يعقد مجلس الأمن اليوم الثلاثاء جلسة إحاطة حول "تعزيز التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل"، وذلك تحت بند "ترسيخ السلام في غرب إفريقيا".
واختارت سيراليون، رئيسة مجلس الأمن لشهر نوفمبر، عقد هذا الاجتماع، ويرأس الجلسة رئيس سيراليون جوليوس مادا بيو، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، ومن المتوقع أن يقدم كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ورئيس مفوضية إيكواس عمر أليو توري إحاطتين خلال الاجتماع.
من بين أهداف سيراليون في عقد هذا الاجتماع البناء على الحوار التفاعلي غير الرسمي الذي نظمته يوليو الماضي، بشأن تعزيز التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل .
ووفقًا للمذكرة الموزعة من جانب سيراليون، يهدف اجتماع اليوم إلى حشد الدعم الدولي للمبادرات الإقليمية التي تعزز الاستقرار على المدى الطويل من خلال معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن، وجعلت سيراليون—التي تولت الرئاسة الدورية لإيكواس في يونيو—من الوضع في غرب إفريقيا والساحل محورًا أساسيًا ضمن مشاركتها في مجلس الأمن، حيث تعمل بصفتها أحد حاملي القلم في ملف مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا والساحل (يونواس) إلى جانب الدنمارك.
وتدهور الوضع الأمني في عدة دول في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، وكثّفت الجماعات المسلحة والإرهابية هجماتها، بينما أظهرت قدرًا أكبر من التطور باستخدام أسلحة متقدمة، وفي مالي، نفذت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة، هجمات قرب العاصمة باماكو، كما قامت بإعاقة إمدادات الوقود إلى العاصمة ومناطق أخرى من البلاد، وهو ما فاقم الانعدام الأمني وأدى إلى أزمة وقود حادة وإغلاق للمدارس، وغير ذلك من التداعيات، ويبدو أن هذا الوضع زاد الضغط على الحكومة، وأثار مخاوف بشأن تنامي هشاشة العاصمة، وأصدرت عدة دول غربية—بينها كندا وفرنسا والولايات المتحدة—تحذيرات سفر تحث مواطنيها على تجنب السفر إلى مالي، ولمن هم داخل البلاد على المغادرة، كما عززت كوت ديفوار إجراءات الأمن على حدودها مع مالي عقب تدفق لاجئين من البلاد.
وتتصاعد المخاوف من أن تؤدي الأوضاع في مالي إلى تأثيرات متسلسلة على دول أخرى في الساحل، خصوصًا بوركينا فاسو والنيجر، فمنذ بداية العام، تواجه بوركينا فاسو تدهورًا متسارعًا في الوضع الأمني، مع تزايد هجمات الجماعات المتطرفة التي أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين والعسكريين وعن موجات نزوح واسعة، وتشير تقارير إلى أن الجماعات الإرهابية تواصل شن هجمات منتظمة على بلدات مثل جيبو في شمال البلاد، وتفرض حصارًا يحرم السكان من الغذاء والإمدادات الأساسية، وفي النيجر المجاورة، شهد إقليم تيلابيري الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو ازديادًا حادًا في الهجمات الإرهابية.
وتقول المذكرة الصادرة عن سيراليون إن هذه التطورات جعلت من منطقة الساحل "البؤرة العالمية للإرهاب"، مع استمرار اتساع نطاق التهديد ليشمل دول غرب إفريقيا الساحلية، وتشير المذكرة إلى العديد من الأطر التي جرى تطويرها على مر السنوات للتعامل مع الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى التعاون المستمر بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في هذا المجال، كما تذكر القرار بشأن تمويل عمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي، فيما واجهت الجهود الرامية لتفعيل هذا الإطار في حالة الصومال تحدياً في مايو الماضي، ويبدو أن سيراليون مهتمة باستكشاف دعم الأمم المتحدة لمبادرات إقليمية أخرى ضمن إطار هذا القرار، رغم أن النقاشات في مجلس الأمن حول تطبيقه لدعم عمليات مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا والساحل لم تحقق تقدمًا يُذكر.
مع ذلك، سبق أن أثار الممثل الخاص للأمين العام لغرب إفريقيا والساحل ورئيس يونواس ليوناردو سانتوس سيمان إمكانية تطبيق هذا الإطار في إحاطاته أمام المجلس، وفي هذا السياق، تستكشف إيكواس إمكانية تفعيل قوتها الاحتياطية لمواجهة التهديد المتصاعد للإرهاب في غرب إفريقيا والساحل، وفي يوليو العام الماضي، وجّهت قمة إيكواس في أبوجا للتشاور مع الاتحاد الإفريقي بشأن فرص تعبئة الموارد، وخلال اجتماعها التشاوري المشترك الثاني، اتفقت لجنة السلم والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي ومجلس الوساطة والأمن في إيكواس على تسريع تفعيل القوة الاحتياطية للاتحاد والقوة الاحتياطية لإيكواس.
