من أسوان: أمانى عبد الحميد
متى نرى تمثالا وسط كل ميدان من ميادين مصر, ومتى يمكن لملتقيات مثل سمبوزيوم أسوان أن تنتشر فى ربوع بلادنا تزينها وتحارب الظلام حيثما كان, هل مشاركات الشباب والشابات قد تقضى على المخاوف التى أصبحت تحاصر سمبوزيوم أسوان الدولى لفن النحت بعد ٢٢ عاما من انعقاد أولى دوراته, وهل من الممكن أن يفقد حيويته ويتحول إلى نشاط تقليدى ينعقد حول نفس الفكرة كل عام دون تطوير أو تجديد, وبالرغم من المخاوف هناك كثير من الآمال التى لا تزال متعلقة به؛ لكى يصبح سببا فى تواجد الفنون الراقية فى شوارع مصر ويواصل دوره فى تعليم وتنمية شباب الفنانين.
كل هذه الأسئلة تجيب عنها فى السطور التالية ..
فى قلب المتحف المفتوح الذى يحوى أكثر من ٣٠٠ عمل نحتى على حجر الجرانيت، وقف حلمى النمنم وزير الثقافة معربا عن سعادته بمشاركة فنانات شابات, مطالبا بزيادة عددهن خلال الدورات المقبلة قائلا: “ آمل أن نرى شابات فنانات من كل محافظات مصر..» فهو يرى ضرورة أن تحصل الفتاة المصرية على فرصتها قائلا: « هن الوجه المضئ لحضارة الوطن..», وإن أعلن عن رغبة وزارة الثقافة فى دعوة أكبر عدد من الشباب تحت سن ٣٥ عاما قائلا: «أحلم بدعوة ١٢ أو ١٨ شابا بدلا من الاكتفاء بدعوة ستة من شباب النحت فقط..» وطالب بضرورة وضع تمثال فى كل ميدان فى مصر حتى يواجه القبح بالجمال والفن, مشددا على أهمية التعاون بين المحافظات لتجميل كل مدن وميادين مصر لمحاصرة عناصر القبح والظلام واستخدام جماليات الفن للقضاء عليها, كما هو الحال داخل المتحف المفتوح، والذى لا يوجد مثيل له فى أى دولة فى العالم, حجمه بلغ ٣٠ فدانا من أجمل بقاع مصر كلها ويطل على النيل من فوق الجبل.
ونتيجة دعوة الوزير بالتوسع فى دعوة الفنانين خاصة شابات النحت أكد د.أحمد عواض رئيس صندوق التنمية الثقافية أنه تم الاتفاق مع وزير الثقافة على اتباع سياسة تقشفية بشكل لا يؤثر على الاستمرار فى إقامة الفعاليات التى ينظمها الصندوق ومنها سمبوزيوم أسوان للنحت, علاوة على تقليل النفقات بشكل يتيح الفرصة للتوسع فى دعوة الفنانين خاصة من الشباب, وبالتالى فإن الصندوق سيقوم بالنظر فى الفعاليات التى يقيمها بشكل نوعى شامل بحيث يدعم كل أنواع الفنون لكن بطريقة خالية من البذخ ولا تؤثر على جودة العمل الفنى والثقافي, واصفا الدورة الـ٢٢ بأنها:” دورة ثرية..” وأنها تركت ٢٠ عملا إبداعا نحتيا عظيما يضاف إلى قائمة الإبداعات فى أهم متحف مفتوح لفن النحت فى العالم.
لكن الأمر أصبح يختلف على أرض الواقع, فبعد ١٨ عاما من العمل بالقرب من الفنان آدم حنين داخل دهاليز السمبوزيوم تحول الفنان ناجى فريد إلى قوميسير الدورة الـ٢٢ ليكون مسئولا عنها ومنظما لها, لكن الوضع لم يعد كما كان، فأهمية الفاعلية الدولية أصبحت فى وضع حرج فهى كما يقول «فريد»: «لو توقف سمبوزيوم عن العمل ستتوقف معه حركة النحت فى مصر..» هكذا تحدث فى آخر أيام مهمته, مؤكدا أن من تقدم للمشاركة حوالى ٦٠ فنانا شابا وقع الاختيار على ٦ فقط, مرددا:” هناك طابور طويل من الشباب ينتظر دورهم لكى يلتحق بمدرسة السمبوزيوم..», ويؤكد «ناجي» سمبوزوم أسوان هو الوحيد الذى يملك القدرة على الاستمرار, والوحيد الذى استمر كل هذه السنوات, قائلا: «آخر ثلاثين عاما لا يستمر أى ملتقى أكثر من عام أو عامين..», ويضرب مثالا, ألمانيا, اليونان, إيطاليا, وأبو ظبى وعدد من الدول العربية انعقد لمدة عام واحد فقط, إمارة دبى عقدته أربع سنوات فقط ثم توقفت, علاوة على أن المقابل المادى الذى يقدم للمشارك الأجنبى يعتبر ضعيفا جدا حيث يأتى الفنان ويمنحنا تمثاله الجرانيتى مقابل ١٣٠٠ دولار فقط وينقطع عن العالم طوال أربعين يوما, فى حين نجد فى الخارج المشارك فى أى سمبوزيوم يمنح الفنان ما بين ٥ إلى ١٠ آلاف دولار لمدة لا تزيد عن الشهر فقط.
