استعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في عدده الجديد من سلسلة «شبابنا يدعم قرارنا»، دراسة أعدها عدد من شباب الجامعات المتدربين حول دمج ذوي الهمم في مرحلة التعليم الابتدائي في صعيد مصر، وذلك في إطار السلسلة البحثية غير الدورية التي يتبناها المركز، والتي تتسم بالطابع التطبيقي، وتنطلق من إيمانه بالدور الحيوي الذي يقوم به الشباب الباحثون في دعم متخذ القرار والمشاركة الفاعلة في رسم السياسات العامة.
وأوضح المركز أن هذا العدد جاء نتاجًا لمجموعة من شباب الجامعات المشاركين في برنامج كتابة أوراق السياسات الذي يقدمه منتدى السياسات العامة التابع للمركز، بهدف تمكين طلاب الدراسات العليا وخريجي الجامعات وتدريبهم على مهارات البحث وصياغة أوراق السياسات، حيث تضمن العدد دراسة بعنوان «دمج ذوي الهمم في مرحلة التعليم الابتدائي في الصعيد المصري».
وأكدت الدراسة أن الأشخاص ذوي الهمم يمثلون جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع وعنصرًا أساسيًا في بنائه، وأن توظيف قدراتهم وإمكاناتهم يسهم في تحقيق إنجازات أكبر والاستفادة من جميع فئات المجتمع، مشيرة إلى أن دمج الأطفال ذوي الهمم يعني تقديم الخدمات والرعاية لهم داخل بيئة الفصل الدراسي الطبيعي بعيدًا عن العزل، مع إشراكهم في الأنشطة اليومية وتمكينهم من القيام بالأدوار نفسها التي يؤديها أقرانهم، إلى جانب توفير سياسات مجتمعية فعالة تضمن مساواتهم وحصولهم على حقوقهم كاملة.
وبيّنت الدراسة أن الدمج التعليمي يمثل أحد تطبيقات مبادئ العدالة والمساواة، وهو نهج أخلاقي واجتماعي، تبدأ أولى خطواته بنشر الوعي بحقوق ذوي الهمم والتعريف بقضاياهم، مع التركيز في هذه الدراسة على أبناء صعيد مصر في المرحلة الابتدائية باعتبارها مرحلة تأسيسية تمهد لدمجهم في المراحل التعليمية اللاحقة.
وهدفت الدراسة إلى طرح برنامج مقترح لدمج ذوي الهمم في التعليم الابتدائي بما يتيح لهم فرصًا متكافئة في التعليم، ويساعدهم على الاندماج الطبيعي في الحياة المدرسية وتكوين علاقات اجتماعية إيجابية، فضلًا عن تقليل الاعتماد على مراكز التربية المتخصصة ذات التكلفة المرتفعة، وقد تم اختيار إقليم الصعيد نطاقًا جغرافيًا للدراسة في ضوء اهتمام الدولة بتنميته.
وتناولت الدراسة تحليل جهود الدولة المصرية لتمكين ذوي الهمم، خاصة في مجال التعليم، مشيرة إلى وجود إطار تشريعي واستراتيجي داعم، من بينها الدستور المصري 2014، والخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014-2030، ورؤية مصر 2030، والقرار الوزاري الخاص بتطبيق نظام الدمج، وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إلى جانب الاستراتيجية الوطنية للإعاقة 2025-2030.
كما استعرضت الدراسة الجهود التنفيذية لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مجال دمج ذوي الهمم، والتي شملت تطوير بعض المدارس لتكون أكثر ملاءمة، وتنفيذ برامج تدريبية للمعلمين، وإتاحة مشاركة طلاب الدمج في الأنشطة المختلفة، والاستفادة من الخدمات التأهيلية، وتنفيذ حملات توعوية، وتجارب تعليمية مبتكرة، إلى جانب تطوير مناهج للتربية الفكرية في مرحلة رياض الأطفال .
وتطرقت الدراسة إلى عدد من التجارب الدولية الرائدة في مجال دمج ذوي الهمم في التعليم، من بينها تجارب سنغافورة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كما قدمت مقترحًا لإنشاء منصة رقمية متكاملة لذوي الهمم، تعتمد على تطبيق محمول يعمل كحلقة وصل بين الأسرة والجهات المعنية، ويواكب رحلة الطفل منذ الاكتشاف المبكر للإعاقة وحتى تحقيق الدمج المستدام، مع إشراك الشباب والطلاب كـ«سفراء مجتمعيين» يقدمون دعمًا إنسانيًا ومعرفيًا للأسر.
وأوضحت الدراسة أن التطبيق المقترح لا يقتصر على كونه أداة تقنية، بل يمثل منظومة متكاملة لتوحيد الخدمات وبناء الثقة بين الأسرة والدولة، من خلال آليات تمويل مستدامة ومشاركة مجتمعية وتدريب رقمي ونظم متابعة وتقييم تعتمد على مؤشرات كمية ونوعية، بما يسهم في تعزيز الشفافية وقياس الأثر المجتمعي.
و أكدت الدراسة في ختامها أن دمج ذوي الهمم في التعليم الابتدائي بصعيد مصر يُعد استحقاقًا إنسانيًا ووطنيًا، وليس مجرد مطلب تربوي، لما له من دور في ترسيخ قيم العدالة والمساواة وبناء رأس مال بشري قادر على المشاركة الفاعلة في التنمية، مشددة على أن مواجهة التحديات القائمة تتطلب رؤية تربوية واضحة ودعمًا مؤسسيًا متكاملًا، وتدريبًا مستمرًا للمعلمين، وتطويرًا للمناهج، وتوفير دعم نفسي واجتماعي داخل المدارس، إلى جانب رفع الوعي المجتمعي بأهمية التعليم الدامج، بما يتسق مع أهداف رؤية مصر 2030 ويعزز مسار التنمية الشاملة في صعيد مصر.