استقبل قصر ثقافة العريش، ثالث الجلسات البحثية ضمن فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السابعة والثلاثين، دورة «الأديب الكبير الراحل محمد جبريل»، والذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة.
الجلسة الثالثة بعنوان «الرواية وآليات التعبير عن المجتمع المصري وصراع الهويات»
وجاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان «الرواية وآليات التعبير عن المجتمع المصري وصراع الهويات»، وأدارها الروائي صبحي موسى، حيث استهلت بمناقشة البحث الأول بعنوان «فنية التمسك بالهوية في رواية نساء المحمودية لمنير عتيبة»، قدمه الدكتور هشام رسلان، مؤكدًا أن النص الأدبي يحتاج إلى قارئ محاور ومصغ، يطرح عليه الأسئلة للوصول إلى مفاتيح تفكيك شفراته، والوقوف على مكامن الجمال فيه.
هشام رسلان: رواية نساء المحمودية قدرا كبيرًا من الوعي والحذر في القراءة
وأوضح أن رواية «نساء المحمودية» تتطلب قدرا كبيرًا من الوعي والحذر في القراءة، لا سيما أن مؤلفها يجمع بين الخبرة النقدية والكتابة الإبداعية، وهو ما مكنه من توظيف أدواته الفنية بوعي، لتخرج الرواية في صورة بالغة الجمال والإمتاع.
وأشار«رسلان» إلى أن الرواية ترصد التحولات الاجتماعية التي شهدتها منطقة خورشيد الواقعة على ترعة المحمودية، في نطاق جغرافي يتوسط محافظتي البحيرة والإسكندرية، لافتا إلى أن الكاتب نجح في غرس القارئ داخل تربة المكان عبر سرد مشبع بالموروث الشعبي والمعتقدات الروحية المرتبطة بالريف المصري، لتفوح رائحة الهُوِيَّة المصرية من المكان والأحداث والشخصيات، المتلبسة بروح الشهامة والوطنية والكفاح من أجل لقمة العيش والارتباط بالأرض.
هشام رسلان: «نساء المحمودية» تتجلى فيه الهُوِيَّة المصرية في صور متعددة
وأضاف «رسلان» أن براعة الكاتب في رسم الشخصيات والأماكن ببساطة وصدق جعلتها تبدو شديدة الواقعية، لتقف الرواية كمعرض تتجلى فيه الهُوِيَّة المصرية في صور متعددة، يمتزج فيها عبق الماضي العريق بنسائم التحول والتطور في الحاضر.
وأوضح أن الكاتب اعتمد على بنية زمنية تجعل المتلقي في رحلة سردية ممتدة عبر الزمان والمكان، كاشفة للتغيرات التي طرأت على المنطقة على مدار مائتي عام، ومع توظيف الحكايات الشعبية القريبة من وجدان الناس، يتنامى الإحساس بالانتماء، ويتسع مفهوم الهُوِيَّة من إطار المحمودية وخورشيد إلى الهُوِيَّة المصرية العامة، وهو ما دفع الباحث إلى تقديم قراءة تجمع بين رصد تجليات الهُوِيَّة ومحاولة تفكيك النسيج الفني لبنية السرد.
رواية «الطوق والأسورة »ورصد التحولات والمتناقضات في المجتمع لتشكيل صورة كُلِّيَّة لقرية نائية
وشهدت الجلسة مناقشة البحث الثاني بعنوان «رواية الطوق والأسورة ليحيى الطاهر عبد الله ورصد التحولات والمتناقضات في المجتمع لتشكيل صورة كُلِّيَّة لقرية نائية»، قدمه الشاعر سعيد شحاتة، حيث أوضح أن الرواية تعد من النماذج السردية ذات الدلالة التاريخية والاجتماعية، إذ ترصد حياة تجمع بين البساطة والتعقيد، وتتقاطع في سياقها مع واحدة من أهم القضايا العربية، وهي قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
وأكد سعيد شحاتة أن السرد يظل حاضرا في تناول القضايا الكبرى مهما اختلف السياق أو أسلوب المعالجة، سواء عبر الأسطورة أو الحكاية الشعبية أو الخرافة أو الأقصوصة أو الملحمة أو التاريخ أو المأساة والملهاة، بوصفه أداة إنسانية كاشفة لحكايات المجتمعات وتجاربها عبر العصور.
سعيد شحاتة: الخطابات الإبداعية والنقدية هي خطابات ثقافية مخصوصة
وأشار سعيد شحاتة إلى أن الخطابات الإبداعية والنقدية هي خطابات ثقافية مخصوصة، تكتسب خصوصيتها من طبيعة موضوعها وطرائق تمثيله، وتعكس إشكاليات اللحظة الثقافية التي نشأت فيها، موضحًا أن رواية «الطوق والأسورة» تتشابك فيها قضايا متعددة، من بينها الحضور العابر لقضية فلسطين، التي وإن لم تكن مركزية في السرد، فإنها تترك أثرا واضحًا لدى المتلقي.
