تُعد نازك الملائكة واحدة من أبرز الأسماء التي حفرت حضورها العميق في ذاكرة الشعر العربي الحديث، فهي الصوت الأنثوي الذي تمرد على الأشكال التقليدية للقصيدة، وأسّست بوعيها الفني والشعري لمرحلة جديدة من التجريب والتجديد. في ذكرى ميلادها، يستعاد اسمها بوصفه رمزًا للحداثة الشعرية، وصاحبة الريادة في كتابة الشعر الحر.
ولدت نازك الملائكة في 23 أغسطس عام 1923 في بغداد، ونشأت في بيئة ثقافية خصبة؛ فوالدها صادق الملائكة صاحب موسوعة "دائرة معارف الناس" في عشرين مجلدًا، ووالدتها سلمى الملائكة كانت تكتب الشعر تحت الاسم الأدبي "أم نزار الملائكة"، واعتنت بغرس حب الأدب والشعر في ابنتها منذ طفولتها، كما أن جدتها لأمها كانت شاعرة، لتنشأ نازك في بيتٍ تتوارث فيه الكلمات جيلاً بعد جيل.
أطلق والدها عليها اسم "نازك" تيمنًا بالمناضلة السورية نازك العابد، وكأن القدر اختار لها طريق التمرد منذ البداية. بدأت كتابة الشعر وهي في العاشرة من عمرها، وأتمت دراستها الثانوية، ثم التحقت بدار المعلمين العالية لتتخرج عام 1944، قبل أن تواصل دراستها في معهد الفنون الجميلة قسم الموسيقى عام 1949، وتحصل على درجة الماجستير في الأدب المقارن من الولايات المتحدة عام 1959.
تنقلت نازك بين جامعات عدة، فدرّست الأدب العربي في جامعة بغداد والبصرة، ثم الأدب المقارن في جامعة الكويت، وكانت مثالًا للمفكرة والأستاذة التي تجمع بين الدقة الأكاديمية والحس الشعري.
سطع نجمها مع قصيدة "الكوليرا" التي ارتبطت ببدايات حركة الشعر الحر، واعتُبرت من أوائل القصائد التي كسرت عمود الشعر التقليدي، لتفتح الباب أمام جيل جديد من الشعراء، من بينهم بدر شاكر السياب وشاذل طاقة وعبد الوهاب البياتي، الذين شكلوا معًا تيارًا غير وجه الشعر العربي الحديث.
قدّمت نازك الملائكة عددًا من الدواوين التي رسخت مكانتها، منها عاشقة الليل، شظايا ورماد، قرارة الموجة، شجرة القمر، يغير ألوانه البحر، مأساة الحياة وأغنية الإنسان، الصلاة والثورة، إلى جانب مجموعتها القصصية الشمس التي وراء القمة الصادرة في القاهرة عام 1997.
كما تركت بصمة نقدية وفكرية واضحة في كتبها قضايا الشعر المعاصر، التجزيئية في المجتمع العربي، سايكولوجية الشعر، الصومعة والشرفة الحمراء، مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية.
اختارت نازك في سنواتها الأخيرة العزلة في القاهرة، وظلت بعيدة عن الأضواء حتى رحيلها في 20 يونيو 2007 عن عمر ناهز 83 عامًا، إثر هبوط حاد في الدورة الدموية. وبرحيلها، غابت الجسد وبقي الصوت، لتبقى نازك الملائكة أيقونة الشعر العربي الحديث، ورمزًا لامرأةٍ جعلت من الكلمة ثورة ومن القصيدة حياة.