نهاد وديع حداد وتُعرف باسمها الفني فيروز، من مواليد 21 نوفمبر 1935، وهي مطربة ومغنية وممثلة لبنانية تُعد من أقدم فناني العالم، ومن الجيل الذهبي للمسرح والموسيقى في لبنان، ومن أشهر الأصوات العربية.
وقد لاقت أعمالها الفنية رواجًا واسعًا في العالمين العربي والغربي، ولُقِّبت في لبنان بالعمود السابع لبعلبك.
وُلدت فيروز في قضاء الشوف بجبل لبنان، وكانت الطفلة الأولى لعائلتها.
نشأت في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت، أحبت الغناء منذ صغرها، وأظهرت ميولًا فنية في عمرٍ مبكر.
وفي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل بالطفلة نهاد حداد، وكان عمرها آنذاك أربع عشرة سنة، فأُعجب جدًا بصوتها، وكان له الفضل في مشاركتها كمؤدية في كورس الإذاعة.
انضمت نهاد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية بعد دخولها المعهد بشهورٍ قليلة، وبعد أربع سنوات من دراستها في المعهد نجحت أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من: حليم الرومي، ونيقولا المني، وخالد أبو النصر.
وكانت النقلة الكبيرة لها عندما قدم لها حليم الرومي، الذي أطلق عليها اسم "فيروز"، ألحانًا لأول أغانيها، وقد لاقت صدىً واسعًا في الإذاعات العربية في تلك الفترة، مثل أغنية "يا حمام يا مروح"، وأغنية "بحبك مهما أشوف منك" عام 1952.
لا أعرف مشاعر فيروز عندما وصلت إلى سن التسعين – أمدّ الله في عمرها حتى تتجاوز المائة – فالوطن العربي احتفل بالمناسبة في غيابها. لم يستمع إليها أحد، لم تتكلم، ولم تعبّر عن مشاعرها. كانت الغائبة الحاضرة في مناسبة مهمة.
وكان الأهم أن تراها الناس ويصلهم صوتها، ومن الأفضل لو كان ذلك عبر الغناء.
لكن لو كان الغناء مستحيلًا، فلماذا لم تتكلم في ظرف لا يتكرر في العمر مرتين؟
من المؤكد أن فيروز فنانة وإنسانة لم تغضب عندما قيل عنها إنها في التسعين من العمر، على الأقل هذا إحساسي تجاهها ورصدي لمشاعرها على البعد.
ولا تسألني من فضلك كم فنانة في مصر والوطن العربي اقتربت من التسعين؟ بل ربما كان السؤال: من تتقبل أن يُقال إنها تعدّت الستين من العمر؟ ومع ذلك فهي مستعدة لإعلان الحرب على من يقول عنها هذه الحقيقة. فما بالك إن ارتكب أي كاتبٍ خطيئةَ كتابتها؟
في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي بلغت فيروز التسعين من العمر.
وقبل بلوغها هذا السن، ارتفعت أصوات في لبنان تطالب باعتبار عيد ميلادها عيدًا قوميًّا للبنان، خصوصًا أن عيد لبنان القومي يسبق عيد ميلادها بيوم واحد.
أرجوك لا تقارن هذا بما جرى لأم كلثوم في بلادنا قبل رحيلها عن الدنيا، حيث تم دفن مشروع دار أم كلثوم للخير، وارتفع في نفس المكان الذي كان مخصصًا للمشروع مجمعٌ للفنادق على نيل القاهرة.
لن أعود لسرد الحكاية التي نعرفها كلنا، والحرب التي أُعلنت على أم كلثوم في أيامها الأخيرة وعجّلت بوفاتها، مع أن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى. وبعد رحيلها وقعت مأساة أخرى عندما بيعت فيلتها لمستثمر أقام مكانها – بعد هدمها طبعًا – فندقًا يحمل اسمها، وإن كان شديد القبح والسوقية.
مع أن هذا المستثمر تعهد، عندما كتبنا عن اغتياله لفيلا أم كلثوم، بأنه سيخصص الأدوار الأربعة الأولى من المبنى الذي سيقام مكان الفيلا متحفًا لأم كلثوم تُوضع فيه كافة متعلقاتها. وطبعًا هذا لم يحدث.
أكثر من هذا، كان في مكتبات القاهرة كتاب عن أم كلثوم من ثلاثة مجلدات: مجلد عبارة عن قصة حياتها، ومجلد فيه كل نصوص أغانيها، ومجلد لصورها كلها.
وكل هذا في طباعة أنيقة وأكثر من جميلة.
هذا الكتاب من الألف إلى الياء كان مشروعًا لبنانيًّا: مؤلف لبناني، منشور في لبنان، وإخراج لبناني نادر لصورها.
ونحن لا ندري ماذا فعلنا لأم كلثوم ابتداءً من قريتها طماي الزهايرة والمنصورة عاصمة المحافظة التي وُلدت بها، والتمثال القبيح لها الذي وُضع في مدخل مدينة المنصورة، وهو لا يمتّ لها بأية صلة.
