في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو اليوم الذي ترد فيه البشرية لتذكر نفسها بأن الحرية حق أصيل، وأن العدالة والكرامة ليست منحة تمنحها الجهات الحاكمة، بل حقوق طبيعية يولد بها كل إنسان، وفي هذا اليوم ، يلتقي الاحتفال العالمي مع أحد أهم أعمدة الأدب العربي والعالمي، الكاتب الكبير نجيب محفوظ التي تحل ذكرى ميلاده غدا، ليصبح التاريخان معًا شهادة حية على أن الكلمة كانت وما زالت من أقوى أسلحة الدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية.
نجيب محفوظ.. كاتب حمل هم الإنسان قبل أن يكتب عن الحارة
وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911، في قلب القاهرة القديمة، حيث الأزقة الضيقة والحكايات التي لا تنتهي، فكان ابنًا وفيًا للحارة المصرية التي كونت وجدانه وصنعت رؤيته، ورغم ارتباطه العميق بالواقع الشعبي، إلا أن أعماله تعدت حدود المكان، لتصبح تعبيرًا واسعًا عن صراع الإنسان مع الظلم، ومحاولته الدائمة لإثبات حقه في حياة مستقيمة، عادلة، وحرة.
من "الثلاثية" إلى "اللص والكلاب" و"بداية ونهاية" و"ميرامار"، ظل محفوظ يكتب الإنسان قبل أن يكتب الرواية، وينحاز إلى المقهورين والبسطاء قبل أن ينحاز لأي تيار فكري أو سياسي، لذلك ظل أدبه صوتًا صريحًا يطالب بالعدالة الاجتماعية، ويكشف قبح الفقر والاستبداد والتمييز الطبقي.
أولاد حارتنا.. الرواية التي خرج بها محفوظ من عباءة الواقعية
جاءت رواية "أولاد حارتنا" لتشكل علامة فارقة في مسيرته الأدبية، ليس فقط لأنها خرجت عن الواقعية التقليدية التي اشتهر بها، بل لأنها وضعت الأسئلة الكبرى عن السلطة والخلق والعدل والحرية في قلب الحارة، فجعلت الأسطورة رمزًا، والرمز احتجاجًا على الظلم، هذه الرواية التي كادت تكلفه حياته، حين تعرض لمحاولة اغتيال عام 1994، أثبتت أن الكلمة الحرة تدفع ثمنًا غاليًا، لكنها في النهاية تنتصر لأنها تظل، بينما يختفي أصحاب الفكر الظلامي في الهامش.
حين تتقاطع ذكرى ميلاده مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان
ليس غريبًا أن يلتقي ميلاد محفوظ مع يوم إعلان حقوق الإنسان، فالرجل الذي عاش يدافع عن الإنسان في قصصه ورواياته، هو نفسه الكاتب الذي قدم للعالم صورة المواطن المصري البسيط وهو يحارب الفقر والقهر والاستبداد، حتى حين دافعت أعماله عن الحلم بالحرية، لم تكن الحرية مجرد شعار، بل كانت فعلًا إنسانيًا يتكرر في كل شخصية كتبها.
محفوظ.. نوبل التي جاءت اعترافًا بصوت الإنسان
عام 1988، حصل محفوظ على جائزة نوبل في الأدب، ليصبح أول أديب عربي ينالها، باعتراف عالمي بأن الحارة المصرية قادرة على أن تُخرج أدبًا يلامس الإنسانية جمعاء، وجاءت الجائزة لتكرس اسمه ليس فقط كروائي، بل كصوت أخلاقي قاوم الظلم بالكلمة، وواجه الإرهاب بالصبر، ولم يتخل يومًا عن إنسانيته حتى وهو ممدد على سرير المستشفى بعد محاولة الاغتيال.