اعترف قادة العالم المعنيون بقضايا المناخ بأن الاحتباس الحراري سيتجاوز العتبة الصارمة التي كانت قد تحددت قبل عشر سنوات، مع الأمل في أن يتمكنوا من إبقاء كوكب الأرض بعيدًا عن منطقة الخطر. ومع ذلك، لم يفقد هؤلاء الأمل بعد في إمكانية عودة درجات الحرارة العالمية إلى ما دون هذا الحد.
وأعرب مسؤولو الأمم المتحدة والعلماء عن تفاؤلهم بإمكانية استعادة درجات الحرارة إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف المحدد في اتفاقية باريس لعام 2015، التي سعت إلى حصر الاحترار عند هذه الدرجة مقارنة بالعصر ما قبل الصناعي. ورغم تزايد المؤشرات على إمكانية تجاوز هذا الحد، إلا أن المسؤولين بدأوا مؤخرًا في التركيز على ضرورة تقليص مدة بقاء الأرض في منطقة الخطر.
وقد أشار مقال نشرته "يورونيوز" إلى أن درجة 1.5 درجة مئوية تعتبر نقطة حاسمة، حيث يبدأ حسابها على أساس متوسط درجات الحرارة خلال فترة عشر سنوات. ورغم أن العلماء يعتبرون أن تجاوز هذه العتبة أمر لا مفر منه في المستقبل القريب، إلا أنه لن يُعتبر تجاوزًا حقيقيًا إلا إذا استمرت درجات الحرارة فوق هذا الحد على مدى فترة عشر سنوات.
التحديات البيئية إذا تجاوزنا الحد
حذر يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث المناخ وأحد المستشارين العلميين لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المنعقد في بيلم بالبرازيل، من أن "تجاوز 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى تغييرات بيئية غير قابلة للعودة"، مثل اختفاء الشعاب المرجانية عالميًا، وزيادة موجات الحر المميتة، بالإضافة إلى خطر جفاف غابة الأمازون وذوبان الصفائح الجليدية في جرينلاند والقطب الجنوبي. وأضاف أن تجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى تعطيل كامل للنظام البيئي العالمي، مثل تيارات المحيط الأطلسي.
تقييم العلماء للوضع الحالي
وتعليقًا على الوضع الحالي، قال روكستروم إن الأدلة العلمية اليوم أكثر وضوحًا من تلك التي كانت متوفرة قبل عشر سنوات، مؤكدًا أن "تجاوز 1.5 درجة مئوية يشكل تهديدًا حقيقيًا". وأوضح أن العالم قد يواجه مصاعب بيئية كبيرة إذا استمر في هذا المسار. وأضاف: "تجاوز هذا الحد سيزيد من معاناة البشر ويقربنا من نقاط التحول الكارثية في الأنظمة البيئية."
مسؤولون يعترفون بتجاوز العتبة ولكنهم يتمسكون بالأمل
في سياق متصل، أقر مسؤولون في الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة بأنه من المرجح أن تتجاوز درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية في السنوات أو العقود القادمة. رغم ذلك، يبقى هذا الهدف ذا أهمية خاصة. وقال سيمون ستييل، مسؤول شؤون المناخ بالأمم المتحدة، في افتتاح المؤتمر الحالي: "العلم واضح: يمكننا بل ويجب علينا إعادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بعد أي تجاوز مؤقت".
من جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في كلمة له في جنيف الشهر الماضي، أن تجاوز هذا الحد أصبح أمرًا لا مفر منه، لكن هذا لا يعني أنه يجب الاستسلام. وقال: "على الرغم من أن تجاوز 1.5 درجة مئوية أصبح حتميًا في المستقبل القريب، إلا أن هذا لا يعني أن الهدف قد أصبح مستحيلًا. نحتاج إلى تكثيف جهودنا للحد من تأثير هذا التجاوز."
التقنيات المستقبلية والآمال في خفض الكربون
يرتبط الأمل في تقليص درجات الحرارة إلى ما دون 1.5 درجة مئوية بتطور تقنيات إزالة الكربون من الجو. ويتوقع العلماء أن تساعد "مصارف الكربون" الطبيعية، مثل الأشجار والمحيطات، في امتصاص ثاني أكسيد الكربون. كما يتطلع العلماء إلى تطوير تقنيات جديدة في المستقبل لخفض التركيزات الحالية من الكربون في الغلاف الجوي.
ويقول أوتمار إيدنهوفر، كبير الاقتصاديين في معهد بوتسدام لأبحاث المناخ، إن "بدون إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، سيكون من المستحيل إدارة سيناريو التجاوز بنجاح". لكن العلماء يعترفون بأن هذه التقنيات لم تتطور بعد على نطاق واسع، مما يجعل الأمل في عودة درجات الحرارة إلى مستويات آمنة رهينًا بتطور هذه الابتكارات.
توقعات المستقبل القريب
أظهر تحليل حديث من علماء مبادرة "كلايمت أكشن تراكر" أن درجات الحرارة العالمية ستتجاوز 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، إذا استمر العالم في مسار الانبعاثات الحالية، مع بلوغها ذروة قدرها 1.7 درجة مئوية. ويرى العلماء أنه، حتى في حال بذل العالم أقصى جهوده للحد من الانبعاثات، فإن تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية قد يصبح أمرًا مستبعدًا.
وأشار بيل هير، الباحث في هذه المبادرة، إلى أن المسار الحالي لا يشير إلى تجاوز مؤقت بسيط، بل إلى فشل كامل في تحقيق الأهداف المناخية، مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى عام 2100.
مع مرور عشر سنوات من التأكيد على ضرورة عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية، يشير العلماء إلى أن العالم قد أخفق في الحفاظ على هذا الهدف. ورغم ذلك، يظل الأمل قائمًا في إمكانية تجنب أسوأ السيناريوهات إذا تحققت الالتزامات العالمية بمكافحة تغير المناخ.