لكن على الصعيد الداخلى نجد أن السمبوزيوم قد علم نحاتى مصر من مختلف الأجيال طريقة النحت على الجرانيت,على حد قول «ناجي» , من قبله لم يكن هناك نحات واحد يجرؤ على القدوم إلى أسوان, لم يكن معلوما لديهم كيفية النحت ولا يملكون أدواته, وتقريبا كل من شارك هناك استطاع أن يطوف العالم بقدراته على نحت الحجر والتى تعلمها هنا, بل أصبح هناك أسلوب مميز يحمل الطابع المصرى لنحت الحجر يختلف عن أساليب النحت الأخرى فى العالم بل ويتميز عنها, واليوم من المهم جدا الاهتمام بنوعية الثقافات والفنون التى يتلقاها الشباب لأنهم يمثلون مستقبل مصر, قائلا: « نحتاج بالفعل الانفتاح على ثقافات راقية تختلف عما يتم تقديمه لهم من ثقافات الزحام والضوضاء، وما يتم تقديمه لهم فى المدارس والإعلام والتليفزيون, ويعود ليؤكد بقوله: «لا أحد يستطيع أن ينكر أن التعليم فى كليات الفنون فى مصر أصبح تعيسا وبائسا», واصفا أقسام النحت بأنها فى حالة يرثى لها, مرددا أجواء العمل والتعلم فى الكليات أصبح منفرا.
وفى نهاية حواره أكد « ناجي» أقترح أن يبدأ السمبوزيوم بالتنقل بين مدن مصر لكى يزينها بمنحوتاته, على سبيل المثال عقد دورة فى مدينة شرم الشيخ وتزيين ميادينها بالتماثيل ثم الانتقال إلى مدينة الغردقة على سبيل المثال لتزيين ميادينها وهكذا, خاصة وأننا نملك محاجر رخام فى منطقة البحر الأحمر, ثم نعود إلى أسوان مرة أخرى, بحث كل فنان يأتى وعنده فكرة عن الميدان الذى سيتم وضع تمثاله فيه، وبالتالى يكون عمله مبنيا على معرفة ويخرج فى إطار متفق عليه, حتى لا يتحول السمبوزيوم إلى نشاط تقليدى ينعقد حول نفس الفكرة كل عام، وحتى لا يتجمد ويفقد حيويته, من الضرورى تطوير الفكرة ليصبح السمبوزيوم ملتقى تخرج منه أعمال تملأ ميادين مصر كلها, ويصبح سببا فى تواجد الفنون الراقية فى شوارع مصر إلى جانب دوره فى تعليم وتنمية شباب الفنانين.
وخلال الجولة ما بين نتاج الدورة الـ٢٢ كانت تماثيل الفنانين المشاركين تقف شامخة تعبر عن صاحبها وعن قناعاته وأفكاره التى يحاول أن يجسدها على صخور الجرانيت الصلدة, فكانت الفنانة المصرية تريز أنطوان, فنانة صغيرة السن وضئيلة الجسد لكنها تغوص فى أعماقها لتصل إلى موضوعات أكثر خصوصية وأشد ارتباطا بتجربتها, تبحث عن هوية من خلال نحت أشكال تكعيبية متداخلة لتجسد أشكال وأوضاع جسم الإنسان مع التركيز على لغة جسده,وكان التحدى بالنسبة لها هو أن يعبر حجر الجرانيت الصلب بالرغم من جموده عن مشاعر الجسد البشري.
لكن ريم أسامة تبحث فى الطبيعة بسبل مختلفة عن التصوير الواقعى للشكل, لذا جاءت قطعتها النحتية الضخمة لتجسد قطتها التى كانت تراقبها فى المنزل؛ حيث تبدو متحفزة وتوشك على الانقضاض أو مستعدة للعب,«ريم» ترى أن الأشكال الهندسية هى أفضل ما يناسب النحت على الحجر حيث فهى تلاعب الضوء والظل على الزوايا بشكل مثير.
