يجب أن يكون المتحف مرآةً لمجتمعه وبيئته، معبِّرًا عنها ومشاركًا في فعالياتها؛ فيحرص على إقامة المعارض والاحتفاليات المناسبة للأحداث المجتمعية، ومواكبتها، لربط المجتمع بالمتحف. وفي مصر، تنظم المتاحف كرنفالات واحتفالات مختلفة في كثير من المناسبات الاجتماعية، مثل عيد الربيع ويوم شم النسيم وعيد الأم وعيد الطفولة ويوم اليتيم ويوم الشهيد ويوم المرأة العالمي، وكذلك الاحتفالات الوطنية الكبرى مثل ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 وحرب أكتوبر 1973 وغيرها، وكذلك في الأعياد الدينية مثل عيد الميلاد المجيد، وعيد الأضحى، وعيد الفطر المبارك، وذكرى المولد النبوي الشريف، وغيرها.
ويجب أن تتجاوز المتاحف معارض المقتنيات إلى معارض تبرز أماكن ونقاط المشكلات الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع، مثل الجريمة، والتوترات الطائفية، والعنصرية، والإرهاب، وغيرها، مع التأكيد على القيم الإنسانية مثل الحفاظ على البيئة، ونبذ العنف والتطرف، والدعوة إلى قبول الآخر والتنوع الثقافي. كذلك، فإن المتحف منوط به القيام بدور مهم في تماسك المجتمعات بتقاليدها الثقافية في ظل العولمة، وسيطرة وسائل الإعلام العالمية، وصيحات الموضة العالمية.
كما يجب أن تعمل المتاحف على تكوين رأس مال اجتماعي، وذلك بالعمل بشكل منظم ومتطور مع نظام التعليم العام، وهو أمر مهم وضروري لإحداث أية تغييرات اجتماعية مطلوبة. وعلى المتحف أن يكون في حوار دائم مع المجتمع، وأن يدير برامج ومشروعات اجتماعية ذات مدى طويل، وأن تركز هذه البرامج على القيم الإنسانية، وأن تنبذ أفكار الهدم والعنف.
إن الهدف من المتحف هو تقديم المعرفة وتنميتها ودعمها، والمساهمة في تطوير وتنمية المجتمع، والعمل على المساواة في فرص الوصول إلى منابع الثقافة، بهدف تحقيق التغيير الاجتماعي المنشود.
وقد أمكن لمتحف النسيج المصري، الذي كان يحتل سبيل محمد علي بالنحاسين بشارع المعز في الفترة من 2010 إلى 2020، إقامة فعاليات تراثية مواكبة لشهر رمضان مثل مهرجان "رمضان زمان"، الذي كان يعكس كيفية استقبال أهل القاهرة الإسلامية قديمًا لقدوم شهر رمضان المبارك، وكذلك تعاون المتحف مع العديد من الجهات المهتمة بالتراث في إقامة مهرجان "التراث المصري"، الذي كان مخصصًا للتراث المصري بكل أنواعه وفروعه، كما كان يستضيف في بعض دوراته عروضًا من تراث الدول العربية والأفريقية. ويمكن للمتحف أن يقوم بالعديد من الأنشطة التي يظهر فيها تفاعله مع مجتمع المتحف مثل:
إطلاق برامج لفعاليات محددة تهتم بعادات وتراث بعض الفئات التي تشعر بالتهميش، لدمجها في المجتمع العام في مصر، مثلًا (أهل النوبة – سكان الواحات الصحراوية – حلايب وشلاتين وغيرها).
مساعدة المتحف في حل مشكلات المجتمع مثل محو الأمية، والإدمان، والهجرة غير الشرعية، وغيرها.
قد يصل المتحف في تفاعله مع مشاكل المجتمع المحيط إلى أن يساهم في حل مشكلة ما، مثل المساهمة في توصيل مياه نظيفة للمناطق المحرومة القريبة من المتحف، كما فعل متحف النوبة مع المناطق القريبة منه، مثل جزيرة غرب سهيل وغيرها، أو إطلاق حملات لمساعدة المناطق المنكوبة من الكوارث الطبيعية. فعقب إعصار دوريان، الذي اجتاح منطقة جزر الباهاما في شهر سبتمبر 2019، أعلن متحف Pérez Art Museum Miami (بيريز للفنون في ميامي - ولاية فلوريدا – الولايات المتحدة الأمريكية) ومنظمة الإغاثة الدولية "Food for the Poor"، عن قيامهما بجمع الإمدادات لضحايا جزر الباهاما من جراء الإعصار، وقال مدير المتحف فرانكلين سيرمانس في بيان: "تضرر جيراننا في جزر الباهاما بشدة من إعصار دوريان، ومن واجبنا كمؤسسة على مفترق طرق الأمريكتين مساعدة المتضررين من هذا الدمار. المتحف مكرس لخدمة المجتمع، وأنا فخور بأن منطقة ميامي يمكن أن تتحد لإظهار دعمها لجزر الباهاما. يقبل المتحف المواد الغذائية المعلبة، وأدوات النظافة، وحفاضات الأطفال، واللوازم المدرسية خلال ساعات العمل العادية، وسيتم إرسال الإمدادات المتبرع بها إلى جزر الباهاما في وقت لاحق من هذا الشهر". ويُشار إلى أن المتحف نظم حملة مماثلة في عام 2016 لسكان الكاريبي المتضررين من إعصار ماثيو.
