كان الباب يُغلق كل مساء بهدوء، كأن البيت يبتلع ما يحدث بداخله دون أثر، في قرية ميت برة، لم يكن أحد يسمع صراخًا، ولم يكن هناك ما يلفت الانتباه، عروس جديدة، وشقة تبدو من الخارج عادية، لكن الداخل كان يحفظ أسراره.
منذ الليلة الأولى، بدأت الحكاية بنبرة قاسية، بيدٍ امتدت لأول مرة ثم لم تتراجع، وبعد أيام عادت العروس إلى أهلها خائفة مرتبكة، تحاول أن تشرح دون أن تفضح، قالت إن زوجها لا يعرف الهدوء، وإن الغضب يسبقه دائمًا، فحاولوا الإصلاح، ونصحوها بالصبر، وأعادوها إلى بيت الزوجية، فالأيام الأولى -كما قيل لها- صعبة على الجميع.
عروس المنوفية.. كدمات خلف الملابس
مرت الأيام، ولم يهدأ البيت، وكانت تشكو دائمًا، لكن شكواها لم تكن مسموعة، صداع متكرر، إرهاق، كدمات تخفيها الملابس، وفي مرة، خرجت من الحمام وأنفها ينزف، وفي مرة أخرى كانت تشعر بدوار بعد أن ارتطم رأسها بالحائط، وكانت تقول إن الأمور تسوء ثم تتحسن، وإنه يعتذر أحيانًا، وإنها لا تريد خراب بيتها.
داخل الشقة، تقول والدة الزوج إنها كانت تعتبرها ابنتها، وتشتري لها احتياجاتها، وتطهو لها الطعام، وتؤكد أن ابنها كان ينفق ويعطي زوجته مصروفًا أسبوعيًا يصل لـ200 جنيه، وأطعمها في اليوم الذي يسبق الواقعة «كفتة»، وتفتح الثلاجة أمام الكاميرات، لتشير إلى بقايا الأكل، وتزعم أن تعبها الزوجة كان بسبب الحمل، وأن الطبيب أكد ذلك.
في يوم سابق على النهاية، شعرت العروس بإعياء شديد، واصطحبتها حماتها إلى الطبيب، والكشف كان مطمئنًا لا شيء خطير، الحمل هو السبب، وعادت إلى الشقة وهي تمسك بطنها بحذر، كأنها تحمي حياة جنينها.
وفي تلك الليلة، تلقّى الطبيب اتصالًا من أسرة الزوج للحضور إلى منزل العائلة لفحص حالة الزوجة، وعند دخوله غرفة الفتاة وبدء الكشف، فوجئ بتلون أزرق شديد في الوجه، وكدمات ظاهرة، وملامح احتقان غير طبيعية، وهي علامات يعرف جيدًا دلالتها، خاصة مع صغر سن المتوفاة التي لم تتجاوز العشرين عامًا، ما جعله يستبعد تمامًا فكرة الوفاة الطبيعية.
حيلة الطبيب
ورغم ما رآه، التزم الطبيب الصمت ولم يُبدِ للأسرة أي ملاحظات طبية، حرصًا على سلامة الإجراءات، واكتفى بإبلاغهم بهدوء بوفاة الفتاة دون الخوض في تفاصيل. ثم غادر المنزل محاولًا الابتعاد عن المكان سريعًا، لكن أثناء استقلاله «توك توك» فوجئ بوالدة الزوج تصرخ خلفه وتطالبه بإصدار تقرير طبي يتيح دفن الجثمان على الفور.
أبعدها الطبيب وأنزلها من المركبة، ثم غادر المكان دون تردد، ولم يتجه إلى منزله، بل بادر مباشرة بإبلاغ الشرطة بكل ما شاهده، مؤكدًا أن العلامات التي عاينها داخل الغرفة، إلى جانب الظروف المحيطة، تشير بوضوح إلى شبهة جنائية لا يمكن تجاهلها.
على الشاشات، بدأت الروايات تتصادم، شقيق الزوج ظهر مدافعًا، لكنه لم يُحكم دفاعه، وقالها فجأة، بلا ترتيب: «أخويا كان بيضرب مراته». حاول التراجع والتبرير والتخفيف، لكن الجملة خرجت، واستقرت في وعي الناس.
في المشرحة
في مشرحة الطب الشرعي، لم يعد هناك مجال للحكايات المتناقضة، والتقرير كان حاسمًا، المتوفاة تعرضت لكسر في عظمة القص بالصدر نتيجة ضربة بالقدم، ونزيف حاد في الرئتين، وتوقف في التنفس ثم القلب، وضربة قوية في البطن أدت إلى نزيف داخلي شديد وإجهاض الجنين.. إصابات متعددة، متكررة، تؤكد أن العنف كان مستمرًا.
أربعة أشهر فقط، كانت كافية لتحويل حلم الزواج إلى ملف في محكمة الجنايات، وانتهت التحقيقات، وأُحيل الزوج المتهم بقتل زوجته إلى المحاكمة.