يشارك بيت الحكمة في الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، المقامة في مركز إكسبو الشارقة حتى 16 نوفمبر الجاري تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، محتفياً بالروابط الثقافية والفكرية التي جمعت بين الحضارتين العربية واليونانية عبر التاريخ، حيث يسلط جناحه الضوء على رحلة التبادل المعرفي التي أسهمت في إثراء الإرث الإنساني المشترك، وذلك تزامنًا مع اختيار اليونان ضيف شرف هذه الدورة.
وأثناء مراسم افتتاح المعرض، وخلال زيارة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة برفقة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، إلى جناح بيت الحكمة، قام الدكتور فادي رحمة، رئيس لجنة جبران الوطنية في لبنان، بإهداء حاكم الشارقة نسخة فاخرة من كتاب «النبي»، تقديرًا لدعم في مشروع ترميم متحف جبران في بلدة بشري اللبنانية وصون مقتنياته وترميم قطعه الفنية.
وقالت مروة العقروبي، المديرة التنفيذية لبيت الحكمة "تجسّد مشاركتنا في معرض الشارقة الدُّوَليّ للكتاب هذا العام معاني التواصل الإنساني ودوره في تعزيز الحوار بين الثقافات، حيث نحتفي بجذور العلاقة العميقة بين الحضارتين العربية والإغريقية، بالتزامن مع اختيار اليونان ضيف شرف في هذه الدورة، ونأخذ الزوار في رحلة إلى إرث علمائنا الأوائل وإسهاماتهم التي أثرت مسيرة الحضارة الإنسانية، انسجاماً مع رؤية الشارقة الحضارية التي يقودها صاحب السمو الشيخ حاكم الشارقة، القائمة على ترسيخ جسور المعرفة والاحترام المتبادل بين الشعوب، وتعزيز الإسهام المشترك في التنمية المستدامة".
وأضافت: "العلاقة بين هاتين الحضارتين العريقتين ضاربة في جذور التاريخ؛ فقد قدم العلماء العرب والمسلمون في عصور الازدهار المعرفي نموذجاً رائداً في الإبداع الإنساني، ولم يقتصر دورهم على ترجمة علوم الإغريق فحسب، بل أعادوا قراءتها وصياغتها في مجالات الفلسفة والطب والفلك والرياضيات والفنون وغيرها من ميادين العلوم الإنسانية والتجريبية، وأضافوا إليها رؤى أصيلة جعلتها أكثر تطورًا وعمقًا. ونسعى في بيت الحكمة من خلال هذه المشاركة إلى إحياء هذا الدور وإبرازه، والتذكير بإسهام العرب والمسلمين في صياغة التراث العلمي والإنساني ونقله إلى العالم".
يضم جناح بيت الحكمة عدداً من المعروضات التي تبرز هذا التواصل الحضاري الممتد عبر القرون، حيث يستهل الجناح بعرض مرئي باللغة العربية واليونانية والإنجليزية، يوثق مسار التبادل العلمي والفكري بين الحضارتين من خلال حركة ترجمة العلوم اليونانية إلى العربية، والتي احتضنها بيت الحكمة القديم في بغداد برعاية الخلفاء العباسيين، خلال الفترة الممتدة من القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر الميلادي.
ويعرض الجناح مجموعة مميزة من المخطوطات والطبعات النادرة للمرة الأولى بالتعاون مع دار المخطوطات في إمارة الشارقة، أبرزها الطبعة الأولى من كتب "القانون في الطب" لابن سينا، والتي جمع فيها خلاصة الطب القديم وأسس المنهج العلمي الحديث، وظلت تُدرس في جامعات أوروبا لقرون. تعود هذه النسخة إلى مقتنيات الإمبراطور نابليون بونابرت في التاسع عشر، وطُبعت سنة 1593م بمطبعة تيبوغرافيا مديتشي في روما، والتي تعد من أهم مطابع أوروبا التاريخية، وأسهمت في نقل التراث العربي والإسلامي إلى الغرب.
وتتضمن العناوين المعروضة كذلك الطبعة الأولى من كتاب "تحرير الأصول لأوقليدس" لنصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672هـ، الذي أعاد صياغة مفاهيم الهندسة اليونانية بأسلوب علمي دقيق ومنهج منطقي، مساهماً في انتقال علم الرياضيات إلى العالم الإسلامي وأوروبا وقد طبع هذا الكتاب سنة 1594م؛ بالإضافة إلى مخطوطة بعنوان "رسالة في العمل بالكرة الفلكية" للعالم والمفكر الموسوعي قسطا بن لوقا البعلبكي، وتعد مرجعاً مهماً يجمع بين النظرية الفلكية والتطبيق العملي، موضحة استخدام الأسطرلاب لتحديد المواقع السماوية وأوقات الشروق والغروب.
ومن العناوين المعروضة أيضًا مخطوطة "الرسالة الحاتمية فيما وافق المتنبي في شعره أرسطو في الحكمة" لمحمد بن الحسن البغدادي الحاتمي المتوفى سنة 388هـ، وهي رسالة تسلط الضوء على أوجه الشبه بين الحكمة الفلسفية في فلسفة أرسطو وشعر المتنبي، كما تكشف عن عمق أدب المتنبي واطلاعه الواسع على التراث الفلسفي؛ وكذلك مخطوطة "إيساغوجي" لأثير الدين الأبهري المتوفى سنة 663هـ، وهي مقدمة لكتب أرسطو ومدخل أساسي لدراسة علم المنطق تتناول شرح الكليات الخمس، وقد توالى العلماء على نقلها وشرحها عبر العصور لأهميتها البالغة. ويمكن للزوار الاطلاع على نسخ إلكترونية من هذه العناوين عبر هواتفهم، وذلك من خلال مسح رمز الاستجابة السريعة (الباركود).
وعلى هامش المعرض، شارك بيت الحكمة في حلقة نقاشية بعنوان "مبادرة عاصمة الكتاب العالمية لمنظمة اليونسكو"، تستعرض الفرص المرتبطة بلقب عاصمة الكتاب العالمية، ودور المدن الرائدة في دعم الكتاب وتشجيع ثقافة القراءة والتبادل الثقافي بين الحضارات، بمشاركة مروة العقروبي، مديرة مشروع الشارقة العاصمة العالمية للكتاب 2019، وآنا روتسي، رئيسة الحملة الإعلامية لمشروع أثينا عاصمة عالمية للكتاب 2018.