الأحد 26 اكتوبر 2025

ثقافة

"يحيى الطاهر عبد الله وأنسنة المكان".. ندوة فكرية تضيء فضاءات الجنوب في معرض الأقصر الرابع للكتاب

  • 25-10-2025 | 20:07

جانب من الفعاليات

طباعة
  • ياسر علي

أقام معرض الأقصر الرابع للكتاب – الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب – ندوة فكرية بعنوان "يحيى الطاهر عبد الله وأنسنة المكان"، أدارها وقدم لها الدكتور حمد الله عبد الحكيم أستاذ الأدب العربي والبلاغة والنقد الأدبي، بحضور نخبة من الأدباء والباحثين والمثقفين.

في كلمته الافتتاحية، عبّر الدكتور حمد الله عبد الحكيم عن سعادته بعودة معرض الأقصر للكتاب بعد انقطاع لسنوات، واصفًا إياه بأنه "عرس ثقافي مضيء يضيء سماء الأقصر"، موجّهًا الشكر لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والمهندس عبد المطلب عمارة محافظ الأقصر، والدكتور خالد أبو الليل رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر، والدكتور محمد حساني مدير مكتبة مصر العامة بالأقصر، وكل من أسهم في عودة هذا الحدث الثقافي الكبير.

ثم قدّم مدخلًا حول مفهوم الأنسنة، موضحًا أنها مصطلح أسلوبي ينطوي على انزياح بلاغي، إذ يمنح المبدع للأشياء الجامدة صفات الإنسان فيجعلها مؤنسة تشعر وتحس. فالأنسنة – كما أشار – اكتشاف لا اختراع، إذ تعود جذورها إلى الشعر العربي القديم الذي أضفى على الحيوان والطبيعة صفات بشرية، مثل قول المنخل اليشكري: "وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري". كما استشهد ببيت عنترة بن شداد: "يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي". وأضاف أن الشعراء القدماء أنسنوا حتى أصوات الذئاب والخيول، وجعلوا من الطبيعة كائنًا يشاركهم الوجدان والوحشة.

وانتقل عبد الحكيم إلى الحديث عن يحيى الطاهر عبد الله، واصفًا إياه بأنه "شاعر القصة القصيرة" الذي امتلك حسًا فنيًا خاصًا، وكان يحفظ قصصه عن ظهر قلب، ويكتبها بروح الشعر، حتى أن رواياته تتشكل من قصص قصيرة مترابطة، ما يعكس سيطرة الفن على رؤيته الإبداعية. وأوضح أن يحيى الطاهر أنسن المكان في أعماله، وجعل من البيئة الجنوبية كائنًا حيًا يشعر ويتنفس، فكانت أقاصيصه مرآة للمهمشين، وصوتًا لقضايا الإنسان البسيط الذي يرفض الانحراف عن قيم المجتمع وأخلاقياته.

ومن جانبه، تحدّث الدكتور صلاح أبو الوفا العادلي، رئيس قسم اللغة العربية السابق ووكيل كلية الآداب بقنا، مرحبًا بمعرض الأقصر الرابع للكتاب كمنبر للثقافة المصرية الأصيلة. وبدأ مداخلته بالتأكيد على أن أنسنة المكان في القصة والرواية تعني تحويله من مجرد خلفية جامدة إلى عنصر حي وفاعل له هوية ودور إنساني. فالمكان في رؤية الأدباء ليس مساحة جغرافية فقط، بل كائن يشارك في صناعة الحدث، ويتفاعل نفسيًا وعاطفيًا مع الشخصيات، حتى يصبح شريكًا في السرد لا مجرد ديكور.

وأوضح العادلي أن المكان عند يحيى الطاهر عبد الله يتحول إلى "بطل روائي"، يكشف ملامح الشخصيات وعمقها النفسي والاجتماعي، ويتجاوز الوصف السطحي ليصل إلى أبعاد رمزية وتاريخية وثقافية، مشيرًا إلى أن الباحثين – ومنهم الدكتورة أسماء خليل – تناولوا هذا البعد بعمق في دراساتهم النقدية، معتبرين أن الطاهر استطاع أن يجعل المكان يتحدث، ويتنفس، ويغدو مرآة لوجدان الناس.

وتناول العادلي كذلك هوية الجنوب المصري في أعمال يحيى الطاهر، مؤكدًا أنه نقل إلى الأدب عالم الصعيد بصدقٍ فني نابع من تجربة معيشة، لا من رؤية غريب. فهو ابن الجنوب الذي عاش تفاصيل بيئته وعاداتها، وكتب عنها بعين العارف المحب، ليصبح من أوائل من رسموا ملامح الجنوب في السرد العربي الحديث.

وفي مداخلة ثرية، عرضت الدكتورة أسماء خليل دراستها النقدية حول يحيى الطاهر عبد الله، موضحة سبب إطلاقها عليه لقب "الكرنكي"، وهو لقب مستوحى من جذوره وارتباطه العميق بالمكان، على غرار ألقاب أصدقائه عبد الرحمن الأبنودي "الخال" وأمل دنقل "الجنوبي". وبيّنت أن الطاهر ظل وفيًا لجنوبه حتى بعد انتقاله إلى القاهرة، حاملاً معه ذاكرة الجنوب وهموم المهمشين، فجعل المكان في قصصه شاهدًا على معاناة الإنسان.

وأضافت خليل أن المكان في أعماله – سواء في "الطوق والإسورة" أو "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالًا" – ليس مجرد خلفية للأحداث، بل كيان فاعل يكشف الصراع الإنساني بين الحلم والخذلان، والاغتراب والانتماء. فهو يُؤنسن الجبل والشارع والبيت، ويصف السقف بأنه "عارٍ" في إشارة رمزية لواقع الإنسان المجرّد من الأمان.

واختتمت الندوة بتأكيد المشاركين أن يحيى الطاهر عبد الله استطاع أن يجعل من المكان لغةً موازية للإنسان، ومن الجنوب فضاءً إنسانيًا نابضًا بالحياة والوجدان، ليبقى أحد أبرز من منحوا الجغرافيا روحًا، والبيئة صوتًا، والإنسان وطنًا داخل الأدب العربي الحديث.

الاكثر قراءة