أحجم الأمريكيون عن تقديم التبرعات الخيرية مع اقتراب نهاية العام خلال فترة عطلات الكريسماس، وهو الموسم المعروف بارتفاع الأعمال الخيرية، في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية.
ووفقًا لاستطلاع رأي جديد أجرته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، من المرجح أن تُصاب المؤسسات غير الربحية، التي تعتمد تقليديًا على طفرة التبرعات في الأيام الأخيرة من عام 2025، بخيبة أمل، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم وزيادة معدلات البطالة.
وأظهر الاستطلاع أن نحو نصف الأمريكيين خفضوا بالفعل تبرعاتهم الخيرية خلال عام 2025، ولا يخطط هؤلاء لتقديم أي مساهمات إضافية قبل نهاية العام، وفي المقابل قال 18% فقط إنهم تبرعوا بالفعل ويعتزمون التبرع مرة أخرى قبل نهاية السنة، بينما أشار 6% إلى أنهم ينتظرون اللحظات الأخيرة للتبرع، أما النسبة المتبقية، 30%، فقالت إنها لم تتبرع على الإطلاق ولا تنوي القيام بذلك.
وبذلك، لا تتجاوز نسبة من يخططون للتبرع قبل نهاية العام 24% فقط من إجمالي المشاركين في الاستطلاع خلال فترة تُعد حاسمة للقطاع الخيري، ورغم ذلك لايزال شهر ديسمبر يمثل "موعدًا نهائيًا بالغ الأهمية" للمتبرعين، بحسب ديان تشيبس بايلي المديرة التنفيذية لقسم العمل الخيري في "بنك أوف أمريكا"، التي استشهدت بتقديرات الصندوق الوطني للعمل الخيري، والتي تشير إلى أن نحو ثلث إجمالي التبرعات السنوية يتم تقديمه خلال الشهر الأخير من العام، وقالت بايلي: "31 ديسمبر يظل نقطة مستهدفة تضمن أن المتبرعين قد قدموا ما كانوا ينوون تقديمه قبل انتهاء العام".
لكن، ومع تنوع القضايا التي تحتاج إلى دعم، من الكوارث الطبيعية مثل حرائق الغابات المدمرة في لوس أنجلوس إلى الخدمات الاجتماعية التي تضررت من خفض التمويل الفيدرالي، فإن ضعف نمو الدخول وارتفاع الأسعار تركا الأسر ذات الدخل المنخفض بقدرة أقل على التبرع.
وقال أوكلي جراهام (32 عامًا) من ولاية ميزوري إن عائلته "شدّت الحزام المالي بشكل واضح" خلال السنوات الأخيرة، في ظل أعباء ديون القروض الدراسية بعد تعليق خطة السداد من قبل إدارة ترامب، إلى جانب تكاليف تربية طفلين صغيرين، مضيفا: "ليس أنني غير مستعد للتبرع من حين لآخر، لكن من الصعب جدًا العثور على أموال إضافية".
ورغم أن الاقتصاد الأمريكي سجل نموًا قويًا بلغ 4.3% في الربع الثالث، وهو أعلى معدل في عامين، فإن جانبًا كبيرًا من هذا الإنفاق جاء من الأسر ذات الدخل المرتفع، المرتبط إنفاقها بأداء الأسواق المالية التي حققت مكاسب قياسية هذا العام.
وفي المقابل، واجه سوق العمل صعوبات مع ارتفاع معدل البطالة في نوفمبر إلى 4.6%، وهو أعلى مستوى في أكثر من أربع سنوات، كما تباطأت مبيعات التجزئة، ما دفع شركات كبرى، مثل هوم ديبوت للإبلاغ عن أرباح وتوقعات أضعف من المنتظر.
ولايزال التضخم أعلى من مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، في حين تواصل زيادات الأسعار المتراكمة الضغط على ميزانيات المستهلكين، وتشير تقارير أيضا إلى أن خفض الوظائف في القطاع الفيدرالي أثّر سلبا على التبرعات هذا العام، حيث تراجعت حصيلة حملة التبرعات السنوية لموظفي الحكومة الفيدرالية بنسبة 40%، بعد أن أقدمت إدارة ترامب على تسريح آلاف الموظفين، بحسب صحيفة "ذا إندبندنت".
وكشفت بيانات جمع التبرعات أن الموظفين الفيدراليين تبرعوا بنحو 23 مليون دولار حتى نهاية الأسبوع الماضي، مقارنة بأكثر من 40 مليون دولار في الفترة نفسها من كل من الحملات الثلاث السابقة، وتُعد هذه الحملة مصدر تمويل لآلاف الجمعيات الخيرية، خاصة في واشنطن العاصمة ومنطقة وسط الأطلسي، وقد جمعت أكثر من تسعة مليارات دولار منذ ستينيات القرن الماضي.
ويرى خبراء أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان لها تأثير على العمل الخيري، لاسيما مع انتقاده لبعض الجمعيات ووصمه قضايا مثل تغير المناخ والتعليم العالي والتنوع بأنها معادية لتوجهاته السياسية، إلا أن هذه العوامل ليست وحدها وراء تراجع التبرعات.
وتشير بيانات مشروع فعالية جمع التبرعات إلى أن عدد الأمريكيين المتبرعين يتراجع منذ أكثر من عقد، حيث انخفض عدد المتبرعين بنحو 3% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مسجلًا العام الخامس على التوالي من تراجع قاعدة المتبرعين.
ويُرجع الخبراء ذلك إلى القلق المالي، فعلى الرغم من ارتفاع الأجور تدريجيًا، لايزال الأمريكيون يشعرون بضغط تكاليف المعيشة، ووفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة "ماكنزي" الاستشارية في نوفمبر الماضي، قال نحو نصف المشاركين "إن ارتفاع الأسعار يثير قلقهم"، بينما أشار نحو ربعهم إلى أنهم يكافحون فقط لتغطية نفقاتهم الأساسية، لذلك لم يكن مفاجئا أن يكون السبب الأول لعدم التبرع في 2024 هو ببساطة عدم القدرة على تحمل التكلفة.
ونتيجة لذلك، أصبح القطاع غير الربحي يعتمد على عدد أقل من المتبرعين الأكثر سخاءً، وقال أمير باشيتش عميد كلية ليلي للعمل الخيري بجامعة إنديانا "إنه يأمل في سيناريو ارتفاع قيمة التبرعات مع انخفاض عدد المتبرعين".
وتُظهر البيانات أن فئة ضيقة من كبار المتبرعين تتحمل العبء الأكبر، إذ شكل من يتبرعون بمبالغ 50 ألف دولار أو أكثر نحو 0.4% فقط من المتبرعين، لكنهم ساهموا بأكثر من نصف إجمالي التبرعات الأمريكية خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025.
وفي المقابل، قام بعض كبار المتبرعين بزيادة تبرعاتهم ردًا على سياسات ترامب تجاه المؤسسات غير الربحية، إذ تعهدت مؤسسة جيتس بإنفاق 200 مليار دولار خلال العشرين عامًا المقبلة قبل إغلاقها، بينما قدمت ماكينزي سكوت تبرعات ضخمة بلغت سبعة مليارات دولار هذا العام.