إن سرقات الآثار المصرية من مختلف مراحل الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري عام 1953م بصفة عامة، وما يتعلق منها بالآثار المصرية القديمة بصفة خاصة، كانت ولا تزال جرحًا غائرًا لا يزال ينزف ويبدو أنه لن يندمل. فإنه رغم وجود العديد من القوانين قبل القانون الحالي 117 لسنة 1983م وتعديلاته بالقانون رقم 3 لسنة 2010م والقانون 61 لسنة 2010م وتعديلاته أيضًا عام 2018م وعام 2020م، فإن الآثار لا تزال تُسرق ويتم تهريبها إلى الخارج سواء من المتاحف أو من المخازن أو من خلال الخفائر الخلسة وغير الرسمية، يقف وراءها تجار الآثار ومافيا الآثار في الداخل والخارج. ومن الطريف أنه صار تتردد الآن مقولة “غسيل الآثار” على غرار غسيل الأموال.
وبالتالي لا بد من عرض هذه القضية وتلك الجريمة في حق الوطن على محورين؛ يتناول المحور الأول منها الفترة من عام 1805م إلى عام 1983م، وهي الفترة التي شهدت صدور العديد من الأوامر والقرارات واللوائح والدكريتو والقوانين المتعلقة بحماية الآثار وضوابط خروجها والاتجار فيها وحتى نقلها بالسكك الحديدية وغيرها، ورغم ذلك لم يتم منع سرقة الآثار وتهريبها إلى الخارج.
أما المحور الثاني فيتناول الفترة من عام 1983م وحتى عام 2025م، وهي الفترة التي شهدت صدور القانون الحالي لحماية الآثار ولائحته التنفيذية وهو القانون رقم 117 لسنة 1983م وتعديلاته في 2010م و2018م و2020م، ورغم ذلك أيضًا لم يتم منع سرقة الآثار وتهريبها إلى الخارج.
ولا بد أن يسبق هذين المحورين نبذة تاريخية عن أن موضوع سرقة الآثار هو موضوع قديم يسبق العصر الحديث والمعاصر بقرون عديدة متطاولة، فإن سرقة الآثار كانت معروفة في مصر القديمة ولدينا شواهد أثرية كثيرة، ومن أبرزها برديات سرقة المقابر في عهد رمسيس التاسع الذي ترجع شهرته إلى عقد أول محاكمة في التاريخ للصوص الآثار، وكذلك ما فعله رمسيس الثاني (1279-1212 ق.م) وابنه الأمير خعمواس أول مرمم في التاريخ؟ وكيف نفسر وجود آثار وتحف مكتشفة في مقبرة توت عنخ آمون (1335-1324 ق.م) عام 1922م وترجع إلى عهد ملوك سابقين؟ وكذلك في العصرين اليوناني والروماني، وما المسلة المصرية الخالدة في ميدان السلطان أحمد بإسطنبول ـ وهي مسلة تحتمس الثالث ـ وكذلك مسلات روما إلا خير شاهد على ذلك؟
وفي العصر الروماني المتأخر أو العصر البيزنطي المتقدم (284-645/646م)، عندما انتشرت المسيحية في مصر وصارت الديانة الرسمية للإمبراطورية، تم الاعتداء بل وتخريب العديد من الآثار المصرية القديمة وتحويل بعضها إلى كنائس ومعابد كما هو الحال في معبد الدير البحري لحتشبسوت ومعبد الأقصر ومعبد فيلة، فضلًا عن صهر التحف الذهبية والفضية. ولا ننسى أيضًا ما نتج عن حريق مكتبة الإسكندرية الشهير عام 48 ق.م من سرقة ما نجا من الحريق وبيعه خارج مصر، وقد ظل حتى تم ترجمة بعضه خلال عصر الترجمة أيام الخليفة المأمون العباسي، والذي كان يفضل الحصول على كتب الأقدمين أو علوم الأوائل بدلًا من الجزية.
وفي العصر الإسلامي تم إعادة استخدام الآثار المصرية القديمة من الأعمدة وتيجان الأعمدة والأحجار المنقوشة في العديد من الآثار الإسلامية وما تزال باقية فيها حتى الآن كما هو الحال في سور القاهرة وأعتاب الجوامع وغيرها. ومما له دلالته أن هذه البقايا التي أعيد استخدامها كانت مجلوبة أصلًا من أماكن خربة ومتهدمة.
