تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية، ومنها شارع المخرج الكبير حسن الإمام.
وُلد الإمام في 6 مارس 1919 بمدينة المنصورة، قبل أن ينتقل إلى القاهرة مع أسرته ويتلقى تعليمه بمدرسة الفرير، إلا أن وفاة والده وهو في السابعة عشرة من عمره وضعته سريعًا أمام مسؤوليات الحياة، فاضطر للعمل كمترجم لإجادته اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهي الموهبة التي ستصبح لاحقًا بوابته الأولى إلى عالم الفن.
كان الإمام محبًا للمسرح والموسيقى، ومع تردده المستمر على الفرق المسرحية وجد طريقه إلى ترجمة المسرحيات وبيعها، ما فتح له باب التعارف على الفنان يوسف وهبي الذي قرر ضمه للعمل كمساعد في المسرح ثم في السينما.
ومن هنا بدأ حسن الإمام يتعرف على أسرار المهنة، وشارك ممثلًا في أفلام مثل "دنانير" و"وادي النجوم" و"طاقية الإخفاء"، وتكررت التجربة نفسها مع المخرج نيازي مصطفى، غير أن بدايته الحقيقية جاءت عام 1946 مع تقديم أول أفلامه كمخرج: "ملائكة جهنم"، ليبدأ الخطوة الأولى في مشوار سيظل ممتدًا لأربعة عقود.
شهدت خمسينيات القرن الماضي انحسار الأفلام الكوميدية لحساب الميلودراما، فقدم الإمام مجموعة من أبرز هذا النوع مثل "اليتيمتين" و"أنا بنت مين"، لكن الانعطافة الكبرى في مسيرته جاءت عام 1962 عندما عُهد إليه إخراج ثلاثية نجيب محفوظ بعد اعتذار صلاح أبو سيف.
كانت "بين القصرين" بداية مرحلة نضج كاملة، تلتها "زقاق المدق"، و"قصر الشوق"، و"السكرية"، وهي الأعمال التي أكدت مكانته كمخرج قادر على قراءة الشخصيات وتحويل الروايات العظيمة إلى سينما مؤثرة.
قدم الإمام بعد ذلك مزيجًا واسعًا من الأنماط الفنية، من الأكشن والتشويق إلى الاستعراض والغناء، حتى توج نجاحه بفيلم "خلي بالك من زوزو" عام 1972، الذي أصبح حالة فنية واجتماعية خاصة، وظل يعرض عامًا كاملًا في دور السينما، ليصبح أحد أكثر الأفلام جماهيرية في تاريخ السينما المصرية.
وتعاون بعدها مع وردة في "حكايتي مع الزمان"، وقدم "بمبة كشر"، و"أميرة حبي أنا" عام 1974، وإن لم يحقق الأخير النجاح نفسه لزوزو رغم جماهيريته.
وخلال مسيرته التي امتدت نحو 69 عامًا، لم يكن الإمام صانع أفلام فقط، بل كان أيضًا صانع نجوم، آمن بموهبة هند رستم وقدّمها في مجموعة أفلام شكلت ملامحها الفنية، كما أطلق حسين فهمي في أول بطولة سينمائية له في "دلال المصرية"، واكتشف نور الشريف في "قصر الشوق"، وصنع نجومية زيزي البدراوي، وقدم وجوهًا أثبتت وجودها لاحقا مثل صلاح قابيل وحسن يوسف.
كما خاض تجارب في التمثيل في حوالي 12 فيلمًا، وكتب عددًا من الأغاني مثل أغنيات فيلم "امتثال"، والموّال اللبناني في "أميرة حبي أنا". وخلف وراءه ما يقرب من 150 عملًا بين إخراج وتأليف وتمثيل، لم يُختر منها في استفتاء أفضل 100 فيلم سوى ثلاثة أعمال: الخطايا، بين القصرين، وخلي بالك من زوزو، رغم اتساع إرثه وتأثيره.
أما حياته الشخصية فكانت هادئة ومستقرة، تزوج من السيدة نعمت الحديدي وأنجب حسين ومودي وزينب، وكان حريصا على إطلاق اسم زوجته على بطلات أفلامه تعلقًا وحبًا.
وفي 29 يناير 1988 رحل حسن الإمام، تاركًا وراءه تراثًا سينمائيًا ضخمًا، وقيمة فنية لا تزال حاضرة في ذاكرة المشاهدين والنقاد على حد سواء، ليظل بحق "مخرج الروائع" وواحدًا من أبرز من شكلوا تاريخ السينما المصرية الحديثة.