يشهد جاليري ضي الزمالك، في السابعة من مساء الأحد المقبل 23 نوفمبر، افتتاح المعرض الشخصي «ليلة فرح» للفنان الكبير الدكتور سامي البلشي.
50 لوحة جديدة للفنان سامي البلشي
ويستمر المعرض لمدة أسبوعين. ويقدم خلاله «البلشي» تجرِبة مختلفة تشمل 50 لوحة جديدة أبدعها الفنان، وعنها يقول «البلشي»: «إن معرض «ليلة فرح» وتجربتى مبنية على العشق الانفعالي الذي ينشأ بيني وبين اللون، فاللون لم يعد مجرد مساحات على التوال، بل كائن حي يتنفس، له نبض وشخصية، هذا العشق لا ينفصل عن صراع وتفاعل داخلي، فاللون يتجاوز الموضوع المرسوم، ليصبح هو ذاته الموضوع، يفتح لك أبوابًا للتفاعل، حيث تتدفق المشاعر وتتجسد في مساحات مضيئة وأخرى معتمة.
ويضيف «البلشي»: هذه المساحات ليست مجرد تباين في الألوان، بل هي تعبير عن تناقضات الحياة نفسها، عن الفرح والألم، عن الأمل واليأس، هذا التفاعل المتدفق بينى وبين اللون لا يمكن أن ينفصل عن الشكل والمكان والزمن التخيلي، أنا لا أرسم منظرًا طبيعيًا موجودًا، بل أرى منظرًا يعيش في خيالي، المكان قد يكون بلدي التي أرى ما يحدث فيها من تناقضات، أو قاعة فرح أعتبرها مسرحًا للحياة التي يعيش فيها مجتمعي، والزمن قد يكون لحظة لم تحدث بعد، أو لحظة أتنبأ بحدوثها.
سامي البلشي: لوحات المعرض.. نسيجًا متناغمًا، يخلق عالمًا متكاملًا
ويردف «البلشي»: هذه العناصر جميعها تتشابك لتشكل نسيجًا متناغمًا، يخلق عالمًا متكاملًا، له قوانينه الخاصة ومنطقه الفريد، عالمي هذا هو ملاذي، وهو معرضي الذي قررت أن تشاركوني إياه، إنه دعوة لنا جميعًا لنرى العالم وما يحدث فيه خلال سنوات ملخص في لحظة مهمة في حياتنا، إنها «ليلة فرح».
وعن تجرِبة سامي البلشي في هذا المعرض يقول الناقد والفنان العربي الدكتور حكيم جماعين:أمام معرض التشكيلي سامي البلشي تحقق الصورة حضورها الأيقوني، وتبحث عن التحرر من سلطة التشخيص بمعناه التسجيلي إلى ما يتضمنه من محاكاة للأحداث، إنه فعل يحتمل التعبير ويؤاخي مابين السخرية اللاذعة والحقيقة المطلقة، ليكون جوهر العمل الفني، باعتباره مادة تحفز العقل وتطرح التساؤلات، مؤسسًا لحالة من التجريب وتتبع الحقيقة.
ويتابع «جماعين»: لا يفوتنا أن «اللات» وأختها «العُزَّى» كانتا على أي حال تُعنَيان بالخصوبة والزواج والصلح! لذا لا أستغرب أن يرسم ابن الريف ويصر أن يرى عروسه «اللات» بالذات قبل يوم من دخولها بزوجها، إذ كل ما يتمنونه بالتراث الشعبي لها في هذا اليوم هو بالفعل «الخصوبة والزواج والصُلح» مع زوجها وعائلتها الجديدة، فـ«البلشي» يؤثث فعله الجمالي ليبنه على تراث معرفي خالص، وقد يكون للشفاهي فيه نصيب الأسد، مما يجعلنا نطرح أسئلة جمالية تشكيلية تناقش الحالة وتستدعي الأسئلة، فالبلشي يثير الفكر عبر استدعاء الغرائز ليعيد إنتاج «الرمزي الشعبي» عبر الأسئلة والتأكيد في آن واحد، فهو يجعل المألوف أسطوريا والساخر ساحرًا ليعيد إنتاج الأيقونة لا يكررها.