وكذلك كان الأهالي في القرى والمدن المصرية يقومون بحرق المومياوات وأوراق البردي واستخدامها في العلاج كمراهم أو شمها كمنشط جنسي على حد قول المرحوم د. سيد الناصري رئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة، أو بيعها بثمن بخس دراهم معدودة كما هو الحال في مجموعة الأرشيدوق راينر بفيينا.
وقبل الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م كانت الرحلات الأوروبية تجوب مصر من أقصاها إلى أقصاها وتمت سرقة العديد من الآثار ونقلها إلى أوروبا، ولم تقتصر تلك السرقة على الآثار القديمة فقط، بل شملت أيضًا الآثار الإسلامية من المخطوطات والمصاحف.
وقام الفرنسيون أثناء احتلالهم لمصر 1798-1801م بالاستيلاء على العديد من الآثار المصرية وسرقتها، إلا أنه لسوء حظهم قد أخذها منهم الإنجليز بموجب اتفاقية التسليم عام 1801م، وكان من بينها حجر رشيد المحفوظ في المتحف البريطاني بلندن حتى الآن.
وكذلك كان للقناصل الأوروبيين المقيمين في مصر قبل عام 1835م دورهم الكبير في جمع وسرقة الآثار المصرية وبيعها للمتاحف الأوروبية، ومن بينهم القنصل الفرنسي دروفتي والقنصل البريطاني هنري سولت.
ولا ننسى السير هانز سلون الذي سرق العديد من الآثار المصرية وأعطاها للمتحف البريطاني، وعددها 169 قطعة أثرية في عام 1753م وهو عام افتتاح المتحف البريطاني الشهير.
المحور الأول: آثارنا في الخارج خلال الفترة 1835-1983م
وهي الفترة التي شهدت صدور العديد من الأوامر والقرارات والدكريتو والقوانين، ومع ذلك لم تقف حائلًا دون سرقة الآثار وتهريبها إلى الخارج. ويضاف إليها أيضًا تلك الآثار التي تعتبر مسروقة ولكنها خرجت بطريقة رسمية، إما بأوامر وتعليمات الحاكم سواء كان باشا (عباس باشا الأول والأرشيدوق النمساوي ماكسميليان عام 1855م) أو خديو (الخديو إسماعيل باشا) أو ملك (الملك فؤاد والملك فاروق) أو رئيس جمهورية أو حرمُه أو وزير، أو خرجت طبقًا للقانون الذي كان يسمح بتجارة الآثار وبقسمة الآثار بين الدولة وبين البعثة صاحبة الاكتشاف؟ وهنا لا بد أن نفرق بين الآثار التي خرجت وفقًا للقانون رغم أنها تعد جريمة سرقة، وبين الآثار التي خرجت خلسة وتم تهريبها. وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نحصر معابر خروج الآثار المصرية في تلك الفترة الطويلة سواء وفقًا للقانون أو خارج القانون إلى أربعة معابر رئيسة، وهي:
•الإهداء
قام جميع حكام مصر بدءًا من محمد علي باشا، ومرورًا بحكام الأسرة العلوية من باشوات وخديوٍ وملك حتى عام 1952م، ثم رؤساء الجمهورية المصرية كالرئيس جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات، فضلًا عن بعض الوزراء، بإهداء العديد من الآثار المصرية إلى ملوك ورؤساء في أوروبا وأمريكا. بل إن الرئيس جمال عبد الناصر قد أهدى بعض المعابد النوبية لمن أسهموا في الحملة الدولية لليونسكو في إنقاذ الآثار المصرية بسبب بناء السد العالي، ومنها: معبد دندور بمتحف المتروبوليتان بنيويورك عام 1967م، ومعبد دابود في حديقة مونتانا ديل برينسيب بيو في مدريد بإسبانيا عام 1968م، ومعبد تافا أو طافا في هولندا عام 1961م، وكذلك في برلين وتورينو. وهناك من يدافع عن عمليات الإهداء لرؤساء مصر. أما بالنسبة لإهداءات أسرة محمد علي فلا نصير لها ولا مدافع عنهم، وهو ما سنعود إليه في دراسة خاصة لاحقة إن شاء الله.
