أعلنت وزارة الثقافة عن فتح أبواب متحف فن الزجاج والنحت والعجائن المصرية «زكريا الخناني ود. عايدة عبدالكريم» أمام الجمهور، وذلك ضمن فعاليات مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير.. ولسه متاحف مصر كتير»، التي تُقام برعاية وزارة الثقافة، وتهدف إلى تعزيز الوعي الجمالي، وربط الجمهور بتراثه الفني، وتشجيع زيارة المتاحف المصرية المتنوعة التي تزخر بها البلاد.
متحف فريد في أفريقيا والشرق الأوسط
يُعد المتحف من المتاحف الفريدة من نوعها في فن الزجاج والنحت على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، إذ يجمع بين القيمة الفنية والإنسانية، ويجسد قصة شراكة إبداعية نادرة بين اثنين من كبار رواد الفن التشكيلي في مصر هما: الفنان الراحل زكريا الخناني وزوجته الفنانة الراحلة الدكتورة عايدة عبدالكريم، ويعكس المتحف بوضوح ثنائية العمل والفكر، والترابط والمودة بين الرجل والمرأة، ليس فقط في الأعمال المعروضة، بل في روح المكان ذاته.
بيت ومتحف في آن واحد
ما إن تطأ قدم الزائر المتحف حتى يشعر وكأنه دخل بيتًا نابضًا بالحياة قبل أن يكون متحفًا تقليديًا؛ فخصوصية المكان تنبع من كونه عالمًا خاصًا صاغه الخناني بيديه، ليكون شاهدًا على شغفه العميق بالزجاج وقدرته الاستثنائية على تطويعه في أشكال جمالية أخّاذة. لم يكن الخناني فنانًا منعزلًا بل معلمًا للتراث الأصيل، فتح أبوابه لعشاق الفن من مختلف الخلفيات، وليس فقط لطلاب الفنون والمتخصصين، لينقل إليهم حرفية وتقنيات هذا الفن العريق.
مدرسة للفن قبل أن تكون مزارًا
لا تقتصر أهمية المتحف على كونه مقصدًا للزيارة، بل يتجاوز ذلك ليكون مدرسة حقيقية لتعليم فنون الزجاج والنحت والعجائن المصرية، و استقبل المتحف على مدار سنوات فنانين ومتعلمين من مختلف محافظات مصر، يقيم بعضهم لعدة أشهر لتلقي التدريب العملي واكتساب الخبرات، في تجرِبة تعليمية نادرة تجمع بين التراث والتجريب المعاصر.
تاريخ إنشاء المتحف
بدأت فكرة إنشاء المتحف عام 1975م على يد الفنان زكريا الخناني، واستمرت أعمال التطوير والتجديد على مراحل، إلى أن تم افتتاحه رسميًا عام 2000، قبل أن ينضم إلى قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة عام 2007، وكان حلم «الخناني» أن يضم المكان إنتاجه الفني الغزير من الأعمال الزجاجية، وأعمال زوجته الدكتورة عايدة عبدالكريم، ليصبح المتحف نموذجًا حيًا لجماليات الزجاج واستخدامه في العمارة.
صُمم المتحف بطريقة مبتكرة تعطي مساحة كبيرة للنوافذ، لإتاحة عرض الأعمال في الضوء الطبيعي، بما يعزز من شفافية الزجاج وتدرجات ألوانه. كما يضم نوعًا جديدًا من المشربيات الزجاجية والخزفية ذات الوحدات غير التقليدية، في مزج فريد بين الأصالة والمعاصرة.
رحلة بصرية منذ اللحظة الأولى
يستقبل الزائر في مدخل المتحف تمثال الفنانة عايدة عبدالكريم المصنوع من الحجر الصناعي الأحمر، والذي يرمز إلى ثنائية العمل والفكر والترابط الإنساني، ويضم المدخل لوحة جدارية من البلاطات الزجاجية تصور مشهدًا للزجاج السابح في حقل من الشعب المرجانية، إلى جانب تمثال «الأمومة» للفنانة نفسها، وتمثال شجرة باسقة ذات جذع رباني، في مشهد يمهد لرحلة فنية ثرية.
حديقة نابضة بالإبداع
تحتضن حديقة المتحف عشرات التماثيل والأعمال النحتية المنتشرة في أرجائها، لتكون مساحة مفتوحة للحوار بين الفن والطبيعة. وبعد الانتهاء من الجولة الخارجية، ينتقل الزائر إلى جناحين رئيسيين: مخصص الجناح الأول لإبداعات الفنان زكريا الخناني الزجاجية، حيث تجتمع الكتلة مع النور، والشفافية مع اللون، في أعمال توحي بسحر أثيري أخّاذ، وخصص الجناح الثاني يضم أعمال الفنانة عايدة عبدالكريم، من نحت وعجائن خزفية، إلى جانب الأعمال المعروضة في الحديقة.
ويضم المتحف ما يزيد على 1000 عمل فني من الزجاج والخزف والحُلي، ويحتوي على ثلاث قاعات عرض، اثنتان أنشأهما الفنانان مع المباني الأساسية، وأضيفت القاعة الثالثة لاحقًا لتكون قاعة متعددة الاستخدامات للعروض الفنية المتغيرة والندوات. كما تم تطوير ورشة العمل الفني لتشارك فيها طلاب الكليات الفنية وأطفال المدارس، تحت إشراف فنانين متخصصين.
كما يشمل المتحف غرفة خاصة بالأفران لتجهيز الأعمال الفنية، ومبنى إداريًا مجهزًا، وأنظمة أمنية حديثة من كاميرات وإنذارات ضد الحريق والسرقة، إضافة إلى «صوبة» وسكن خاص بالدكتورة عايدة عبدالكريم، و«غاليري» للعرض.
إلى جانب هذا أهدت الفنانة عايدة عبدالكريم مكتبة الخناني الخاصة إلى المتحف، والتي تضم نحو 450 كتابًا ومرجعًا في مختلف المجالات وبجميع اللغات، إلى جانب مجموعة قيّمة من الأبحاث العلمية والدوريات الفنية، لتصبح مرجعًا مهمًا للباحثين والدارسين.
سيرة فنان رائد
وُلد زكريا الخناني في 3 سبتمبر 1920، وتوفي في 25 مايو 2000م، تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1942م، وواصل دراساته في فن تشكيل الزجاج، وعمل ضابطًا بالقوات المسلحة حتى رتبة لواء. تأثر منذ نشأته بالفن والتراث المصري القديم، وأعاد اكتشاف عجينة الزجاج ذات التقنية الفرعونية، مطورًا إياها في تصميمات معاصرة، ويحتفظ بمقتنيات من أعماله متحف الفن المصري الحديث بالقاهرة، وله مقتنيات بمتحف كونغ للزجاج بولاية نيويورك بأميركا، ومتحف لوزان بسويسرا، ومتحف روان بفرنسا، ومتحف كوبرج للفن بألمانيا.
دعوة لاكتشاف كنز فني
لعل فتح أبواب متحف فن الزجاج والنحت والعجائن المصرية ضمن هذه المبادرة يمثل دعوة مفتوحة للجمهور لاكتشاف كنز فني وإنساني فريد، يجمع بين عبق التراث وروح الإبداع المعاصر، ويؤكد أن متاحف مصر لا تزال تزخر بعوالم تستحق الاكتشاف.
والعنوان: الحرانية – طريق سقارة أمام فندق كاتراكت