سعيد شحاتة: رواية الطوق والأسورة تقدم صورة كلية لمجتمع صعيدي ناءٍ
وأضاف أن الرواية تقدم صورة كلية لمجتمع صعيدي ناءٍ، ترصد أحلام الأم البسيطة بزواج ابنتها وإنجابها، ثم استقبالها للموت في رضا وطمأنينة، إلى جانب رصد المعتقدات الشعبية والخرافات المتوارثة، واللجوء إلى«حلاق الصحة»، والخوف من الرموز والعلامات الشعبية، وهي مظاهر تكشف عن واقع اجتماعي تحكمه العشوائية وغياب المنطق.
وأكد أن يحيى الطاهر عبد الله استطاع من خلال صور زمكانية متلاحقة ولغة مكثفة أن يجسد مأساة الإنسان في هذا المجتمع، حيث تتفاعل الخرافة مع القهر والفقر والحرمان، مشيرًا إلى أن أعماله تمضي في إطار غير تقليدي، تتحرك فيه السرديات كما تتحرك مياه النهر، في تيار يجمع بين الحركة الطولية والأفقية، بما يعكس عمق التجربة الإنسانية التي تقدمها الرواية.
مناقشة «تحقيق مخطوطات التراث الشعبي»
و ناقشت الجلسة البحث الثالث بعنوان «تحقيق مخطوطات التراث الشعبي.. مدخل للبحث عن الخصوصية الثقافية»، قدمه الدكتور هشام عبد العزيز، حيث استعرض تطور جهود تحقيق المخطوطات منذ القرن التاسع عشر، مرورًا بأعمال المستشرقين، ثم إسهامات أعلام التحقيق مثل برجستراسر وعبد السلام هارون وصلاح الدين المنجد، وصولا إلى السيد رزق الطويل وغيرهم.
وأوضح دكتور هشام عبد العزيز أن هذه الجهود انصبت في معظمها على المخطوطات النموذجية التي يسهل تطبيق قواعد التحقيق التقليدية عليها، مشيرًا إلى أن مخطوطات الأدب الشعبي والثقافة الشعبية، بما تضمه من شعر وحكايات وسير وأمثال، تطرح إشكالات معقدة في الشكل والمضمون، ما يستدعي اعتماد أدوات منهجية مغايرة، لافتا إلى أن تجاهل هذه الخصوصيات أدى في بعض الأحيان إلى وقوع الباحثين في مزالق علمية.
هشام عبد العزيز : علم الفولكلور وتحقيق التراث يمثلان مدخلًا أساسيًا لفهم النصوص والمجتمعات
وأكد دكتور هشام عبد العزيز أن علم الفولكلور وتحقيق التراث يمثلان مدخلًا أساسيًا لفهم النصوص والمجتمعات، وأن الإحاطة بالسياقين الزماني والمكاني، والملابسات الثقافية لعملية تدوين المخطوطات، شرط رئيس لإنجاز تحقيق علمي رصين.
مؤتمر أدباء مصر تحت عنوان: «الأدب والدراما.. الخصوصية الثقافية والمستقبل»
ويُقام المؤتمر هذا العام تحت عنوان «الأدب والدراما.. الخصوصية الثقافية والمستقبل»، برئاسة الشاعر والسيناريست الدكتور مدحت العدل، وأمانة عامة للشاعر عزت إبراهيم، ويعقد بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر الدكتور مسعود شومان، وينفذ من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، وإدارة المؤتمرات وأندية الأدب، برئاسة الشاعر وليد فؤاد، بالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي، وفرع ثقافة شمال سيناء.
ويشارك في المؤتمر نخبة من الأدباء والمبدعين والباحثين والنقاد والإعلاميين، ويتضمن 11 جلسة بحثية، وورشًا متخصصة في كتابة الدراما والسيناريو، وموائد مستديرة، إلى جانب أمسيات شعرية وقصصية وعروض فنية، فضلا عن تكريم عدد من المبدعين والنقاد والإعلاميين، وإصدار مجموعة من الإصدارات التي تحتفي بشخصية الدورة وإبداعات أدباء شمال سيناء وأبحاث المؤتمر.
وتختتم فعاليات المؤتمر بعقد جلسة التوصيات في الثامنة والنصف مساء الاثنين 29 ديسمبر الجاري، إلى جانب تكريم عدد من الرموز الإبداعية في مصر، وتكريم خاص لمبدعي شمال سيناء من الأدباء والنقاد الذين قدموا إسهامات متميزة في الحياة الأدبية والثقافية المصرية.