•التقسيم أو القسمة
أباحت القوانين السابقة على القانون 117 لسنة 1983م حق القسمة بين الدولة والبعثة المكتشفة للآثار، وفقًا لطبيعتها أو وفقًا لقيمتها. فالدكريتو الذي أصدره الخديو توفيق في 17 نوفمبر 1891م نص لأول مرة على نظام القسمة، أي قسمة الآثار بين الدولة والمكتشف. كذلك القانون رقم 14 لسنة 1912م وضع نظام القسمة والاتجار في الآثار على رأس أولوياته، ولضعف الرقابة وعدم وجود ضوابط حاسمة ورادعة كانت تتجاوز أحيانًا نسبة القسمة النصف، بل إن القانون رقم 115 لسنة 1951م قد سمح في بعض الأحيان وبموافقة رسمية أن تصل نسبة القسمة مع البعثات الأجنبية إلى 100%. ومن الطبيعي والمنطقي في ذات الوقت أن تؤدي القسمة على هذا النحو إلى تسرب وخروج العديد من الآثار إلى المتاحف الأوروبية والأمريكية. وقد صدق المستشار أشرف العشماوي حين أطلق على هذا النوع من خروج الآثار المصرية من خلال الإهداء والقسمة مصطلح: "سرقات مشروعة"، وهو محق في ذلك، ونحن نؤيده ونثني على ما قاله.
•الاتجار
قبل عام 1983م كانت تجارة الآثار والاتجار فيها مباحة وليست محرمة أو مجرمة، وكانت لها حوانيت أو دكاكين ومحلات لعرضها وبيعها أمام الجميع. وقد نصت المادة 13 من القانون 14 لسنة 1912م والصادر في 8 ديسمبر على منح تراخيص لتجار الآثار التاريخية بالحوانيت، كما رُخّص لعارضي الآثار التاريخية للبيع. بل إن القانون 215 لسنة 1951م في مادته 22 قد سمح بالاتجار في الآثار وبيعها دون تمييز، وأن المتاحف لها الحق في بيع ما تستغني عنه من آثار دون معايير واضحة. وقد وصل الأمر إلى أنه سُمح للباعة الجائلين ببيع الآثار على الأرصفة بشرط ألا تزيد قيمة التمثال الواحد عن خمسة جنيهات. بل وصل الأمر إلى أن الدولة نفسها كانت تبيع الآثار، وخير شاهد على ذلك القاعة 56 بالطابق الثاني من المتحف المصري بالتحرير، والتي كانت شاهدًا على مدار سنوات عديدة على تجربة القطاع العام – إن صح هذا التعبير - في بيع الآثار المصرية. فقد كانت تلك القاعة أشهر صالة مبيعات للآثار في مصر للمصريين والأجانب والهواة والمحترفين على السواء. ومن الطبيعي والمنطقي في ذات الوقت أن يساعد الاتجار في الآثار عن طريق البيع والشراء على زيادة حجم سرقة وتسرب الآثار المصرية وخروجها إلى أوروبا وأمريكا.
•الحيازة
كان مسموحًا بالحيازة الخاصة للأفراد من الأثرياء والنخبة والقناصل والسفراء قبل القانون 117 لسنة 1983م وتعديلاته، بل كان يجوز لهم تصريف ما لديهم بالبيع، وقد ساعد ذلك بطبيعة الحال على سرقة وتسرب وخروج الآثار المصرية إلى أوروبا وأمريكا. وأحيانًا كان يتم التحايل والتزوير في الحيازة عن طريق ما يعرف بالاستبدال، أي استبدال القطع الأثرية الأصلية في الحيازة بقطع من منتوجات خان الخليلي وتسافر إلى الخارج على هذا النحو، وبعضها عن طريق الحقائب الدبلوماسية. ومن أشهر جرائم الحيازة تهريب 4000 قطعة أثرية أصلية بمنتوجات خان الخليلي في حقيبة دبلوماسية لبعض السفارات الأفريقية بالقاهرة، وكانت الحيازة لثلاثة أفراد: اثنان من الأقصر والثالث من القاهرة، وقد تم اكتشاف الأمر ومحاكمتهم وسجنهم.
المحور الثاني: آثارنا في الخارج خلال الفترة من 1983م إلى عام 2025م
على الرغم من صدور قانون حماية الآثار ولائحته التنفيذية، وهو القانون رقم 117 لسنة 1983م وتعديلاته عام 2010م و2018م و2020م المشار إليها سابقًا، وما نص عليه القانون من حماية الآثار المصرية والحفاظ عليها واعتبارها من الأموال العامة، وإلغاء نظام القسمة واعتبار جميع الآثار المكتشفة من قبل البعثات الأجنبية أو المصرية ملكًا للدولة، فضلًا عن حظر الاتجار في الآثار، وعلى أصحاب الملكية الخاصة والحيازة القائمة قانونًا وقت العمل بالقانون عدم التصرف فيها للغير أو إتلافها أو تركها وغير ذلك من الضوابط وتوفيق الأوضاع ونزع الملكية والتعويضات وأعمال الصيانة والترميم والعقوبات، إلا أن ذلك لم يمنع أو يحد من سرقة وتسرب وتهريب الآثار المصرية إلى الخارج.
