نسعى
دائماً في بوابة الهلال إلى التفرد، خصوصاً في طرح كنوز الماضي بما يواكب الأحداث،
وفي ذكرى رحيل كوكب الشرق أم كلثوم التي تحل اليوم، كان لا بد أن نبحث عما يسعد
محبيها وعشاق فنها، وأن نضيف جديداً يؤرخ لمسيرتها الفنية.
أم
كلثوم ومصاريف الطلبة
أقيم في 23 مارس عام 1961 حفل خيري بدار سينما ريفولي، أحيته كوكب
الشرق أم كلثوم وهو ثاني حفلات "يوم الطالب"، وخصص إيراد الحفل للطلبة
غير القادرين على دفع مصروفات دراستهم، وكانت وزارة التربية والتعليم قد تبنت
المشروع واجتمع وزير التعليم أحمد نجيب هاشم بنجوم الفن في فندق سميراميس، وشرح
لهم أهداف الفكرة النبيلة، ونتج عنها حفل أول، وتلاه حفل أم كلثوم الذي نرصد
أحداثه اليوم.
أجواء
الحفل
امتلأت دار سينما ريفولي عن آخره بجمهور غفير من المواطنين والأشقاء من الأقطار
العربية، جمعهم عمل الخير وحب صوت أم كلثوم، وشدت أم كلثوم في وصلتها الأولى
بأغنية "هجرتك" وتسلل صوتها الساحر يسلب الآذان والمشاعر، وكان كالدفء
الذي يسري في نفوس الحاضرين وعلى رأسهم وزير التعليم ومحافظ القاهرة.
أم
كلثوم تغني وهي محمومة
غنت أم كلثوم وصلتها الأولى وكانت درجة حرارتها مرتفعة، ولو لم يكن الحفل خيرياً
من أجل هدف نبيل، لاعتذرت عن الغناء، فالإجهاد كان واضحاً على ملامحها، ورغم التعب
كانت تغني وكأنها قد تخلصت من سخونة الحمى، وعقب الوصلة الأولى أسرع الوزير ومحافظ
القاهرة بالذهاب إلى حجرتها للاطمئنان عليها، وشكراها على تلبية الدعوة رغم مرضها.
الحفناوي
يحقن أم كلثوم
حرص الطبيب حسن الحفناوي زوج أم كلثوم أن يهرول إليها بعد كل وصلة غنائية كي
يحقنها لتنخفض حرارتها لتقوى على استكمال الحفل، وهكذا استطاعت أن تتغلب على
ارتفاع درجة الحرارة، بينما اشتدت حرارة التصفيق عند الجمهور عندما غنت في وصلتها
الثانية أغنية "حب ايه" واختتمت بأغنية "الحب كده".
المصورون
يعكرون صفو أم كلثوم
رغم نجاح الحفل فنياً ومالياً إلا أن هناك ما حدث من مضايقات كان من شأنها أن تعكر
صفو أم كلثوم، ومن تلك المضايقات كانت الأضواء المتوهجة التي سلطها مصور
التليفزيون على أم كلثوم، حتى إنها وضعت يدها على عينيها حتى أُطفئت الأنوار، ونبه
طه النمر وكيل وزارة التعليم على المصور بتقليل الضوء، وأيضاً عدسات المصورين التي
أدخلت الضيق على نفس أم كلثوم بسبب توهج الفلاشات التي تربصت لتصويرها عن قرب.
أخطاء
من دار سينما ريفولي
لم يكن السماح للمصورين المتجولين في الحفل هو الخطأ الأول لإدارة سينما ريفولي
بحجة أنهم مستأجرون ولا يمكن منعهم، بل الخطأ الفادح الثاني هو ترك باعة المرطبات
والسندويتشات للتجول بين صفوف الجماهير بصوتهم النحاسي الممطوط عدة مرات، ولعل
أكثر ما ضايق أم كلثوم في ذلك الحفل الرائع هو التيارات الهوائية التي تمر عبر
الأبواب المفتوحة بجوار وخلف المسرح، ما دعا أم كلثوم أن تلتفت يمينا ويساراً
أثناء الغناء كي تجد من يفهمها لغلق تلك التيارات الهوائية.
طرائف
الحفل
اندمج
الجمهور مع كوكب الشرق في وصلتها الثالثة، وبدأت التعليقات تظهر، لكنها توقفت عن
الغناء وضحكت وهي تشير إليهم دون كلام وكأنها تقول لهم "مابحبش الطريقة
دي" وسكت الجمهور على الفور تلبية لرغبتها، والأكثر طرافة أن صبياً في
الثانية عشرة من عمره وقف في عرض الصالة الكبيرة ينادي على شقيقه التائه بصوت
مرتفع "يا فاروق .. يا فاروق"، وذلك أثناء غناء أم كلثوم، فأسرع أحد
المسئولين بوقف نداء الصبي.. وعن ذلك الموقف سأل محمد عبده صالح أم كلثوم بعد
نهاية الحفل: سمعتِ الولد اللي كان بينادى على أخوه؟
فضحكت أم كلثوم قائلة : سمعته يا خويا.. لكن
هو الواد ابن الإيه ده ما عرفش لسه إن فاروق طردوه من زمان؟
الحفل مفقود
قبل الشروع في كتابة المقال بحثنا جيدًا عن أي تسجيل صوتي أو مرئي لذلك الحفل، فلم
نجد ما يشير إليه حتى في أكبر مواقع الطرب الأصيل ومنها منتدى سماعي الذي يهتم
برصد وتأريخ كل ما غنت أم كلثوم منذ بداياتها وحتى رحيلها، ومن المؤسف اختفاء ذلك
الحفل الذي صورته كاميرات التليفزيون وسجلته الإذاعة المصرية، ومن الأغرب ألا توجد
صورة واحدة أو بيان عنه إلا ما رصدته وصورته مجلة الكواكب رغم كثرة المصورين كما
ذكرنا من قبل، وهنا يتأكد أن إصدارات دار الهلال ومنها الكواكب، خير راصد للأحداث
في مصر.