يذكر أن عدة دول في المنطقة—وهي بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا وتوجو—أطلقت في عام 2017 "مبادرة أكرا"، وهي آلية للتعاون الأمني تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وكانت غانا، التي قادت جهود أعضاء مجلس الأمن الأفارقة الثلاثة (الجابون وغانا وموزمبيق آنذاك) في تيسير اعتماد القرار، ويبدو أن الآلية تواجه تحديات لا تتعلق فقط بنقص التمويل، بل أيضًا بفتور العلاقات بين بعض دولها الأعضاء.
في المقابل، تعمل القوة متعددة الجنسيات المشتركة—وتضم قوات من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا—منذ 2015 بتفويض لمكافحة بوكو حرام وولاية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا في حوض بحيرة تشاد، لكن هذه القوة واجهت انتكاسة بعد إعلان النيجر انسحابها من القوة في مارس، وأعرب أعضاء مجلس السلم والأمن الإفريقي عن قلقهم من أن هذا التطور عرّض جبهة القوة الشمالية للضعف، مما يزيد من مخاطر انتشار السلاح وحركة الجماعات الإرهابية دون رادع في المنطقة.
في أكتوبر الماضي، أتيحت لأعضاء مجلس الأمن فرصة لتبادل وجهات النظر مع مجلس السلم والأمن الإفريقي حول الأوضاع في الساحل وحوض بحيرة تشاد خلال الاجتماع التشاوري السنوي التاسع عشر الذي عُقد في أديس أبابا، كما طُرح الموضوع خلال المؤتمر السنوي التاسع بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، الذي عقد في نيويورك في 12 نوفمبر، وهو اجتماع يجمع قيادات رفيعة من المؤسستين—بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي—لمراجعة التقدم المحرز في تنفيذ أطر التعاون بينهما، وبعد الاجتماع، قال جوتيريش في مؤتمر صحفي إن "التطورات في مالي، بما في ذلك حصار الوقود، تجعل الوضع البائس أصلاً أكثر سوءًا، ما يطرح مخاطر جديدة على المنطقة بأسرها والقارة"، ويبدو أنه قد أطلع أعضاء المجلس أيضًا على الوضع في مالي.
وفي بيان صحفي صدر خلال نوفمبر الجاري، أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف عن قلق بالغ إزاء التدهور السريع في الوضع الأمني في مالي، ودعا إلى استجابة دولية قوية ومنسقة ومتماسكة لمواجهة الإرهاب والتطرف العنيف في الساحل، مؤكدًا الحاجة إلى تعزيز التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتقديم دعم مستدام للدول المتضررة.
وتقترح مذكرة سيراليون عدة أسئلة لتوجيه نقاش اجتماع اليوم، من بينها: الخطوات العملية اللازمة لتعزيز التنسيق العملياتي والاستخباراتي بين دول الساحل وغرب إفريقيا، تقديم الدعم لعمليات مكافحة الإرهاب والاستقرار، الآليات التي تربط بشكل فعال بين العمليات الأمنية وجهود الاستقرار الفوري والمشروعات ذات الأثر السريع وإعادة بناء الحوكمة وخدمات العدالة لمنع إعادة تسلل الجماعات الإرهابية وتجنيدها، الإجراءات الإضافية المطلوبة لتعطيل تمويل الإرهاب ولوجستياته، بما في ذلك تهريب المعادن الطبيعية والمخدرات والأسلحة والبشر.
ويركز جوتيريش اليوم على أحدث التطورات في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل منذ آخر اجتماع عقده المجلس حول هذا الموضوع في أغسطس.
ورغم أن أعضاء مجلس الأمن يتفقون على القلق من تزايد التهديد الإرهابي في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، إلا أن مواقفهم تختلف بشأن السياق الجيوسياسي، فالأعضاء من الولايات المتحدة وأوروبا يميلون إلى إبداء القلق من تنامي النفوذ الروسي في المنطقة، في حين تؤكد روسيا أن التحديات الأمنية الحالية في غرب إفريقيا والساحل ناتجة عن التدخل الغربي، وقد وسعت موسكو حضورها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة عبر اتفاقيات تعاون دفاعي ثنائية مع دول الساحل، وفي ضوء التصعيد الأخير في مالي، زارت وفود روسية بقيادة نائب وزير الدفاع يونس-بك يفكوروف مالي الأسبوع الماضي لمناقشة التعاون العسكري-الفني وتبادل وجهات النظر بشأن الأمن الإقليمي في الساحل.