عرض بعض نماذج القطع (أو القطع ذاتها إن أمكن) في المستشفيات لتطبيق برامج العلاج بالفن، مثل بعض المتاحف الفرنسية، أو في المطارات للدعاية السياحية والثقافية، مثل متحف مطار فيوميتشينو بروما ومتحف مطار القاهرة الدولي، أو محطات المترو، مثل مترو القاهرة أو موسكو.
تعمل كثير من المتاحف في المملكة المتحدة كمؤسسات خيرية تعمل بشكل شرعي، وقد تحول متحف لوتسون للسلام، الذي أُنشئ في سويسرا أثناء الحرب العالمية الأولى، إلى مركز للإسعاف.
- يمكن للمتاحف أن تمارس دورًا مهمًا في تخليد معاناة ضحايا الحروب التي تعانيها بعض المجتمعات، مثل متحف هيروشيما التذكاري للسلام، الذي خُصص لتوثيق القصف الذري على مدينة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، ومتحف مدينة حلبجة في شمال العراق لتخليد ضحايا الأسلحة الكيماوية، ومتحف أولستر في بلفاست - إيرلندا، الذي يعبر عن تاريخ الصراع في إيرلندا. كما تم تحويل مركز تجميع العبيد المعروف باسم "بيت العبيد" في جزيرة جورى بالسنغال إلى متحف يحكي معاناة العبيد أثناء نقلهم من غرب أفريقيا إلى العالم الجديد (صورة 37). وهناك العديد من المتاحف المخصصة لضحايا الحروب في العالم، التي تمثل صوت الضحايا ورعايتهم والتحدث باسمهم.
- كما يمكن للمتاحف أن تمارس دورًا مهمًا في كفاح الشعوب لنيل حقوقها وحرياتها، فقد اُفتُتح في ولاية كونيتيكت الأمريكية عام 2018 متحف فلسطين، بهدف سرد القصة الفلسطينية لجمهور عالمي من خلال الفن.
وقد أقام المتحف العديد من المعارض في المدن الأمريكية والأوروبية يشرح فيها أبعاد القضية الفلسطينية.
- وكما أصبح هناك متاحف لتخليد ضحايا الحروب، أصبح هناك متاحف لتخليد صناعة السلام. وقد بدأت فكرة هذه المتاحف قبل الحرب العالمية الأولى، وكان أول هذه المتاحف متحف لوتسون في سويسرا عام 1902، ثم تأسس متحف آخر في برلين عام 1923، وتم تدميره أثناء الحرب العالمية الثانية لأن القيادات النازية كانت تراه ذا أهداف مخربة لا تتفق وسياستهم. وهرب فريدريك، مؤسسه، من ألمانيا لينشئ متحف السلام المتحرك في بروكسل، الذي تم تدميره أيضًا أثناء الغزو الألماني لبلجيكا سنة 1940.
- ومن أشهر متاحف السلام، متحف السلام في شيكاغو، الذي افتُتح في نوفمبر 1981، وتم تكريسه لبحث قضايا الحرب والسلام من خلال الفنون المرئية والأدبية والمؤداة. وتشمل أهم معروضاته رسومات الذين عاشوا بعد تعرضهم لقنابل هيروشيما وناجازاكي.
يمكن تحويل بعض مؤسسات المجتمع العقابية، مثل السجون، إلى متاحف تخدم المجتمع وتساهم في بناء العلاقات بين أفراده. ففي شمال إيرلندا، تم تحويل سجن كيلمينهام (Kilmainham Gaol)، إحدى ضواحي مدينة دبلن، إلى متحف يعبر عن فترة الاضطرابات التي سادت البلاد في مرحلة ما ضد الحكومة البريطانية (صورة 38). فالمتحف يمكن أن يكون وسيلة لبناء العلاقات بين أفراد المجتمع، والمتاحف ما هي إلا أماكن تزخر بالذكريات، تسعى لربط الأشياء بالقصص، قاصدةً محاولة سرد تاريخ موضوعي إذا جاز التعبير. كما يمكن إقامة معارض مؤقتة في السجون، أو إعداد برامج معينة بضوابط لزيارة السجناء للمتاحف.