ولا أعرف مصيره: هل أُزيل من مكانه أم ما زال يحمل أطنانًا من التراب؟
ما علينا. نعود إلى فيروز. ما من فنانة ارتبطت بالهمّ القومي العربي مثل فيروز.
غنّت لفلسطين والقدس وبيروت، وغنّت للصمود العربي.
وُلدت فيروز عام 1935 في إحدى قرى الريف اللبناني القريبة من بيروت.
درست في مدرسة الراهبات، واكتشفها حليم الرومي، وتتلمذت على يدي عاصي رحباني.
لم تكتفِ بالغناء، بل مثلت للسينما ووقفت ممثلة فوق خشبة المسرح.
لها من الأفلام السينمائية ثلاثة فقط: بياع الخواتم (1965)، بنت الحارس، وسفر برلك (1967).
ومن الأغاني التي حققت لها شهرة جماهيرية: بكتب اسمك، حبيتك بالصيف، شادي، زهرة المدائن، لبنان يا أخضر يا حلو.
وكانت في عام 1957 قد وقفت في مهرجان بعلبك لتغني لأول مرة، وقدمت عددًا من المسرحيات الغنائية، هي: ميس الريم، الشخص، المحطة، لولو، أيام فخر الدين، سفر برلك، بياع الخواتم، وقدمت بعضها على شكل أفلام سينمائية.
كوّنت مع زوجها وشقيقه عاصي ومنصور الرحباني، وابنها زياد، كيانًا فنيًّا مهمًا كان له وجوده الجميل في النصف الثاني من القرن العشرين.
أُطلقت عليها العديد من الألقاب، منها: "قيثارة السماء" – وهو نفس اللقب الذي سبق أن أُطلق على الشيخ محمد رفعت – و"جارة القمر"، و"زهرة المدائن"، و"صوت لبنان".
شكّلت حالة من الإجماع اللبناني حولها، فقد ترك اللبنانيون كل خلافاتهم جانبًا واعتبروها رمزًا للوطن، ولم يحدث في التاريخ اللبناني هذا الإجماع على شخصية فنية أو أدبية أو سياسية كما حدث مع فيروز.
في طفولتها المبكرة قلّدت ليلى مراد في بعض أغانيها، وكذلك حاولت تقليد أسمهان.
وفي عام 1947، وكانت في الثانية عشرة من عمرها، كان محمد فليفل أول من استمع إليها واكتشف صوتها، ثم استمع إليها وهي تسجل نشيدًا وطنيًّا لفليفل، الفنان حليم الرومي، الذي أخذها إلى مكتبه فغنت له "يا زهرة في خيالي" لفريد الأطرش، وموالًا لأسمهان، فعينها بسرعة في فرقة كورال الإذاعة.
تقول فيروز عن هذه الفترة:
كنت يومها أحلم بالغناء في الإذاعة، وأخبروني وقتها أنني سوف أحصل على مائة ليرة شهريًا، وكان هذا المبلغ هائلًا بالنسبة لي.
حتى عام 1952 كان اسمها نهاد حداد، وقد اقترح الرومي تغيير اسمها إلى فيروز، وذلك للتعبير عن أن صوتها نادر ولامع مثل الحجر الكريم.
تم زواجها من عاصي الرحباني في يوليو 1954 بعد أن رفضته من قبل مرتين، وفي عام 1955 سافر عاصي الرحباني ومعه فيروز إلى القاهرة بدعوة من الإذاعة المصرية، وأمضيا في مصر خمسة أشهر، وقد اعتذرت عن العمل في السينما لأنها كانت حاملًا في ابنها زياد الذي وُلد في يناير 1956.
في عام 1957، وكانت في الثانية والعشرين من عمرها، منحها الرئيس اللبناني كميل شمعون وسام الاستحقاق من درجة فارس.
وفي عام 1969، وكانت في الرابعة والثلاثين من عمرها، صدر أول طابع بريد تذكاري يحمل صورتها.
وفاجأها ملك المغرب الراحل الحسن الثاني عندما كانت في زيارة للمغرب، إذ حضر بنفسه إلى المطار ليكون في استقبالها. وعندما غنت في مسرح الأولمبيا بباريس قلّدها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وسام جوقة الشرف من رتبة فارس، وقال إنه يقلدها إياه تكريمًا للإشعاع الذي يجسده هذا الصوت العظيم في لبنان والعالم العربي، الصوت الذي تخطى تألقه حدود الشرق الأوسط.
في عام 1987 قالت فيروز كلمة ترقى إلى مستوى الحكمة الكبرى، قالت:
يؤسفني أن اللبنانيين يحبونني ولكنهم يكرهون بعضهم.
هل هناك تلخيص أكثر حكمة من هذا الكلام لمحنة لبنان التي أحلم أن تكون قد انتهت؟ وهذه الكلمة هي أيضًا دليل عظمة مطربته الكبيرة فيروز.
يا فيروز، يا صوت الحُلم العربي في الغناء، كل سنة وأنتِ بألف ألف ألف خير.