الخميس 23 مايو 2024

في ذكرى رحيله .. القصري أضحك الدنيا ومات تعيساً

8-3-2017 | 16:11

كتب : خليل زيدان
تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكوميدي عبد الفتاح القصري ، وهو الرجل الذي أضحك الجماهير العربية من خلال أعماله الفنية ، ومازالت أعماله خالدة تبعث الفرحة والبهجة في القلوب وتقتنص الضحكة من خلال روعة أدائه وجميل لزماته.

بدأ عبد الفتاح القصري رحلته الفنية بالعمل في الفرق المسرحية بعد أن استولت عليه هواية التمثيل وكانت أولى الفرق التي عمل بها فرقة عبد الرحمن رشدي والتقطه بعد ذلك نجيب الريحاني ليعمل في فرقته بعدما لاحظ حضوره المسرحي وقوة تأثيره في الروايات وعوضه الريحاني بأجر أعلى من الفرقة السابقة وحتى يتفرغ للعمل المسرحي رغم أن القصري ولد لرجل ثري كان يعمل بنقش الذهب .

كان عبد الفتاح القصري مدرسة في التمثيل وجمال الأداء ، وقد وجد فيه نجيب الريحاني طاقة كامنة متجددة تظهر في كل دور يسند إليه ، حتى بعد انتقاله من عالم المسرح إلى السينما ظهرت تلك المواهب على الشاشة البيضاء وأظهرت براعة القصري في تقمص الأدوار ، ففي فيلم سي عمر عام 1940 شارك الريحاني بطولة الفيلم ، وأسند إليه دور عنصر الشر ، ورغم طبيعة القصري الطيبة إلا أنه كان مبدعاً في دور الرجل الشرير لدرجة تثير الخوف في قلوب المشاهدين ، ويأتي دوره الثاني أيضاً للشر في فيلم السوق السوداء مع عماد حمدي عام 1945 ، وهنا تتضح براعة القصري في تقمص الشخصيات الشريرة ليعود في مجمل أعماله بعد ذلك لشخصية الرجل الطيب وعنصر الكوميديا الذي لا غنى عنه لإنجاح العمل.

بلغت أعمال القصري السينمائية قرابة المائة فيلم بدأها بفيلم المعلم بحبح عام 1935 مع فوزي وإحسان الجزايرلي ثم فيلم أبو ظريفة عام 1936 ثم شارك الريحاني أول أفلام الريحاني وهو مغامرات كشكش بك وبسلامته عاوز يتجوز .. وبدأ نجم القصري يظهر من خلال فيلم سي عمر وفيلم لو كنت غني عام 1942 حيث ندد في الفيلم بتدني أجور الموظفين وسوء الأحوال الإجتماعية في جُمل كوميدية، ويأتي عام 1946 ليشارك القصري في ستة أفلام أبقته معظمها في ذاكرة الجماهير منها فيلم عودة طاقية الإخفاء مع محمود شكوكو وفيلم لعبة الست مع نجيب الريحاني وتحية كاريوكا ، ومع بداية عام 1949 تبدأ رحلة القصري مع إسماعيل يس بفيلم ليلة العيد ثم كلام الناس ومنديل الحلو ثم بيت النتاش والدنيا لما تضحك وحرام عليك ثم الآنسة حنفي وكدبة إبريل والعمر واحد وإوعى تفكر ومتحف الشمع وابن حميدو وإسماعيل يس في مستشفى المجانين ليأتي عام 1960 ويشارك القصري في فيلم سكر هانم مع سامية جمال ثم فيلم بين إيديك مع ماجدة وزينات صدقي وشكري سرحان وتختتم القصري مسيرته السينمائية بفيلم انسى الدنيا عام 1962 .

في بداية الستينيات لم يعد الإقبال على القصري مثل الفترة السابقة فعاد إلى المسرح مرة أخرى لتبدأ فجأة مأساته مع المرض .. فقد أصيب بفقدان البصر وهو يعمل في إحدى المسرحيات مع إسماعيل يس ، وبعد فترة عاد إليه بصره لتبدأ مأساته مع زوجته التي طلبت منه الطلاق ولم يكن قد أنجب منها ، وتزوجت من صبي كان يعطف عليه القصري ويعتبره ولده .. ويدخل القصري في دوامة الذهول من حوادث الدهر بعد أن استولت زوجته على الشقة وتركته في حجرة يعاني الفقر والمرض ، ويقف في شباك الحجرة يسأل المارة عن سيجارة والأطفال يضحكون عليه والدموع في أعين من يراه على هذه الحالة من جمهوره الذي يعرفه أيام مجده وشهرته .

وصلت أخبار حالته إلى زميلتين في رحلته الفنية بفرقة الريحاني والسينما وهما الفنانة الأصيلة نجوى سالم وماري منيب ، حيث ذهبتا إلى منزله لزيارته وقد أنكرت زوجته السابقة وجوده ومع إلحاح ماري ونجوى وإصرارهما على رؤيته والاطمئنان عليه أخرجته مطلقته وهو في حالة هذيان وشبه فاقد للذاكرة ، وأسرعتا بنقله إلى المستشفى للرعاية ولإبعاه عن هذا الجحيم الذي يعيشه ، وبعد فترة عاد القصري ليجد البيت الذي يسكن فيه آيلاً للسقوط وسيتم هدمه ..

لم تنقطع عنه أبداً الفنانة نجوى سالم ، فقد تركت كل أعمالها وتفرغت لمشكلة القصري ، وبدأت في التحرك حيث توجهت لنقابة الممثلين وحصلت على إعانة عاجلة 20 جنيها للقصري تم خصم 7 جنيهات منها اشتراكات متأخرة على القصري !! وطالبت نجوى النقابة أيضاً بمعاش شهري للقصري وبالفعل منحته النقابة معاشا 10 جنيهات .. وأسرعت نجوى إلى محافظ القاهرة وحصلت على شقة بمساكن الشرابية يسكن فيها القصري بعد عزه ومجده ، وحصلت أيضاً نجوى سالم على جهاز تليفزيون من صلاح عامر مدير مؤسسة السينما لعبد الفتاح القصري ليكون ونيسه في وحدته بعد أن وصل عمره إلى 57 عاماً .

ولم تقف الفنانة رقيقة القلب أيضاً هند رستم وهي ترى كفاح نجوى سالم من أجله ، فقد بدأت هند في حملة جمع تبرعات لعلاج القصري وأيضاً ليعيش منها ، وبالفعل جمعت مبلغ 350 جنيهاً كان أكثرها من فريد الأطرش حيث تبرع بمائة جنيه وتلاه عبد الحليم حافظ بمبلغ 50 جنيهاً ، ونرفق قائمة التبرعات ضمن الصور المنشورة .

ويأتي المشهد الأخير الأكثر حزناً في حياة رجل أبهج جماهير المسرح والسينما .. فقد تم نقل القصري إلى مستشفى المنيرة بعد أن ساءت أحواله الصحية ، ولازمته أخته بهية لرعايته وتلبية احتياجاته .. وفي صباح يوم الأحد 8 مارس تنتهي مأساة عبد الفتاح القصري ، فقد أعلن أطباء المستشفى وفاته .. نعم صعدت روحه إلى السماء ولكن أعماله باقية ، تسعد قلوب الصغار قبل الكبار .