نظم قصر ثقافة الشاطبي ندوة بعنوان «أسرار الحضارة المصرية من جدران المعابد إلى صفحات الإبداع»، ضمن أجندة فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة وفي إطار برنامج وزارة الثقافة للاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير.
وأدار الندوة الأديب علاء أحمد، وشارك بها الكاتب وعالم المصريات د. حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية.
تاريخ إنشاء المتحف المصري الكبير
استهل دكتور «عبد البصير» حديثه بتسليط الضوء على تاريخ إنشاء المتحف المصري الكبير، موضحًا أنه بدأ منذ بداية التسعينيات، وتحديدًا عام 1992م، حينما ظهرت الحاجة إلى متحف جديد يستوعب الكم الهائل من الآثار المكتشفة، نظرا لضيق مساحة المتحف المصري بالتحرير.
مسابقة دولية لتصميم المتحف المصري الكبير
وأضاف «عبد البصير» أنه في عام 2002 أطلق المشروع رسميًا، وتم اختيار موقعه بالقرب من منطقة أهرامات الجيزة، وأطلقت مسابقة دولية لتصميم المبنى شارك فيها أكثر من 1500 مكتب هندسي من 86 دولة.
وأشار «عبد البصير» أن حجر الأساس وضع في فبراير، واعتمد التصميم على ما يعرف بـ« المستوى المائل الشفاف» حفاظًا على هيبة الأهرامات، وفي مارس 2012 استكملت مراحل البناء بتصميم يجمع بين الطابع العصري والروح المصرية القديمة، مع تزويد المبنى بأسقف مرتفعة تتحمل أحمال القطع الأثرية الثقيلة، أما مركز الترميم فتم الانتهاء منه عام 2015.
وأضاف عالم المصريات أنه تم تحديد أكثر من موعد للافتتاح، فكان من المخطط أن يتم عام 2011، إلا أن الظروف السياسية حالت دون ذلك، كما تأجل الموعد المقرر عام 2020 بسبب جائحة كورونا، فقررت الدولة اختيار توقيت يتوافق مع عودة قوية للسياحة العالمية، وبالفعل تم الافتتاح في 4 نوفمبر من العام الجاري، بالتزامن مع الذكرى الـ 103 لاكتشاف مقبرة الملك «توت عنخ آمون».
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير أن أهمية المتحف تتجلى في موقعه الاستراتيجي بجوار أهرامات الجيزة، ما يمنح الزائر تجرِبة فريدة تجمع بين رؤية الأهرامات والآثار المعروضة داخله.
مشيرًا إلى أنه يقع على مساحة 500 ألف متر مربع، ويعرض أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي مراحل التاريخ المصري القديم والعصرين اليوناني والروماني، كما يتسع ليضم 150 ألف قطعة أخرى، ليصبح أكبر متحف في العالم يجمع بين الأصالة والحداثة.
إجراءات دقيقة في نقل القطع الأثرية
وأضاف أنه يضم أيضا قاعات متعددة للعرض، حدائق، مناطق ترفيهية، ومركزا للمؤتمرات يسع أكثر من ألف فرد، إلى جانب متحف الطفل الذي يقدم تجرِبة تفاعلية مميزة وأنشطة لتعليم اللغة المصرية القديمة بطريقة مبسطة للأطفال من 6 إلى 12 عامًا.
واستعرض الإجراءات الدقيقة في نقل القطع الأثرية، مشيرًا إلى أنه تم استخدام مواد خاصة خالية من الأحماض لتجنب التلف، كما جرى استخدام حشوات مضادة للاهتزاز، هذا إلى جانب إعداد تقارير مفصلة بالحالة الفيزيائية والمادية لكل قطعة لتوثيقها قبل النقل.
وتطرقت الندوة إلى حديث عن أهم القطع التي نقلت للمتحف، ومنها: المسلة المعلقة بالساحة الخارجية، والدرج العظيم الذي يتزين بـ 59 قطعة أثرية ضخمة وينتهي بإطلالة مباشرة على الأهرامات الثلاثة.
وأشار «عبد البصير» أن هناك أيضا «مركب خوفو» التي نقلت عام 2021 وصمم لها جاليري خاص، وتمثال الملكة «حتشبسوت» المصنوع من الحجر الجيري، إلى جانب 10 تماثيل لـ «سنوسرت» الأول نقلت من المتحف المصري بالتحرير، وتمثال الملك رمسيس الثاني الذي نقل من باب الحديد عام 2010 وأُدخل للمتحف قبل بناء السقف لارتفاعه الكبير.
مجموعة الملك توت عنخ آمون تضم أكثر من 5000 قطعة
علاوة على مجموعة الملك توت عنخ آمون التي تعرض كاملة لأول مرة، وتضم أكثر من 5000 قطعة، تعرض في قاعتين على مساحة تبلغ حوالي 7000 متر مربع، منها 3500 قطعة جديدة، وتشمل: القناع الذهبي الشهير الذي يعد أيقونة الحضارة المصرية القديمة، وهذا بالإضافة إلى العجلات الحربية، الأسلحة والأقواس المستخدمة في الحروب، وأيضا الحلي الذهبية، الأثاث الجنائزي، الأواني والعطور، مستحضرات التجميل، التماثيل الصغيرة المعروفة بـ «الأوشابتي»، والملابس والأقمشة الكتانية.
شهدت الندوة عدة مداخلات من قبل الحضور ومنهم دكتور رانيا إبراهيم أستاذ التمثيل والإخراج بجامعة الإسكندرية، المخرج د. محمود أبو المجد، الروائي محمد الشربيني، والكاتبة راندا حجي، إضافة إلى عدد من الباحثين والمهتمين بالتراث.
«كفاح طيبة» و«رادوبيس» و«عبث الأقدار» لنجيب محفوظ جسدت الحضارة المصرية القديمة
ودارت النقاشات حول المؤلفات الأدبية التي جسدت الحضارة المصرية القديمة، ومنها أعمال نجيب محفوظ «كفاح طيبة» و«رادوبيس» و«عبث الأقدار».
وأكد «عبد البصير» أن المعلومات التاريخية لا يجوز تغييرها، ويمكن الكاتب إضافة عناصر درامية لسد الفجوات دون المساس بالحقائق الثابتة.
الآثار الغارقة بالإسكندرية ودور المتاحف في نشر الوعي التاريخي
وتناولت المداخلات الحديث عن الآثار الغارقة بالإسكندرية، ودور المتاحف مثل متحف الحضارة ومتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية في نشر الوعي التاريخي، وأيضا محاولات استعادة القطع الموجودة بالخارج، والاكتشافات الأثرية الجديدة التي يعمل عليها علماء الآثار حاليًا.
وأشار "عبد البصير" أن أرض مصر ما زالت غنية بالكنوز، وأن ما تحت الأرض لا يقل عظمة عما تم اكتشافه بالفعل.
وتواصلت الندوة بحديث عن المراحل التي يمر بها الأثر بعد العثور عليه، بالإضافة مدارس الترميم ومنها التي تهتم بالاحتفاظ بالأثر حسب حالته، أو استكماله بتعديل بسيط مع عدم تغيير شكله الأصلي.
أنواع الفن المصري القديم
وبسؤاله عن مستقبل المتحف المصري بالتحرير، أوضح «عبد البصير» أنه يمثل بيت للمومياوات، حيث يضم أروع أنواع الفن المصري القديم، وترجع أهميته إلى موقعه في وسط المدينة ما يمكّن الزائر المتعجل من زيارته.
نفذت الندوة بإشراف إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي برئاسة محمد حمدي، ومن خلال فرع ثقافة الإسكندرية بإدارة الفنانة دكتور منال يمني، واختتمت بمنح الفنان محمد شحاتة مدير القصر، شهادة تقدير إلى الدكتور حسين عبد البصير الذي اختتم حديثه موجهًا الشكر لهيئة قصور الثقافة على إقامة هذه الفعالية، ومهنئا الدولة المصرية بافتتاح المتحف المصري الكبير الذي جاء افتتاحه هدية من مصر إلى العالم.