رغم الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها القيادة السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لإصلاح العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، إلا أن المؤشرات الراهنة توحي بتدهور متصاعد في العلاقات، بلغ حد التلويح بالأسلحة النووية من الجانبين، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة.
تهديد بالنووي
وفي توقيت لافت، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الأسبوع الجاري، نجاح بلاده في إجراء اختبار جديد لصاروخ "بوريفيستنيك" -وهو صاروخ كروز بعيد المدى يعمل بمحرك نووي- ويُعد من بين أحدث الأسلحة الاستراتيجية الروسية التي تعزز قدرات الردع النووي.
ما يجعل هذا التوقيت لافتًا، أنه يأتي في أعقاب إلغاء القمة التي كانت مقررة بينه وبين نظيره الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة المجرية بودابست، وما صاحب ذلك من فرض واشنطن عقوبات على اثنتين من أكبر شركات النفط الروسية.
ويأتي ذلك أيضًا بعد أيام من إجراء روسيا مناورات نووية استراتيجية واسعة شملت "الثالوث النووي" الروسي – أي القوات النووية البرية والبحرية والجوية – وأشرف عليها الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا لاختبار جاهزية أنظمة القيادة والسيطرة العسكرية.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ذلك جاء في أعقاب بدء حلف شمال الأطلسي (الناتو) مناوراته السنوية للتدريب على الدفاع عن أراضي دول الحلف باستخدام الأسلحة النووية، في المجال الجوي فوق بحر الشمال، الذي يقع بين النرويج والدنمارك من الشرق.
تصعيد جديد
وفي تطور جديد يزيد من حدة التوتر بين واشنطن وموسكو، وقع الرئيس الروسي، أمس، قانونًا يقضي بإنهاء اتفاقية التخلص من البلوتونيوم الموقعة مع الولايات المتحدة عام 2000، والتي كانت تنص على تحويل 34 طنًا من البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية إلى أغراض مدنية.
وجاء في الوثائق الرسمية أن القرار الروسي يستند إلى "تغير جذري في الظروف"، من بينها العقوبات الأمريكية المفروضة على موسكو، واعتماد قانون دعم أوكرانيا، وتوسع حلف شمال الأطلسي شرقًا، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا الشرقية.
وينص القانون الجديد على أن يبقى البلوتونيوم الروسي المشمول بالاتفاقية خارج أي برامج نووية هجومية، مع إمكانية استئناف العمل بالاتفاقية في حال التزمت الولايات المتحدة بشروط روسيا، التي تشمل رفع العقوبات وتعويض موسكو عن الأضرار وتقليص البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في أوروبا الشرقية.
رد أمريكي
ومن جانبها، لم تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية الصمت حيال هذا التصعيد الروسي، إذ أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن لدى بلاده غواصات حاملة للرؤوس النووية، هي الأقوى على مستوى العالم، وعلى مقربة من السواحل الروسية، وذلك أثناء انتقاده لتجربة روسيا صاروخها النووي.
وردًا على ذلك، أكد "الكرملين" أن روسيا تعمل باستمرار على ضمان أمنها، موضحًا أن تطوير صاروخ "بوريفيستنيك" يتفق مع هذا الهدف.
وشدد "الكرملين" على أن ضمان الأمن قضية حيوية لروسيا، خاصة في ظل المزاج العسكري بأوروبا، غير أنه أكد أن اختبار صاروخ "بوريفيستنيك" يجب ألا يزيد توتر العلاقات بين البلدين، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها، ولم تُبذل حتى الآن سوى جهود خجولة لتحسينها.
ومنذ توليه رئاسة البيت الأبيض في يناير الماضي، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحسين العلاقات مع موسكو، غير أن تلك المساعي ظلت مرتبطة بشكل أساسي بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وتعد العلاقات بين البلدين متوترة منذ عقود، إذ تمثل روسيا الوريث الأكبر للاتحاد السوفيتي، الذي كان أبرز منافسي الولايات المتحدة على النفوذ والهيمنة العالمية.