها مراكب البردي التي ظهرت في الرسوم والنقوش المصرية القديمة، واستغرقت عملية إعادة تركيبها نحو عشر سنوات كاملة، ليُعرض المركب في متحفه الخاص بجوار الهرم عام 1982.
حفرتا مراكب الشمس
توجد بمنطقة الهرم الأكبر سبع حفرات مخصصة للمراكب الجنائزية، خمس منها تتبع هرم الملك خوفو، واثنتان تتبعان أهرام الملكات، أما حفرتا مراكب الشمس فهما الواقعتان جنوب الهرم، وقد وُجدتا في حالة جيدة ومغلقة بإحكام.
في عام 1987 فُحصت الحفرة الثانية، ليتبين أنها تحتوي على مركب شمس أخرى مفككة وكاملة الأجزاء، ويبلغ طول الحفرة الشرقية 31 مترًا وعمقها 4.5 مترًا، وتبعد عن الهرم نحو 17 مترًا، وأُغلقت الحفرة بقطع حجرية ضخمة بلغ عددها 41 قطعة، تزن الواحدة منها ما بين 15 و20 طنًا، طول الواحدة نحو 4.5 متر وعرضها 0.85 متر وارتفاعها 1.8 متر.
سجل المصريون القدماء على هذه الأحجار كتابات هيروغليفية تحمل أسماء مجموعات العمال المكلفة بالنقل والتركيب، إلى جانب عشرة خراطيش تحمل اسم الفرعون خفرع، وعبارة تشير إلى السنة الحادية عشرة من التعداد، وهي السنة التي وُضعت فيها المراكب في موضعها.
رحلة النقل إلى المتحف المصري الكبير
في أغسطس 2021، وبعد أكثر من نصف قرن على اكتشافها، جرت واحدة من أضخم عمليات النقل الأثري في التاريخ، إذ نُقلت مركب الشمس الأولى من متحفها بمنطقة آثار الهرم إلى المتحف المصري الكبير باستخدام عربة ذكية ذات تحكم عن بُعد، صُنعت خصيصًا في بلجيكا لتناسب أبعاد المركب ودقّة نقله قطعة واحدة دون تفكيك.
وبهذا الانتقال التاريخي، تستعد مركب الشمس لأن تبحر مجددًا لا في مياه النيل، بل في فضاءات المتحف المصري الكبير شاهدة على عبقرية المصري القديم الذي آمن بأن الشمس هي بوابة الخلود، وأن الرحلة معها هي عبور نحو الأبدية.