الأحد 16 نوفمبر 2025

مقالات

رؤية مصرية لأفريقيا بعد النزاعات

  • 16-11-2025 | 14:42
طباعة

تتبدى في رسالة الرئيس السيسي إلى أسبوع إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات ملامح رؤية أفريقية شاملة لمرحلة ما بعد النزاعات لا تكتفي بتشخيص التحديات بل تتطلع إلى إعادة صياغة مسار القارة نحو الاستقرار والتنمية فالإعلان عن انطلاق فعاليات النسخة الخامسة لأسبوع الاتحاد الأفريقي للتوعية بإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات  والتي تحتضن القاهرة فعالياتها الرئيسية لا يظهر كحدث بروتوكولي عابر بل كرسالة سياسية وتنموية تحمل دلالات تتجاوز الظرف الزمني لتلامس جوهر المشروع الأفريقي الأوسع وهو بناء السلام المستدام من خلال العدالة وتمكين الإنسان وتثبيت قدرة الدول على التعافي الذاتي لنكون بإزاء لوحة واسعة من التحديات المتشابكة التي تواجه القارة الأفريقية وهي تحديات ليست بنت اللحظة بل نتاج تراكم طويل من الأزمات البنيوية والصراعات الممتدة والضغوط الدولية المتزايدة فالنزاعات الداخلية ما زالت تمزق أوصال عدد من الدول والإرهاب ينتشر في مناطق واسعة من الساحل والقرن الأفريقي بينما تضاعف الجرائم العابرة للحدود هشاشة الأمن وتضعف مؤسسات الدولة وتتعقد الصورة أكثر مع الأزمات الإنسانية والفقر وتراجع التعليم في مقابل موجة من التحديات الجديدة مثل تغير المناخ وتداعيات التكنولوجيا المتقدمة.

وهذا التوصيف لا يهدف إلى تكديس الصور السلبية بل إلى إبراز السياق الواقعي الذي تتحرك ضمنه مبادرات الاتحاد الأفريقي وبيان حجم المسئولية الملقاة على عاتق الدول الأعضاء فالقارة تجد نفسها في مقدمة المتأثرين بالاستقطابات الدولية التي تعيد تشكيل خرائط النفوذ والمصالح وهو ما يفاقم هشاشة الدول ويضغط على قدرتها على تنفيذ استراتيجيات التنمية الطموحة وعلى رأسها أجندة أفريقيا 2063 ومع ذلك فمصر ترفض الانزلاق نحو السلبية أو الاستسلام لصورة القارة كمساحة أزمات فقط إذ يشدد الرئيس في رسالته على أن أفريقيا رغم أوجاعها تزخر بمقومات هائلة من ثروات طبيعية عريضة وموارد بشرية شابة وخبرات متراكمة ومؤسسات قارية آخذة في النضج وهذه العناصر ليست مجرد أرقام أو مظاهر قوة كامنة بل هي رصيد استراتيجي يمكن توظيفه لتحويل مسار القارة نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا وتبرز هنا أهم نقطة محورية في الخطاب وهي ضرورة تبني مقاربات شاملة تعالج جذور النزاعات لا مظاهرها فقط فالحديث عن إعادة بناء الحياة بعد النزاع من خلال العدالة التعويضية ليس شعاراً بل انعطافة في النظر إلى ما بعد النزاع إذ لم يعد ينظر إلى إعادة الإعمار باعتبارها عملية هندسية تركز على المباني والبنية التحتية بل باعتبارها مشروعاً إنسانياً يعيد الاعتبار للضحايا ويؤسس لمصالحة مجتمعية حقيقية ويعيد دمج المهمشين ويضمن مشاركة المرأة والشباب ويعالج الذاكرة الجريحة التي تخلفها الحروب فالعدالة التعويضية ليست مجرد آلية قانونية بل مدخل لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع ولتجديد العقد الاجتماعي في الدول الخارجة من النزاع وهذه الرؤية الإنسانية تتناغم مع ما تطرحه مصر في منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين الذي أصبح منصة قارية تربط بين الأمن والتنمية وإعادة الإعمار باعتبارها محاور متداخلة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر وإشادة الرئيس السيسي بدور مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في ما بعد النزاعات في القاهرة لا تأتي لمدح المؤسسة بقدر ما تهدف إلى التأكيد على أن الجهود تنتقل تدريجيا من الأوراق إلى الميدان وأن القاهرة باتت مركزا عمليا لإدارة هذا الملف على المستوى القاري ليبرز الخطاب روح الشراكة التي يحتاجها هذا النوع من الملفات إذ شدد الرئيس على التعاون بين الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي والشركاء الإقليميين والدوليين فالتعافي بعد النزاعات هو مهمة جماعية لا يمكن لدولة واحدة أن تقوم بها منفردة وهو عملية تتطلب حشد الموارد وتبادل الخبرات وتنسيق السياسات والعمل بروح تضامن أفريقية خالصة بل أكد الرئيس التزامه شخصيا من جانب رائد ملف إعادة الإعمار والتنمية في إشارة إلى أن القيادة ليست منصبا رمزيا بل مسئولية مستمرة تستدعي المتابعة والتنسيق والعمل الميداني وبذلك يتحول النص إلى وثيقة تعكس رؤية استراتيجية لتجديد مشروع السلم والأمن والتنمية في أفريقيا وتعيد تعريف ما بعد النزاعات باعتباره ليس نهاية الحرب فحسب بل بداية مرحلة جديدة من بناء الإنسان والدولة والمجتمع ليكتسب خطاب الرئيس  أهمية مضاعفة لأنه لا يعلن حدثا فقط بل يرسم إطارا فكريا وسياسيا لمسار التعافي الأفريقي في العقود القادمة بل ويرسخ فكرة أن مستقبل أفريقيا يبنى بإرادة شعوبها وبمؤسساتها وبمقاربات تستوعب تعقيدات الواقع دون أن تتخلى عن حلم القارة بأمن مستدام وتنمية شاملة ورخاء يليق بأبنائها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة