تحل اليوم ذكرى رحيل الفنان زكي رستم، وهو رائد من رواد السينما المصرية، حيث بدأ العمل بها منذ نشأتها تقريبًا، ويعد من الظواهر الفنية التي لم تتكرر، وقد حرص في مشواره السينمائي على تنوع أدواره، فهو الأب الحنون في فيلم "أنا وبناتي" وهو الموظف البسيط في فيلم "معلهش يا زهر" وهو الباشا الشرير في فيلم "صراع في الوادي"، وهو أيضًا تاجر الفاكهة الشرير في فيلم "الفتوة".

ومن عوامل ازدهار فن التمثيل منذ نشأته وجود نجوم يعملون به حبًّا له وليس طمعا في ثراء أو شهرة ، ومنهم الفنان زكي رستم، فهو سليل أسرة عريقة ميسورة الحال، وتربى منذ ولادته في 25 مارس 1903 في قصر جده محمود رستم باشا بحي الحلمية، وسط أسرة أرستقراطية وحصل والده زكي محرم على البكوية وكان مقربًا من زعماء النضال الوطني ومنهم مصطفى كامل.

حصل زكي رستم على شهادة البكالوريا وحاول والده أن يلحقه بكلية الحقوق إلا أنه آثر أن لا يكمل تعليمه واتجه إلى رياضة رفع الأثقال حتى نال لقب بطل مصر، وحصل على المركز الثاني في الوزن الثقيل، إلى أن التقى صديقه الفنان عبد الوارث عسر الذي لمس الميول الفنية لدى زكي رستم فألحقه بفرقة مسرحية للهواة.

التحق زكي رستم بفرقة جورج أبيض وكان والده قد فارق الحياة، ولم يكن أمام والدته إلا أن تخيره بين الفن وبين الحياة معهم، فلديه شقيقتان وعمله "مشخصاتي" سيؤثر على سيرة العائلة وأيضًا سيكون حائلاً أمام زواج شقيقتيه، فاختار الفن طريقًا له وانفصل عن والدته وإخوته، ليعيش وحيدًا في شقة منفصلة.
تنقل زكي رستم في بداية مشواره الفني بين عدة فرق مسرحية إلى أن اختاره المخرج محمد كريم ليشارك في فيلم "زينب" الصامت أمام الفنانة بهيجة حافظ ، بعدها شارك بدور "شفيق بك" في فيلم "الوردة البيضاء" مع محمد عبد الوهاب، وقد أصبحت السينما ناطقة، وعاد ليشارك بهيجة حافظ بطولة فيلم "الضحايا" وعرض الفيلم بسينما رمسيس وهي أول دار عرض سينمائية.
لم يبحث زكي رستم عن ثراء أو شهرة عند التحاقه بالفن، فكانت عائلته ميسورة الحال، ويكمن سر براعته في التمثيل لحبه الشديد للفن، وقد شارك رواد السينما في العديد من أعمالهم ومنهم بهيجة حافظ وآسيا وماري كويني وفاطمة رشدي، لذا كان رستم من رواد السينما الذين تركوا أعمالاً خلدتهم، فما رصده تاريخ السينما لزكي رستم 57 فيلماً فقط وبعضها أيضاً مفقود، وأشارت بعض المصادر إلى أنه شارك في أكثر من 240 فيلماً.
حرص زكي رستم على تنوع أدواره وتمكن من تطويع قسماته وتعبيرات وجهه وحركات جسده لخدمة الدور الذي يقوم به، كما اشتهر بحسن الإلقاء الممزوج بنبرة الصوت القوي، وقد شاركته فاتن حمامة بطولة عدة أفلام، منها "أنا الماضي" و"عائشة" و"صراع في الوادي" و"وحب ودموع" و"لن أبكي أبداً" و"نهر الحب"، وفي تصريح لها قالت إنها كانت تخشى الوقوف أمامه أو التمثيل معه، فما أن تدور الكاميرا حتى تراه اندمج مع شخصيته في الفيلم بكل أبعادها، فكان والدها القاسي في فيلم "عائشة" وزوجها الصارم في فيلم "نهر الحب"، وأكدت أنه في أثناء تمثيل أي مشهد فيه حدة أو احتدام كان يدفعها بقوة لتسقط على الأرض بقسوة بسبب اندماجه في الدور، لذلك كانت تخاف من التمثيل أمامه، لأنه لا يتوقف عن التمثيل بجدية شديدة إلا بعدما ينتبه لصوت المخرج وتصفيق فريق العمل له إيذانًا بانتهاء المشهد.