«مراكب الشمس» هي سفن جنائزية مصرية قديمة عُثر عليها بجوار الهرم الأكبر بالجيزة، ويعنى بها تحديدًا مركبتي الملك «خوفو» اللتين اكتُشفتا بجوار الهرم الأكبر في الجيزة، وأصبحت الآن جزءًا من المعروضات الرئيسية في المتحف المصري الكبير، تحت إشراف وزارة السياحة والآثار المصرية، وتنتظر زوراها من كل مكان بعد هذا الحدث العظيم الذي استقبله العالم كله بانبهار في الأول من نوفمبر الجاري لعامنا 2025.
وفي المعتقدات بالحضارة المصرية القديمة، ترمز مراكب الشمس إلى رحلة الإله «رع» اليومية عبر السماء، وتجسد عقيدة المصريين القدماء في البعث والخلود، واستخدمها الملوك بالحضارة المصرية القديمة لترمز إلى رحلتهم في الآخرة، وصُنعت المركبة من خشب الأرز دون استخدام المسامير، وتتميز بحرفية فائقة.
اكتشاف مراكب الشمس
في عام 1954م، نجح عالم الآثار المصري كمال الملاخ في اكتشاف حفرتين مسقوفتين عند قاعدة الهرم الجنوبي للملك خوفو وفي قاع إحداهما عُثر على سفينة مفككة مصنوعة بإتقان من خشب الأرز اللبناني، وضعت بعناية في الحفرة في 13 طبقة، بلغ عدد أجزائها 1224 قطعة، تضمنت خمسة أزواج من المجاديف، وزعنفتين للتوجيه، ومقصورة، وسقالة للرسو على الشاطئ.
ويبلغ طول المركَب نحو 42.3 مترًا، وأقصى عرض لها 5.6 مترًا، وتشبه في تصميمها مراكب البردي التي ظهرت في الرسوم والنقوش المصرية القديمة، واستغرقت عملية إعادة تركيبها نحو عشر سنوات كاملة، ليُعرض المركَب في متحفه الخاص بجوار الهرم عام 1982م.
سبع حفرات مخصصة للمراكب الجنائزية
وتوجد بمنطقة الهرم الأكبر سبع حفرات مخصصة للمراكب الجنائزية، خمس منها تتبع هرم الملك «خوفو»، واثنتان تتبعان أهرام الملكات، أما حفرتا مراكب الشمس فهما الواقعتان جَنُوب الهرم، وقد وُجدتا في حالة جيدة ومغلقة بإحكام.
كتابات هيروغليفية تحمل أسماء مجموعات العمال
وفي عام 1987م، فُحصت الحفرة الثانية، ليتبين أنها تحتوي على «مركب شمس» أخرى مفككة وكاملة الأجزاء، ويبلغ طول الحفرة الشرقية 31 مترًا وعمقها 4.5 مترًا، وتبعد عن الهرم نحو 17 مترًا، وأُغلقت الحفرة بقطع حجرية ضخمة بلغ عددها 41 قطعة، تزن الواحدة منها ما بين 15 و20 طنًا، طول الواحدة نحو 4.5 متر وعرضها 0.85 متر وارتفاعها 1.8 متر.
وسجل المصريون القدماء على هذه الأحجار كتابات هيروغليفية تحمل أسماء مجموعات العمال المكلفة بالنقل والتركيب، إلى جانب عشرة خراطيش تحمل اسم الملك «خفرع، وعبارة تشير إلى السنة الحادية عشرة من التعداد، وهي السنة التي وُضعت فيها المراكب في موضعها.
رحلة النقل إلى المتحف المصري الكبير«المرسى الأخير»
وبعد أكثر من نصف قرن على اكتشاف مراكب الشمس، في عام 2021 م، جرت واحدة من أضخم عمليات النقل الأثري في التاريخ، ونُقلت مركب الشمس الأولى من متحفها بمنطقة آثار الهرم إلى المتحف المصري الكبير باستخدام عربة ذكية ذات تحكم عن بُعد، صُنعت خصيصًا في بلجيكا لتناسب أبعاد المركب ودقّة نقله قطعة واحدة دون تفكيك.
وبهذا الانتقال التاريخي، رست «مركب الشمس» ا في فضاءات «المتحف المصري الكبير»، بعد أن كانت تبحر في مياه النيل العظيم، لتكن الآن شاهدة على عبقرية المصري القديم الذي آمن بأن الشمس هي بوابة الخلود، وأن الرحلة معها تمثل عبور نحو الأبدية.
متحف مراكب الشمس.. داخل المتحف المصري الكبير
وتوجد حاليا قاعة مجهزة خاصة لعرض مركبتي «خوفو» بما فيها المركبة الثانية التي كانت قيد الترميم والتجميع، والقاعة داخل حرم المتحف المصري الكبير، الذي افتتح رسميًا في حفل مهيب السبت الماضي الأول من نوفمبر 2025م.
و يوفر المتحف تجربة عرض تفاعلية للزوار، حيث يمكنهم مشاهدة مراحل ترميم المركبة الثانية والتعرف على تاريخها عبر تقنيات حديثة، وتم تجهيز المبنى بمواصفات عالية الجودة للتحكم في درجة الحرارة والرطوبة للحفاظ على الأثر.