الأحد 16 نوفمبر 2025

تحقيقات

عمر عوض.. موهبة تتلألأ في "دولة التلاوة"

  • 15-11-2025 | 18:14

عمر عوض

طباعة

في اللحظة التي انفتحت فيها إضاءة المسرح على طفلٍ نحيل يحمل مصحفًا أكبر قليلًا من كفَّيه، كان الجمهور أمام مفاجأة لم يتوقعها، وقف عمر عوض، ابن الثانية عشرة بثباتٍ يسبق عمره بكثير، وكأن خشبة برنامج "دولة التلاوة" ليست أول محطة في حياته، بل جزء من طريق يعرفه جيدًا، فكانت خطواته نحو المنصة تخفي داخلها قلبًا يخفق بسرعة، لكن عينيه كانتا تحملان وضوحًا يليق بمن يعرف أنه على موعد مع شيء كبير.

لم يكن المشهد مجرد مشاركة لطفل موهوب، بل لوحة مكتملة الأركان، بدا الأب ملازمًا لابنه كظلّ محب، يربّت على كتفه في اللحظة الأخيرة قبل أن يتركه للمسرح، وكان يحاول أن يخفي ارتباكه بابتسامة ثابتة، لكن عينيه المشدودتين نحو المنصة كانتا تكشفان حجم الرهبة والحنان معًا، فلم يتدخل الرجل كثيرًا، ولم يوجّه تعليمات، فقد كان يدرك أن اللحظة ملكٌ لابنه وحده.

وما إن بدأت التلاوة، حتى تغيّر كل شيء خرجت الحروف من فم الطفل بنضجٍ لا يتناسب مع سنواته الاثنتي عشرة، فصوته لم يكن قويًا فحسب، بل محكمًا ومنضبطًا، يحمل خشوعًا يسبق الخبرة، ودقة تجعل المستمع يظن أنه أمام قارئ قضى عشرات السنين بين أحكام التجويد ورحلة الإتقان، فخفتت الحركة في القاعة، وساد الصمت، حتى إن أعضاء لجنة التحكيم توقفوا عن تدوين الملاحظات ورفعوا رؤوسهم للاستماع، كأنما فُرض عليهم الإصغاء.

وحين انتهى عمر، انفجرت القاعة تصفيقًا، تلاه موج من كلمات الثناء، فالشيخ حسن عبد النبي كان أول من تحدث، وقد بدا عليه التأثر بوضوح وهو يقول: «الولد ده ميفضلش لابس الكاكولا والعمة عند سكنه لياخد عين.. ربنا يحفظك بحفظ القرآن»، وتعالت ضحكات محبة من الجمهور، بينما قال الشيخ طه النعماني دعاءه الشهير للقُراء الصغار، داعيًا للطفل بالحفظ والبركة.

أما الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، فاختار طريقًا آخر في الإشادة؛ إذ قدم تحية خاصة إلى الوالدين، معتبرًا أن الموهبة لا تزدهر دون رعاية واعية، ومؤكدًا أن الوزارة ستتابع دعم الطفل وتنمية موهبته خلال الفترة المقبلة.

لم يكن كل هذا المشهد وليد صدفة، بل نتيجة لرحلة بدأت عندما كان عمر في التاسعة من عمره، فخلال ثلاث سنوات فقط، أصبح صوت عمر ضيفًا على مناسبات دينية عربية وعالمية، وقرأ أمام مجلس حكماء المسلمين بحضور كبار رجال الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ويومذاك، التقطت الكاميرات لحظة مؤثرة حين انحنى الطفل وقبّل يد الإمام، مشهدًا لم يُنسَ، عكس احترامه للعلماء وإحساسه بعظمة المكان.

لكن الحلقة الأولى من “دولة التلاوة” لم تكن مجرد عرض لموهبة، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لشخصية الطفل، فمع كل تعليق من اللجنة، كان عمر يستمع وهو يبتسم بثقة، ويهز رأسه احترامًا، وكأنه يقول: "أنا هنا لأتعلم، قبل أن أنافس"، هذه الروح لم تمرّ مرور الكرام؛ رآها المشاهدون قبل اللجنة، واعتبروها دليلاً على أن مستقبل الطفل لا يصنعه صوته فقط، بل أخلاقه أيضًا.

خرج الطفل من الكواليس بعد انتهاء الحلقة وهو يمسك يد والده، لكن الفارق الوحيد بين البداية والنهاية كان في الملامح، فقد اختفت الرهبة، وظهرت ملامح يقين جديد، وبدا الأب أكثر ارتياحًا، والطفل أكثر امتلاءً بفرح خفيف وهادئ، يشبه فرح الذين يدركون أنهم خطوا الخطوة الصحيحة في الاتجاه الصحيح.

هكذا، لم يخرج عمر من "دولة التلاوة" كمتسابقٍ فحسب، بل كحكاية.. حكاية صوت صغير حمل القرآن فأضاء المسرح، وترك في نفوس المشاهدين يقينًا بأن الموهبة لا تنتظر الزمن، وأن مصر تستطيع دائمًا أن تقدّم أصواتًا تحفظ للقرآن جماله ورونقه، بصوت طفل يشبه المستقبل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة