كتب : خليل زيدان
تحل، اليوم السبت، ذكرى ميلاد أقوى صوت فى عالم الطرب فى مصر، وهو المطرب صاحب الصوت العذب محمد قنديل، وهو - بشهادة عظماء الموسيقى والغناء - أعظم صوت فى الوطن العربى.
ولد محمد قنديل فى حى شبرا فى عائلة فنية، فوالده كان عازفاً للعود، وأمه صاحبة صوت جميل، وزوج عمته وعمته أيضاً من المطربين، والتحق بمعهد الاتحاد الموسيقى وعمره 9 سنوات، عندما لاحظت والدته جمال وقوة صوته، وأقنعت والده بالتقديم له فى المعهد ليصقل موهبته.
بدأ قنديل مشاركته بالغناء لأول مرة فى السينما فى تابلوه القطن فى فيلم عايدة، بعد أن اختارته أم كلثوم لجمال صوته، وتلقاه بعد ذلك الموسيقار كمال الطويل ليلحن له أول وأشهر أغانيه " يارايحين الغورية"، التى لاقت نجاحاً كبيراً حتى الآن، وتعاون قنديل مع معظم الملحنين لتصل أغانيه إلى ألف أغنية، وهو رقم لم يسبقه إليه أحد ، وتنوعت أغانيه بين العاطفية والدينية والوطنية، أشهرها أبو سمرة السكرة، وسحب رمشه، ورد الباب، وماشى كلامك، وسماح، والحلو أبو شامة، وبين شطين وميّة، وثلاث سلامات، وجميل وأسمر، وعاشق يا بنات النيل، وما بين البر والتانى، ويا حلو صبح، ومن الأغانى الدينية والله بعودة يا رمضان، ومآذن القاهرة، ومداح الرسول، ومولد الهادى، ويا طالب الغفران، ومن الأغاني الوطنية يا قدس فين الآذان، وياليالى العرب، ووحدة ما يغلبها غلاب، يا أرضنا يا طيبة، وأرض يوليو، وأرفع يا شعب العلم، وأرض العرب، وآدى القنال يا مصر، ونشيد الجزائر ونشيد اليمن.
كان محمد قنديل أول من ساند ثورة يوليو وغنى لها، ومن الطريف أنه فى وقت إنذار الملك فاروق بالتخلى عن الحكم ، لم يكن أحد يعرف ما ستأول إليه الأحداث، فالملك لم يرد ومازال بالبلاد ، فاتصل الموسيقار أحمد صدقى بالمطرب محمد قنديل وقال له إن هناك أغنية تدعم الثورة وهى "ع الدوار" فهل تأتِ لتقوم بغناءها ؟، ورحب قنديل وذهب إلى الإذاعة، وفى ساعات قليلة أجرى البروفات مع أحمد صدقى، وتم إذاعة الأغنية رغم أن فاروق كان لم يزل بالبلاد ، وعلق قنديل في حديث إذاعى أن فاروق لو بقى في الحكم لأطاح برأسى أنا وأحمد صدقى.
وشارك أيضاً محمد قنديل فى حفلات المجهود الحربى من خلال الوفود الفنية المصرية التي كانت تطوف الدول العربية، وكان هناك حفلاً بدولة الجزائر أقيم في الصحراء الواسعة ليستوعب الجماهير الكبيرة، وأعد مسرحاً كبيراً وكان الجيش الجزائري بدباباته ومعداته يحيطون بالحفل لحمايته، ومن الطريف أن حقيبة ملابس محمد قنديل لم تأت على نفس الطائرة ، فوقف قنديل حائراً ماذا يفعل ، خصوصاً أن بالحقيبة الملابس التي يرتديها في الحفل ولم يكن قنديل يملك غير القميص والبنطلون الذي يرتديهما ولا يصح أن يقف أمام الجمهور في حفل كبير بدون بدلة كاملة .. فلاحظ المطرب كارم محمود حزن قنديل وحيرته، فقال له : لا تحزن عندى الحل، سأصعد إلى المسرح وأغني أنا أولاً، وبعد أن أنتهى سأعطيك الجاكيت الخاص بي لكي ترتديه ، وبالفعل أنهى كارم محمود أغنيته وفي كواليس المسرح أعطى لقنديل الجاكيت لكى يغني به، وأثناء غناء قنديل لوصلته ظل يتبادل النظرات والضحكات الخفيفة مع كارم محمود القابع في الكواليس.
وعن علاقة قنديل بالموسيقار عبد الوهاب وأسباب عدم تلحينه لقنديل، فيروى الملحن عبد العظيم عويضة فى حديث إذاعى أن أسباب ذلك ترجع لموقف حدث بين عبد الوهاب وقنديل، وهو أن أعداء عبد الوهاب أيام انتخابات رئاسة نقابة الموسيقيين تمكنوا من أقناع قنديل بالوقوف أمام عبد الوهاب لمنعه من رئاسة النقابة، وبالفعل نجح قنديل في تنفيذ رغبة المحرضون، ومن المفترقات العجيبة أن قنديل كان الصوت المفضل عند عبد الوهاب ولم تخل سهرة فنية في بيت عبد الوهاب قبل وبعد الأنتخابات من وجود قنديل ، عبد الوهاب كان يعلم طيبة قلب قنديل ، وكانت أم كلثوم أيضاً تصف صوت قنديل بأنه أقوى صوت في مصر ، واستغل بعض الإعلاميين بلبنان وجود عبد الوهاب فذكروه برأى أم كلثوم، ورغم الموقف الذى حدث بين عبد الوهاب وقنديل إلا أن عبد الوهاب أكد فعلاً كلام أم كلثوم وامتدح صوت محمد قنديل، وكان بين الحضور الفنان عبد الحليم حافظ الذى أضاف أن عمر صوت قنديل أطول من أعمار أصواتهم.
وشارك قنديل بالغناء فى 18 فيلماً أشهرها فيلم شاطئ الأسرار، بدأها بفيلم الأحدب مع سامية جمال، ومحمود إسماعيل، وشهرزاد، عام 1946، واختتم مشاركته السينمائية عام 1963، بفيلم القاهرة فى الليل، ومن أشهر الأفلام التى شارك فيها بالغناء فيلم شاطئ الأسرار مع ماجدة، وفيلم الإيمان مع محمود المليجى، والمطرب عباس البليدى، والأستاذة فاطمة مع فاتن حمامة، وإبن ذوات مع إسماعيل يس، وعزيزة مع نعيمة عاكف، وصراع فى النيل مع عمر الشريف، وبعد النجاح الساحق لفيلم صراع فى النيل، تحدث مخرج الفيلم مع قنديل فى عمل فيلم غنائى ليقوم قنديل ببطولته، على أن يكون قنديل هو المنتج، ويروى قنديل فى حديث إذاعى أنه لم يكن وقتها يملك المال لتحقيق هذا العمل مع عاطف سالم.