الخميس 2 مايو 2024

قسم أبوقراط.. وضوابط أخرى.. بين الطبيب والمريض

9-3-2017 | 10:28

بقلم – أ . د . محمــــد بهائــــــى السكـــــــرى

عادت بى الذاكرة سنوات كثيرة إلى العام الذى حصلت فيه على شهادة التوجيهية، وفكرت فى الالتحاق بكلية الهندسة قسم العمارة، حيث كنت أتوق إليها، واستشرت والدى رحمه الله،  وكان مجموعى يسمح لى بكلية الطب بسهولة فقال لى: يابنى إن العمارة فن راق وجميل، ولكنى أفضل لك مهنة الطب.. إن الطبيب على صلة وثيقة بالله سبحانه وتعالى، وهو يقدم العلاج لمرضاه، ولكن الشافى هو الله، إن دراسة الطب فيها جانب روحانى كبير كما فيها اقتراب شديد من الله وآياته فى خلق الإنسان.
وأطعت والدى وسعدت بهذا الاختيار، وبعد سنوات قليلة حضر والدى ووالدتى رحمهما الله حفل تخرجى فى طب جامعة القاهرة،  واستمعا إلى الخريجين وهم يرددوا القسم الذى استلهمت بعض مقاطعه من قسم «أبوقراط» أبو الطب، الطبيب الإغريقى الذى ولد عام 460 ق.م ومات عن عمر يناهز التسعين عاما ووضع أسسا للدراسة العلمية للأمراض بعيداً عن السحر والشعوذة، وفى حدود ما جاد به العلم عليه فى ذلك العصر السحيق منذ أكثر من ألفى عام قبل اختراع المجهر والكهرباء واكتشاف الكثير من الأشياء .
وفى الحقيقة إن قسم أبو قراط به كثير من القواعد السامية التى ترسم للطبيب طريقة التعامل مع المرضى، مثل بذل أقصى جهد، واحترام الخصوصية، وتجنب إفشاء الأسرار، والامتناع عن إيذاء المرضى أو استغلال نقط الضعف فيهم، والنهى عن إجهاض الحوامل واستخدام السموم فى القتل.
وكان المقسم يتجه بقسمه إلى آلهة الإغريق القدماء، ويلتزم بطاعتهم وهذا شئ عفى عليه الزمان وهدمته الأديان.
ونعود إلى لبّ القسم الذى يحرص على أن يكون الطبيب شريفا حكيما رحيما أمينا وأن يعامل مرضاه برفق ومودة ويحترمهم كبشر وليس كحالات مرضية أو حيوانات للتجارب .
وكما تطورت مهنة الطب كثيرا واتسعت المعلومات والحقائق وتوالى اكتشاف العقاقير وأجهزة التشخيص والعلاج تطور قسم أبو قراط ليصبح أكثر ملاءمة للعقل والمنطق والتقدم .
ولعل أول قانون شرع لأدبيات ممارسة مهنة الطب كان فى القرن الخامس الميلادى فى عهد الملك تيودور العظيم . وفى العصور الوسطى دانت مهنة الطب لعلماء مسلمين مثل اسحق ابن على الذى كتب كتابا عن مسلك الطبيب مع المريض ولابن سينا فى كتابه الشهير «القانون فى الطب» ولمحمد ابن زكريا الرازى .
فهؤلاء الأطباء لم يكفهم نبوغهم فى التشخيص والعلاج، ولكنهم التفتوا إلى أدبيات تعامل الطبيب مع المريض. ذلك الطبيب الذى كان يفضل أن يطلق على نفسه لفظ «الحكيم»  لأنه يتعامل مع المريض بالحكمة بالإضافة إلى العلم والرحمة ..
ومع التقدم الطبى واتساع نطاق العلاج ووسائله زاد الاهتمام بأدبيات ممارسة المهنة.
ففى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر زاد الاهتمام بقواعد ممارسة الطب وأدبيات تعامل الطبيب مع المرضى، وفى أمريكا العالم الجديد وضعت لوائح يلتزم بها من يمارس مهنة الطب.
وفى القرن العشرين فى عام 1964 بلور لويس لاساجنا عميد كلية الطب فى جامعة تفتس قسم الأطباء فى كلمات واضحة محددة.
أقسم أن استخدم كل إمكاناتى وقدراتى على الحكم ومهارتى لصالح المريض وأن استخدم كل ما يمكن استخدامه وأن أتجنب مخاطر المبالغة فى العلاج أو الاستهتار به واستخدامه بدون داع.
كما احترم آراء أساتذتى الذين سبقونى وأن أشرك غيرى فيما عندى من معلومات .
كما سأتذكر أن العلم وحده لا يكفى فى العلاج بل لابد معه من الرحمة والتعاطف مع المريض، فذلك لا يقل أهمية عن المشرط والعقاقير.
كما لن أخجل من الاعتراف بأننى لا أعرف شيئا ما لم يبلغه علمى وتخصصى واستشير من هو أكثر دراية منى كما سأحترم خصوصيات المرضى ولا أفشى أسرارهم .
كما سأتذكر أننى لا أعالج رسماً بيانياً لحرارة جسم المريض أو نمو ورم فيه بل أتعامل مع إنسان مريض له مشاعر وأحاسيس.
كما أن مسئوليتى تمتد إلى أن أأخذ فى الاعتبار مشاكل المرضى وحالتهم المادية.
كما سأهتم بالوقاية من الأمراض قدر اهتمامى بعلاجها، لأن الوقاية دائما خير من العلاج.
كما سأتذكر أننى فرد فى المجتمع له التزام تجاه كل فرد فيه سواء كانوا مرضى أو أصحاء .
فإذا التزمت بذلك، فأرجو أن تدوم لى متعة علاج المرضى والتخفيف عنهم.
إنه ميثاق شرف بين الطبيب والمريض. وهو لا يأخذ فى الاعتبار النواحى المادية، لأنها ليست المحور الأساسى فى التعامل، كما أن الله سبحانه جلّ وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa