الأحد 2 نوفمبر 2025

مقالات

عبقرية مصرية


  • 1-11-2025 | 11:15

د. زينب المنسي

طباعة
  • د. زينب المنسي

تتجلى عبقرية المتحف المصري الكبير في كل ما يتعلق بإنشائه من حيث مساحته وموقعه وأقسامه، علاوةً على نقل محتويات المتحف من أماكن عدة على مستوى الجمهورية، فقد عبّرت عمليات النقل تلك عن مدى عبقرية المصري في مجال علوم الآثار والحفائر، وأوضحت مدى قوة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وغيرها من الكيانات المعمارية والفنية التي شاركت في عملية نقل محتويات المتحف، وشاركت كذلك في بناء المتحف وإنهاء أعماله.

وجدير بالذكر أن عمليات النقل والإنشاء سيطر عليها الخبرة المصرية بشكل كامل، وكانت النتائج مبهرة إن لم تكن قد تخطت إنجازات أعمالٍ مشابهة أنجزتها مؤسسات دولية مجتمعة أو دول كبرى مثل الولايات المتحدة واليابان. ومن ثم فإن عبقرية المتحف المصري الكبير تخطت فكرة كونه معرضًا به مجموعة من التحف إلى عبقرية الموقع والإنشاء والتصميم ونقل المقتنيات، وكذلك كونه المتحف الأخضر الأول على مستوى العالم.

بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير تطرح نفسها كصرحٍ متحفيٍّ عالميٍّ في تسعينيات القرن الماضي، في طرحٍ يحمل بين طياته عبق الماضي وحداثة المستقبل. وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليُشيد في موقعٍ متميزٍ يطل على أهرامات الجيزة، غرب القاهرة. وقد لاقت جهود الدولة المصرية في التسويق لإنشاء مدينةٍ متحفيةٍ عالميةٍ القبول والدعم والإشادة، لتعلن الدولة المصرية، وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقةٍ معماريةٍ دولية لاختيار أفضل تصميم للمتحف الكبير الجديد.

وتم اختيار التصميم الحالي الذي كانت فكرته المستوحاة تعبّر عن رمزية الأهرامات، فكان التصميم عبارة عن واجهة على شكل مثلثات تنقسم إلى مثلثاتٍ أصغر، مما أعطى انعكاسًا إيجابيًا عبّر عن مدى عبقرية الاستغلال الأمثل للموروث الثقافي والمادي والرمزية الحضارية الفرعونية بشكلٍ إيجابي، والوصول إلى كيفية دمجها مع أفكار التطوير والحداثة والتكنولوجيا.

وقد تم البدء في بناء مشروع المتحف الجديد في مايو 2005، حيث تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفي العام التالي 2006 ظهرت إلى النور فكرة أشد عبقرية من عبقرية المكان وتصميمه، حيث جرى التخطيط والإعلان عن إنشاء مركزٍ لترميم الآثار، خُصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف الكبير الجديد، والذي تم افتتاح هذا المركز خلال عام 2010، ويشمل عدة معامل رئيسية، منها:

* معامل الخزف والمعادن.
* معامل الأخشاب، ووظيفتها ترميم التوابيت والتماثيل بأنواعها والأثاث الجنائزي والمراكب والأدوات وغيرها.
* معامل الأحجار.
* معمل الميكروبيولوجي، ومهمته تحديد أنواع الكائنات الحية المسببة لتلف الأثر وتحديد نوع العلاج المناسب للحفاظ عليه.
* معمل الميكروسكوب الإلكتروني الماسح.
* معمل المومياوات والبقايا الآدمية والطيور والحيوانات.

وفي عام 2014م وجّه الرئيس السيسي باستكمال ومواصلة البناء، وقد اكتمل تشييد مبنى المتحف الجديد، والذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، خلال عام 2021، كأكبر متحفٍ في العالم يروي تاريخ الحضارة والهوية المصرية القديمة، بشعارٍ رسمي يجمع بين التراث المصري القديم والحداثة، ومكونات الشعار ورمزيته كالآتي:

* ثلاثة مثلثات تمثل الأهرامات الثلاثة.
* دائرة ترمز إلى قرص الشمس.
* الموقع يوضح في الشعار ظل الهرم الذي يسقط على الأرض، وهو يمثل تخطيط المتحف الكبير نفسه وداخله وخارجه المطل على الأهرامات ومدينة القاهرة.
* الخط العربي يحوي كتابةً عربيةً تشبه الكثبان الرملية لتعكس طبيعة مصر وهويتها.
* اللون البرتقالي يرمز إلى غروب الشمس في مصر ويستقر خلف الجانب الخلفي للمتحف.

كما ذكرنا سابقًا، كان لفكر وتخطيط النقل، والأخذ في الاعتبار كثيرٌ من الاحتياطات الأمنية والمناخية والبعد الجغرافي وتفادي الحوادث العارضة، الدورُ البارز في إتمام مهمة النقل ببراعة وكفاءة تمهيدًا لفحص وترتيب عرض المقتنيات بالمتحف.
وقد جرى نقل عددٍ كبيرٍ من القطع الأثرية المميزة والفريدة من المتحف المصري بالتحرير، من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، والتي تُعرض لأول مرة كاملةً منذ اكتشاف مقبرته أوائل القرن العشرين، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس، أم الملك خوفو مُشيد الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك مراكب الملك خوفو الثانية "متحف مركب الشمس"، والذي كان التحدي الأكبر في إتمام عملية نقل القطع الخشبية للمراكب وترميمها.

وكان لفكر وتخطيط النقل دون خسائر دوره العبقري أيضًا، حيث جرى نقل تمثال رمسيس الثاني من مكانه في ميدان رمسيس بالقاهرة إلى مكانه الجديد، حيث يصل وزنه إلى 83 طنًا، وجرى نقل 778 قطعة أثرية من الأقصر، وتمثالٍ للإله حورس من الجرانيت الوردي، وتمثالٍ للملك أمنحتب الثالث، والعديد من تماثيل الملوك والملكات، ومقتنيات ووثائق نادرة وغيرها.

ويعرض المتحف أيضًا أول مسلةٍ معلقةٍ في العالم، ويضم المتحف البهو العظيم وقاعة الدرج العظيم، بالإضافة إلى قاعات العرض الرئيسية التي توثق وتعرض تاريخ مصر الفرعونية وتراثها الديني والثقافي والاجتماعي، وحتى العصرين اليوناني والروماني، وفق أحدث تقنيات العرض في المتاحف الحديثة العالمية.

ويضم المتحف الجديد، كمدينةٍ ثقافيةٍ عالميةٍ، بين جنباته أماكن خاصةً أيضًا تزخر بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحفٍ وحديقةٍ للأطفال، وحديقة النباتات العطرية، والمتنزهات، ومراكز وورشٍ تعليمية تهدف إلى إحياء الحرف والفنون التراثية المصرية، وقاعات عرضٍ مؤقتة، وسينما، ومركزٍ للمؤتمرات، وكذلك العديد من المناطق التجارية التي تشمل محالًّا تجارية، والممشى السياحي، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين مثل المطاعم، ومحال بيع المستنسخات والهدايا، ومواقف انتظار السيارات.

واللافت للنظر أنه سيتم وضع جميع الإرشادات في المتحف بثلاث لغات هي: العربية، والإنجليزية، والهيروغليفية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة