أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب أحدث إصداراتها بعنوان «الحضارة السواحيلية في شرق أفريقيا والأثر العربي فيها»، تأليف الدكتور وائل نبيل إبراهيم، والدكتور صالح محروس محمد، في دراسة موسعة تتناول عمق الوجود العربي في شرق أفريقيا وتأثيره المباشر في تشكيل ملامح الحضارة السواحيلية عبر قرون طويلة.
بدايات الاتصال العربي بساحل شرق أفريقيا
ويسلط الكتاب الضوء على بدايات الاتصال العربي بساحل شرق أفريقيا، والذي يرجع – كما يؤكد المؤلفان – إلى عدة قرون قبل الميلاد، حين وصلت مجموعات من التجار العرب إلى تلك السواحل بقصد التجارة لا الاستيطان، وقد أدى هذا التفاعل التجاري إلى اختلاط العرب بالأفارقة، وظهور علاقات مصاهرة شكلت أساسًا لامتزاج حضاري لاحق، ظل أثره ممتدًا حتى يومنا هذا.
ويشير الكتاب إلى أن العرب كانوا من أوائل الشعوب التي ارتبطت بسكان شرق أفريقيا تجاريًا، عبر تصدير المنتجات المحلية إلى أسواق العالم في الشرق الأقصى والبحر المتوسط، وهو ما جعل النشاط التجاري المحرك الأول للعلاقات بين الطرفين.
مساحة واسعة عن الجذور العميقة للعلاقات بين العُمانيين والسواحيليين
ويفرد المؤلفان مساحة واسعة للحديث عن الجذور العميقة للعلاقات بين العُمانيين والسواحيليين، موضحَين أن الإغريق والرومان أطلقوا على ساحل شرق أفريقيا اسم «عزانيا» نسبة إلى مملكة عربية قديمة تدعى «عَزان»، والتي يُعتقد أن سكانها انتقلوا إلى شرق أفريقيا قبل الإسلام بقرون، ومع انتشار العُمانيين على السواحل الشرقية للقارة، تقوّت الروابط مع المجتمعات السواحيلية، وامتزجت الحضارة العربية والإسلامية بالحضارة المحلية، لتظهر ملامح حضارية جديدة ذات طابع عربي واضح.
تعريف لغويً وثقافيً لمفهوم «الحضارة»
ويقدم الكتاب تعريفًا لغويًا وثقافيًا لمفهوم «الحضارة»، موضحًا أنها في السواحيلية تُعبَّر عنها بكلمة Ustaarabu، المقتبسة من العربية، مما يعكس إدراك أهل الساحل لدور العرب في تشكيل حياتهم الثقافية والاجتماعية، يستعرض جذور هذه المصطلحات وارتباطها بالفعل العربي «استعرب»، وما تحمله الكلمة من دلالات على التمدن والتحضر.
أربعة فصول رئيسية وخاتمة وعدد من الملاحق
وجاء الكتاب في أربعة فصول رئيسية وخاتمة وعدد من الملاحق، حيث خصص الفصل الأول لتتبع الوجود العُماني في شرق أفريقيا ودوره في نهضة الحضارة السواحيلية، خاصة بعد أن أصبحت زنجبار عاصمة للسلطنة العُمانية ومركزًا إشعاعيًا نابضًا للحياة السياسية والثقافية.
أما الفصل الثاني، فيقدم عرضًا وافيًا لمظاهر الحضارة السواحيلية، ومنها الهُوِيَّة والدين الإسلامي والعادات والتقاليد، بما في ذلك طقوس الولادة والزواج والوفاة، بالإضافة إلى الملابس ونمط الغذاء والاحتفال بالمناسبات الدينية، كما يتناول اللغة السواحيلية وآدابها، وفنون العمارة والبناء، وصناعة السفن، وآلات الموسيقى، مبرزًا أثر الحضارة العربية فيها جميعًا.
وفي الفصل الثالث، يسلط المؤلفان الضوء على شخصيات سواحيلية ذات أصول عُمانية لعبت دورًا مهمًا في نشر الفكر والثقافة، مثل الشيخ علي محسن البرواني، والشيخ عبد الله صالح الفارسي، والبروفيسور علي المزروعي وغيرهم ممن تركوا بصمات واضحة في مسار الحضارة السواحيلية وتطورها.
أما الفصل الرابع والأخير، فيتناول جهود العلماء العُمانيين في خدمة اللغة السواحيلية، خصوصًا عبر حركة التَّرْجَمَة، مثل تَرْجَمَة معاني القرآن الكريم للشيخ عبد الله صالح الفارسي، وترجمة «المنتخب» و«صحيح البخاري»، إضافة إلى القاموس العربي–السواحيلي للدكتور عبد الهادي حامد مرزوق.
ويختتم المؤلفان كتابهما بتوجيه الشكر لكل من ساهم في إخراج هذا العمل البحثي، على أمل أن يقدم إضافة جديدة للدارسين والمهتمين بتاريخ العلاقات العربية الأفريقية، وأن يظل شاهدًا على عمق التأثير الحضاري المتبادل بين العرب والسواحيليين عبر العصور.