ويستطرد «جماعين»: القراءة الواعية للأعمال عبر مصفوفة السلطة/الجسد، والسؤال: هل أيقوناته تدعم أو تتحدى أدوارًا اجتماعية معينة؟ هل تعيد الأيقونات رسم نفسها بوسائط متخيلة تداعب إحساس المتلقي وتمنعه من منحه«خطابًا مؤسسًا» لقوة التعبير والصورة؟
كل هذا يضعنا أمام خطاب جمالي مختلف على صعيد الصورة والتكوين، فالمرأة البدينة والرجل المستدق الملامح، الأبيض الناصع البياض هذا الفعل الأنطولوجي ماهو إلا خلق للعالم لا توصيف له، و يقول هايدجر «إن الفن ينصت إلى الكينونة وهي تعلن عن نفسها بالعمل»
جماعين: «البلشي» يستحضر طقوس الزفاف والوجوه البسيطة والعلاقات الاجتماعية المألوفة
وتابع«جماعين»: علية فإن «البلشي» عبر استحضاره طقوس الزفاف والوجوه البسيطة، والعلاقات الاجتماعية المألوفة، يفتح الكينونة المحلية على لحظة حضورها الجمالي، تلك اللحظة التي يصبح المألوف فيها شيئا يستدعي التفكير وطرح أسئلة الإبداع، فالجسد في لوحات «البلشي» مركزًا فلسفيًا أكثر من كونه موضوعًا بصريًا، المرأة الريفية، الفلاح، الراقصة، الطفل، العروس، والعريس ليست أجسادًا تصويرية بل تجسّد الوجود الشعبي في أقصى بداهته، وهنا نستدعي فلسفة موريس ميرلو-بونتي في «ظاهراتية الإدراك الحسي»، حيث الجسد ليس موضوعًا مرئيًا فحسب بل «نقطة انبثاق العالم»؛ أي أن كل معنى يمر عبر الحواس والجلد والملمس، من الداخل إلى الخارج، هذا ما يفعله البلشي، الجسد كحقل تذكّر لا كجمالٍ مرئي، يتعامل مع الجسد كـ«أثر» (trace) بلغة جاك دريدا: حضورٌ مشوبٌ بالغياب، علامة لما لم يعد حاضرًا، إنه الغياب في أقصى درجات الحضور، لم يعد اللون معبرًا عن الضوء، ولا واصفا للشكل، بل عن حالة نفسية تقترب من الذاكرة الطفولية والفرح البدائي، الألوان الساخنة عند البلشي ليست «سعادة» بل «استدعاء للحياة الأولى»؛ الحياة التي لم تُدرك بعد كحكاية والسر في تفاصيلها، الزمن يُستعاد عبر اللون لا عبر السرد فاللوحة ليست وسيلة تجميل، بل تكثيف الوجود.
وتأكد «جماعين»: الفنان سامي البلشي لا يقدم لنا عملًا فلكوريًا ولا رسما ساخرًا كاريكاتوريا، رغم أن مادته بصرية مأخوذة من هذا وذاك، بل هو أقرب إلى ما يسميه غاستون باشلار «خيال المادة»، أي أن الرمز الشعبي عنده ليس نقلًا للثقافة بل تحوّل المادة إلى خيال في لوحاته، الأشياء تتحول، المرأة إلى كائن كوني، الرقص إلى طقس مقدّس، وبهذا المعنى، يشتغل في منطقة الأسطورة اليومية حيث الحدث العادي يصبح استعارة كبرى للوجود. وهنا تكمن المفارقة الفلسفية في تجربته:هل يعيد البلشي قداسة الحياة البسيطة، أم أنه يعيد إنتاج أسطرة التبسيط؟