وحسبنا أن نشير إلى إحصائية جريدة الأهرام في عددها الصادر في 25 مارس 1995م عن الآثار المسروقة عام 1994م وعددها 13150 قطعة آثار. كما رصدت رسالة الدكتوراه المقدمة من المستشار وليد محمد رشاد عام 2005م عدد قضايا الآثار المنظورة أمام المحاكم المصرية، ويقدر بنحو 14000 قضية عام 2005م. ويضاف إلى ما سبق ما ورد في كتاب "سرقات مشروعة" للمستشار أشرف العشماوي (القاهرة 2012م)، وكتاب "حصاد العصر في سرقة آثار مصر (رصد شامل لقضايا سرقة الآثار في عصر حسني مبارك وفاروق حسني وأسرار تنشر لأول مرة)" للصحفي علي القماش (676 صفحة، القاهرة 2011م)، ومنها: سرقة 370 قطعة أثرية من مخزن حفائر كلية الآداب جامعة القاهرة في 29 سبتمبر 2002م، وسرقة 144 قطعة من متحفي كلية الآثار جامعة القاهرة: المصري والإسلامي عام 2011م، وسرقات أخرى كثيرة يصعب حصرها في هذه العجالة.
والمهم أنه لا توجد إحصائية كاملة ودقيقة بعدد الآثار المصرية المسروقة والمعروضة خارج مصر، أو تلك التي لم تُعرض بعد في أي متحف من المتاحف أو صالات المزادات في أوروبا وأمريكا. وهناك إحصائيات تقديرية غير مؤكدة حتى الآن تتراوح بين مليون واثنين مليون قطعة أثرية مصرية في الخارج، ومن بينها:
المتحف البريطاني بلندن ويضم 110000 قطعة، ومن أشهرها حجر رشيد، ويحق لمصر أن تسترده كما سنشير لاحقًا.
متحف اللوفر في باريس ويضم 55000 قطعة، المعروض منها 6000 قطعة، ويقال إن المخازن تضم 100000 قطعة، ولا نملك ما يؤكد هذا العدد الأخير.
المتحف المصري ضمن متاحف الدولة في برلين في ألمانيا ويضم 80000 قطعة، من أشهرها رأس نفرتيتي، ويحق لمصر أن تستردها كما سنشير لاحقًا.
متحف المتروبوليتان بنيويورك ويضم 26000 قطعة، فضلًا عن معبد دندور المُهدى من الرئيس عبد الناصر كما سبق القول.
المتحف المصري بتورينو بإيطاليا ويضم 32500 قطعة، فضلًا عن معبد أليسيا أو الليسيه المُهدى من الرئيس عبد الناصر.
المتحف الوطني في أثينا ويضم أكثر من 8000 قطعة أثرية مصرية.
متحف الهرميات في سان بطرسبرغ بروسيا ويضم 5500 قطعة أثرية مصرية، وكذلك متحف بوسكو بروسيا ويضم أكثر من 8000 قطعة مصرية.
متحف لايدن بهولندا ويضم أكثر من 5000 قطعة أثرية مصرية، وبهولندا أيضًا معبد تافا أو طافا المُهدى من الرئيس عبد الناصر.
ويضاف إلى هذا العديد من المتاحف الأخرى في بريطانيا وإيطاليا وألمانيا والمجر والنمسا وأمريكا والمتاحف العربية ومنها: متحف الفن الإسلامي بقطر ومتحف اللوفر بأبوظبي وغيرها.
وهنا يثور تساؤل مهم: إذا كانت الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية والأمريكية – أيًا كان عددها – ليست كلها مسروقة، فقد خرجت كلها قبل عام 1983م بغطاء قانوني، سواء عن طريق الإهداء أو القسمة أو الاتجار أو التلاعب في الحيازة؛ فهل من حق مصر أن تستردها على اعتبار أنها آثار مصرية باعتراف الدول الأجنبية نفسها أو بتسمية المتاحف أو الأجنحة بالمصرية؟
وتكمن الإجابة في اتفاقية اليونسكو في باريس بتاريخ 14 نوفمبر 1970م، والتي انضمت إليها مصر عام 1973م. فقد نصت هذه الاتفاقية على أن الآثار التي خرجت قبل عام 1970م قد أصبحت ممتلكات ثقافية أجنبية تبعًا للدولة التي تحوز تلك الآثار، فآثارنا في المتحف البريطاني هي مقتنيات ثقافية إنجليزية، وفي اللوفر هي مقتنيات ثقافية فرنسية، وهكذا. وبالتالي لا يمكن استعادة هذه الآثار واستردادها مرة أخرى طبقًا لهذه الاتفاقية.
