سؤال واحد يلح علينا ويطاردنا، فى ظل التطورات الأخيرة، هو: ماذا جرى لنا جميعا، فى مصر والوطن العربي؟..وكيف شوهنا صورتنا وصورة الدين الإسلامي، الذى تدين به أغلبية ساحقة فى هذا الوطن؟..الإجابة عن هذا السؤال تختلف من شخص لآخر، وفقا لقناعاته الإيمانية أو الثقافية أو الاجتماعية.. وقد طرحت هذا السؤال بدرجة لافتة، جريمة استهداف المواطنين الأقباط بحرق الكاتدرائية البطرسية، ثم بقتل وتهديد مواطنين مسيحيين فى مدينة العريش، بسيناء..
والواقع أن التيارات الإقصائية، والتى تهدف إلى تمزيق النسيج الوطنى المصري، وتفتيت الوطن، قد تمادت فى جرائمها، فى ظل غياب أى رد فعل جاد من جانب الدولة أو ردع من المؤسسات الدينية، التى التزمت الصمت إزاء استمرار هذه التيارات فى تنفيذ مخططها، أو كما أظن، مخطط من يستخدمونها..
ففى بريطانيا مثلا، صدر حكم بحبس رجل يدعى شون كريتون، بالسجن خمس سنوات؛ لأنه دعا على الإنترنت إلى قتل المسلمين واليهود، وعلق رئيس وحدة مكافحة الإرهاب فى سكوتلاند يارد قائلا: إننا مصممون على توقيف متشددى اليمين المتطرف ومقاضاتهم، تماما كما نفعل حيال الذين يدعمون ويروجون لداعش..
وكذلك فى فرنسا، قرر البرلمان إسقاط الحصانة عن رئيسة حزب الجبهة الوطنية، اليمينى المتطرف، مارين لو بن، لكونها نشرت على صفحتها فى تويتر مقاطع فيديو لعمليات إعدام نفذها تنظيم داعش الإرهابي، لفرط وحشيتها وإيذائها للمشاعر الإنسانية..هذا بينما عندنا، تنتشر فيديوهات داعش بلا أدنى تحفظ أو حرج غير عابئين بوقع هذه الصور الوحشية، على أسر الضحايا وكذلك على الأطفال والشباب..
وحتى الآن لم تتخذ الدولة ولا المؤسسات الدينية، أي إجراء لردع مثيرى الفتنة الطائفية بل الأدهى والأمر، أن هؤلاء يطبقون «قانونهم!؟» بواسطة، ما يعرف، بجلسات الصلح العرفية والتى تنتهى دائما بتنفيذ رغباتهم..فهل سئل ياسر برهامى مثلا عن دعواته المتكررة إلى التعامل مع المصريين المسيحيين على أنهم كُفار، لا يجوز التعامل معهم ولا تهنئتهم بأعيادهم، وبما يعنى أن قتلهم حلال؟..ويفتى برهامى كذلك بعدم جواز تولى المواطنين الأقباط أية مناصب سياسية وهو ما تطبقه، للأسف الدولة المفترض ألا تفرق بين أبنائها على أساس العقيدة، وهل يتصور عاقل أن يمر التمييز بين التلاميذ والطلبة حسب ما يرتدون من أزياء وعدم احترام الزى المدرسى ؟، وهل تم التحقيق مع الرجل الذى حرض قاتل صاحب محل الخمور القبطى فى الإسكندرية؟..أضف إلى ذلك، أن الإعلام يستخدم المسميات التى يصف بها الإرهابيون أنفسهم، فيقال “الجهاديون، أو تنظيم الدولة الإسلامية، أو أنصار بيت المقدس... إلخ، المفردات التى تناقض جذريا ما يقترفه هؤلاء من جرائم..فكيف يكون القتلة جهاديين؟.. كيف تكون ممارسات داعش الإرهابية ووحشيتها المرعبة، عنوانا “للدولة الاسلامية؟”..وإذا كانت هذه التنظيمات التى أساءت للمسلمين وللإسلام بأكثر مما فعل أو يمكن أن يفعل، أشد أعداء الإسلام ضراوة، تتحرك من دون خوف من أية إجراءات ردعية، بل وتجد إلتزام الجميع بوصفها بالجهاد، والعمل على بناء «الدولة الإسلامية»، كيف يمكن أن تستقيم الأمور فى الوطن؟..لقد تفشت فى مجتمعنا مفاهيم غريبة على مصر، فتسمع من فوق المنابر وبمكبرات الصوت، دعاء إلى الله بتدمير اليهود والنصارى !!!..دون أن يهتز للدولة رمش..وتنطلق الدعوات بأن يرحم الله الموتى المسلمين وحدهم، وهذه الممارسات وإن كانت تبدو، غير ذات قيمة، إلا أنها ممارسات إقصائية فى غاية الخطورة، حيث تعمق الفجوة بين أبناء الوطن الواحد، وتعمل ـ لا قدر الله ـ على ضرب الوحدة الوطنية التى كانت آخر تجلياتها فى ثورة يونيو ٢٠١٣ ..
ولا شك أن من مقاصد الفرقة أيضا، آفة التكفير الرهيبة، فقد بتنا نشاهد عاجزين أحيانا رجلا، يوصف بأنه رجل دين، ويطلق أحكامه بتكفير أتباع ديانة معينة، أو مذهب مخالف، بل وصلت المأساة إلى تكفير من هم من نفس العقيدة الدينية وذات المذهب، ولكن الاختلاف يكون سياسيا..
لقد أصبح التكفير من أشد الأسلحة فتكا، وهو يستخدم الآن بوتيرة متزايدة دونما أى رادع..ومن حقنا أن نسأل، هل يعد مسلما من يتجاهل الآيات الكريمة، التى تمنح المرء كامل الحرية، لأن الإيمان، وليس الإكراه، هو الضمانة الحقيقية..ومنها قول الخالق عز وجل، بأن (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (ولا إكراه فى الدين)، (ولكم دينكم ولىّ دين)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك فإن الدين علاقة بين العبد وخالقه، وليس لأحد مهما كان شأنه أن يدعى معرفة ما فى القلوب أو العقول، لأن الله وحده يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور..إننا فى أمس الحاجة إلى صحوة سريعة وعلى كافة الصُعد، حيث أمامنا خياران لا ثالث لهما هما: أن نكون أو لا نكون..ولكي نكون، لا مناص من أن نستعيد قيمنا ومبادئنا وعاداتنا، وأن نتصدى لمحترفى التزييف، فكفانا ما ألحقوه بنا من أضرار ومآسٍ...