كشفت دراسة حديثة نشرت على موقع Nature Mental Health، أن الخلافات الأسرية والصراعات المتكررة بين الآباء تمثل أحد أخطر العوامل التي تؤثر سلباً على الصحة النفسية للمراهقين، خاصة الفتيات، ليس فقط في الوقت الحاضر بل على المدى البعيد أيضاً، حيث أن الشجارات العائلية والنقد المتكرر داخل المنزل من أكثر مسببات التدهور النفسي لدى الأبناء في مرحلة المراهقة، إذ تزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب والقلق والمشكلات السلوكية، وتؤثر كذلك على قدرتهم على التركيز والتحصيل الدراسي.
وأوضحت النتائج أن تأثير البيئة الأسرية على الحالة النفسية للمراهقين يفوق أحياناً تأثير العوامل الوراثية أو العضوية، مشيرة إلى أن الخلافات المستمرة بين الوالدين تخلق شعوراً بعدم الأمان والاستقرار داخل المنزل، وهو ما ينعكس مباشرة على الجهاز العصبي والنفسي للأبناء.
واعتمد الباحثون في نتائجهم على تحليل بيانات من دراسة طويلة الأمد تعرف باسم "دراسة التطور المعرفي لمخ المراهقين"، تابعت أكثر من 11 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 9 و16 عاماً في، وركزت على قياس العلاقة بين البيئة الأسرية والتغيرات النفسية والعصبية التي يمر بها المراهقون.
ورصد العلماء أكثر من 900 مؤشر نفسي واجتماعي يمكن أن يؤثر في الحالة النفسية للمراهقين، لكنهم وجدوا أن الصراعات العائلية تأتي في مقدمة هذه العوامل من حيث التأثير السلبي، تليها أشكال أخرى من الفشل الاجتماعي مثل التنمر من الأقران أو العزلة الاجتماعية.
كما بينت الدراسة أن الفتيات أكثر تأثراً من الفتيان بهذه الصراعات، حيث تظهر عليهن أعراض القلق والحزن وفقدان الثقة بالنفس بشكل أوضح، بينما يميل الفتيان إلى التعبير عن الضغوط النفسية من خلال سلوكيات عدوانية أو انسحاب اجتماعي.
وأكد الباحثون أن استمرار هذه الضغوط لفترات طويلة قد يؤدي إلى تغيرات عضوية فعلية في المخ، مثل انخفاض سمك القشرة المخية وضعف القدرات الإدراكية، مما يزيد من خطر الإصابة باضطرابات نفسية مزمنة في المستقبل.
وشدد فريق البحث على أن الوعي بخطورة الخلافات الأسرية على نفسية الأبناء يجب أن يكون أولوية لكل أسرة، وأن الحوار الهادئ والاحترام المتبادل بين الوالدين ليس فقط مفتاحاً لحياة أسرية مستقرة، بل هو أيضاً حماية حقيقية لصحة الأبناء النفسية والعقلية في المدى الطويل.