أما على سعد الله فقرر أن يخوض تجربة السمبوزيوم بتقديم عمل تملؤه القوة, أراد أن يقدم « الثور» بشكل مختلف ومتفرد, استوحاه من الآلهة حتحور، كما تظهر على جدران المعابد الفرعونية على هيئة بقرة , قائلا: “أعجبنى هيكل جسدها ووقفتها وقوة نظرتها..» لذا جاء ثور «سعد الله» متميزا بقوة قرونه التى اتخذت شكل القوس.
فى حين اتخذ ماجد ميخائيل من الكرسى عملا له لأنه يرمز للعمدة فهو نقطة الانطلاق التى يبدأ بعدها تجريد الفكرة إلى أبسط شكل لكن بطريقة غير عادية, وإن أكد أن الكرسى لا يعتبر رمزا سياسيا من وجهة نظره بل هو تعبير ثقافى أو اجتماعى مثل العروس التى ترتدى ثوبا أو الملك على عرشه فى مصر القديمة.
ومن أقصى الشرق من اليابان جاء هيروكى أسكاوا ليقدم أقدم أشكال التواصل البشرى فى عصر التكنولوجيا, الهاتف, نحت من الحجر سماعات عملاقة تنتقل بينها موجات الصوت, فهو يهتم بخلق أعمال تفاعلية وليست مجرد أشكال, يريد الوصول إلى أبعد من المادة الصلبة الثقيلة لخلق تجارب البشر, وإن كان يرى أن المعادلات الرياضية هى قلب التصميم المعقد من أجل إنتاج الجانب المرئى والحصول على النسب الصحيحة لإنتاج البعد الصوتى للعمل.
“الضوء اللانهائي” هكذا يحاول الفنان الأسبانى خوسيه كابللو أن يرصد رحلة الضوء فى عمله الذى يبلغ طوله رأسى حوالى ٢,٥ متر, يحاول إيجاد طرق للتعبير عن الأفكار غير ملموسة فى عمل ثلاثى الأبعاد, قطعتان متطابقتان تقابل إحداهما الأخرى, قوتان متساويتان متعاكستان, توافقا على البقاء فى حالة توازن.
وعن القوى المزدوجة قدم الفنان القادم من جورجيا عمله الذى يجسد مفهوم الازدواجية فى الطبيعة,عن شروق الشمس وغروبها, فهو يرى كل شيء ونقيضه معللا بأنه ينتمى إلى برج الجوزاء, عمله يقف عاموديا ويظهر شروق الشمس على الجانب الأمامى من الحجر وغروبها من الجانب الخلفي.
فى حين قدم الفنان الألكلوس هانسيكر عملا مست من مقولة ألمانية حول المحافظة على القديم مع خلق الجديد وإيجاد التوازن بين التراث دون التعلق به وتبنى أفكار التنمية والتطور دون نسيان الجذور, لذا كان الجزء العلوى من عمله يشبه تاج الملكة نفرتيتى، ويقف على قاعدة صلبة ليجسد التوازن المثالي, ومن الصين حضر ليو يانج لينحت عمل يمثل تدفق نهر النيل وسط جبال وتلال من الجرانيت.
وكان حلمى النمنم وزير الثقافة قد حضر ختام فعاليات الدورة الـ ٢٢ من سيمبوزيوم أسوان الدولى لفن النحت، والذى ينظمه قطاع صندوق التنمية الثقافية برئاسة الدكتور أحمد عواض، يوم السبت الماضى بحضور اللواء مجدى حجازى محافظ أسوان، والفنان آدم حنين مؤسس ورئيس شرف السمبوزيوم، وناجى فريد قوميسيرعام السمبوزيوم، وأعضاء اللجنة العليا، وقام بتوزيع شهادات التقديرعلى الفنانين المشاركين، وهم خوسيه كارلوس ميلان» أسبانيا»، فاليريان جيكيا» جورجيا»، كلاوس هنسيكر» ألمانيا»، ليو يانج» الصين»، هيرويوكى اساكاوا» اليابان»، ومن الفنانين المصريين تريز انطوان لويس، ريم أسامة، على سعد الله علي، ماجد ميخائيل، ومن ورشة العمل الفنانون الشيماء درويش، أحمد مجدي، تامر رجب، عبد المجيد إسماعيل، علا موسي، شروق هلال, كما قدم الفنان الصينى شهادات اشتراك سمبوزيوم أسوان ضمن تحالف سمبوزيومات النحت الدولية « أيسا» لإتاحة الفرصة أمام النحاتين من مختلف دول العالم للتواصل مع سمبوزيوم أسوان والنحاتين المصريين.