يمكن للمتاحف أن تساهم في إدراج مناطق التراث المهمة في البلدان إلى قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. ففي كينيا، مثلًا، تساعد هيئة المتاحف الكينية في إدراج المواقع والتراث الكيني في قائمة التراث العالمي، كما تتعاون الهيئة في شراكات استراتيجية مع العديد من المؤسسات الدولية والقارية مثل AFRICOM، الذي تستضيفه كينيا. كما تعمل على تعزيز وتشجيع المتاحف ومساهمتها في سياق التنمية الشاملة والمستدامة لمجتمعاتها، ودعم شبكات التعاون بين المتحفيين الأفارقة ومركز تنمية التراث في أفريقيا (CHDA)، كما تعمل مع ICCROM، المركز الدولي لدراسة وصيانة وإحياء الممتلكات الثقافية، وكذلك التعاون مع جامعة Rutgers الأمريكية في مدرسة Kobi Fora الميدانية لتعليم مناهج البحث الميدانية لعلم الباليونتولوجي، وهي المنطقة الواقعة على شاطئ بحيرة توركانا في شمال كينيا، والتي تُعد من أغنى وأهم مناطق الحفريات الحيوانية والنباتية المبكرة في العالم.
-وكذلك يتم تبادل المعارض مع المتاحف العالمية، مثل المعرض الذي نظمته الهيئة مع المتحف البريطاني بعنوان "هازينا: التقاليد والتجارة والتحولات في أفريقيا الشرقية"، واستعادت هيئة المتاحف الكينية قطعًا أثرية بشكل مؤقت كانت قد خرجت من شرق أفريقيا، بهدف نشوء احترام حقيقي لهوية شرق أفريقيا، ومساعدة السكان على فهم هويتهم والتفاخر بها.
-وفي مصر، استضاف متحف النسيج المصري العديد من ورش العمل والاجتماعات والاحتفالات، لوضع لعبة التحطيب، مثلًا، على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. كما ساهم مع إدارة التراث بمحافظة القاهرة في إدراج مدينة القاهرة على قائمة اليونسكو للمدن التراثية الإبداعية.
-وتحتاج المتاحف لأن تكون أكثر وعيًا بإنشاء المعارض والبيئات التي توفر وتجسد عملية التعلم، وتخلق روحًا وحيوية في خبراتنا عن العالم. كما يجب التأكيد على أن المتاحف مهيأة بشكل فعال لأن تكون محيطات للتعلم الجديد، وأن تصنع حضورًا وحركة، وأن تخلق لنفسها روابط عاطفية مع المجتمع، والتي تقود إلى نضج عقلي وإدراكي من المجتمع نحو حقوقه وواجباته.
- وعلى المتاحف أن تهتم "بالتعليم القائم على المكان" لدفع الطلاب للاهتمام بمجتمعهم المحلي، وتحفيزهم على التفكير والعمل من أجل مستقبل أفضل لهذا المجتمع، وأن تساعد الناس من البيئات الاجتماعية المختلفة على الارتباط ببعضهم البعض والتعلم من بعضهم بعضًا، وأن تنتهج في ذلك خمس مبادئ أساسية:
1. أن يقدم منظورًا جديدًا عن التاريخ من خلال عرض وشرح وتأريخ المواقع وقصص فريدة عنها.
2. ربط هذه المواقع بالقضايا الاجتماعية الأكبر الخاصة بالوطن أو المجتمعات العالمية.
3. تشابك التاريخ، حيث يربط المتحف بين ما يعرضه عن منشأة أو مجتمع محلي معين وبين أحداث وطنية وتاريخية مشابهة.
4. مشاركة الزائرين في التفسير والشرح، حيث يوفر المتحف منتدى يشارك فيه الزائرون في الشرح والتفسير، ويشاركون المتحف في تفسير الأحداث من منظورهم، وربما ارتباطهم بالأحداث أحيانًا.
5. أن يكون ذلك بدفع الزائرين للعمل والتصرف بهدف تحقيق التغيير الإيجابي المطلوب أو المستهدف.
-ويجب على المتحف أن يشجع الزوار على قول آرائهم وسماع أصواتهم، وأن يكون مكانًا يأسر القلوب والعقول لزائريه، كما يُحدث المتعة والتسلية من خلال الترابط والتفاعل، ويعمل على فهم أكبر للمجتمع والبيئة التي يعيش فيها الزائر.