أما الآثار التي تسربت وهُرّبت بعد ذلك، فعلى الدولة أن تثبت أنها خرجت من أراضيها بطرق غير شرعية وغير قانونية، وبالتالي فمن حقها أن تستردها وتستعيدها مرة أخرى. وبناءً على ذلك، تم استرداد واستعادة أكثر من 30000 قطعة أثرية مصرية بعد عام 2011م وحتى الآن، ومنها في عام 2021م: 5000 قطعة مستردة من أمريكا، وفي عام 2022م: 122 قطعة مستردة من فرنسا، و36 قطعة مستردة من إسبانيا.
ولا ننسى أيضًا القطع المستردة من إسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
أما بخصوص حجر رشيد ورأس نفرتيتي فيحق لمصر استردادهما واستعادتهما مرة ثانية، حيث إنه لا ينطبق عليهما نص اتفاقية اليونسكو المشار إليها. فبالنسبة لحجر رشيد، فقد كان من الآثار التي استولت عليها الحملة الفرنسية على مصر عقب اكتشافه عام 1799م في قلعة سان جوليان برشيد، ولكن بعد اتفاقية التسليم بين إنجلترا وفرنسا أخذت إنجلترا كل الآثار المصرية من الفرنسيين وأصرت عليها، ومن بينها حجر رشيد، وتم نقله إلى إنجلترا عام 1802م واستقر لسنوات في الجمعية الأثرية بلندن لدواعي الدراسة والبحث العلمي، ثم استقر أخيرًا وما يزال بالمتحف البريطاني بلندن. وبالتالي، فإن خروج هذا الحجر من مصر كان بموجب اتفاقية بين دولتين محتلتين ولم تكن مصر طرفًا في هذا الاتفاق ولم تُوقِّع عليه، مع أنها صاحبة الحق فيه باعتباره ممتلكات مصرية عُثر عليها في أرضها. ومن ثم يحق لمصر بموجب القانون الدولي والمواثيق الدولية أن تسترده مرة ثانية.
وكذلك الحال بالنسبة إلى رأس نفرتيتي المعروضة في المتحف المصري ضمن متاحف الدولة في برلين بألمانيا، فإن الرأس قد خرجت بطريقة غير قانونية من خلال غش وتدليس يترتب عليهما بطلان عقد القسمة؛ فإن الأثر كان طبقًا للتشريعات المعمول بها في ذلك الوقت من الممتلكات العامة للدولة وليس حيازة أو ملكية خاصة، وكانت القواعد القانونية حينئذ تعطي اعتبارًا للملكية العامة للدولة على حساب الملكية الخاصة أو الحيازة. فرأس التمثال من الحجر الجيري وليس من الجبس كما ادُّعي كذبًا وتدليسًا وخديعة من مكتشف التمثال الألماني لودفيج بوركهارت في 6 ديسمبر 1912م أثناء اجتماع القسمة عام 1913م، مما سمح له بالخروج به من مصر مع أن الآثار الحجرية كان لا يسمح بخروجها وقتئذٍ؟ ومن ثم فإن مصر من حقها أن تسترد هذه الرأس مرة ثانية.
وعلى ضوء ما تقدم، فإن الآثار المصرية قد سُرقت وهُرِّبت إلى المتاحف الأوروبية والأمريكية في ظل وجود القوانين والضوابط والقرارات واللوائح منذ عام 1835م وحتى عام 2020م، وهو العام الذي شهد إجراء آخر تعديل على القانون رقم 117 لسنة 1983م. وبالتالي، لابد من الرقابة والمتابعة الدقيقة باستخدام التقنيات العلمية الحديثة وتأمين المتاحف ومخازن الآثار، وتغليظ العقوبات، وإلغاء كل القوانين الأربعة المتعلقة بالآثار والتراث بمصر، واستحداث قانون جديد موحد للآثار والتراث، وإقامة معارض مؤقتة وبصفة دورية للقطع الأثرية لدى أصحاب الحيازة بالمتحف المصري الكبير وغيره من المتاحف بالقاهرة والمدن المصرية بالوجهين القبلي والبحري على السواء.
حفظ الله مصر أرضًا وشعبًا وتاريخًا وحضارة وثقافة وآثارًا وتراثًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.