الأربعاء 15 مايو 2024

اقترضت أحلام أختى وأصبحت بها ممثلة

12-3-2017 | 11:50

للوجه الجديد : زبيدة ثروت

إذا كان الكتاب يشغفون دائما بدس صدفة عجيبة فى سطور قصصهم فإن الاقدار، والاقدار أبرع من كتاب الأرض قاطبة، قد وضعت فى حياتى صدفة لا يصدقها العقل.

كان التمثيل حلما من الأحلام التى طافت ببيتنا، ولكنه استقر فى رأس شقيقة لى اسمها حكمت، تكبرنى بعشر دقائق فقط لأننا توأمتين، وكانت إذا ذهبنا إلى سينما أطالت الحديث عن فاتن وشادية ومريم وماريلين مونرو وكنت أطيل الحديث عن موسيقى شوبان وألحان عبدالوهاب أو سيمفونيات بيتهوفن لأننى لم أكن أحب شيئا قدر ما أحب الموسيقى، وقد اخترتها لتكون هوايتى فى أوقات الفراغ، وأعددت نفسى لاكمل الدراسة الجامعية.

ثم حدث فى العام الماضى أن قمت بدور تمثيلى صغير فى مسرحية هارون الرشيد باللغة الانجليزية، كنت زبيدة زوجته، الاسم فقط وهو اسمى الأصلى هو الذى أقنعنى بقبول الدور، وقد دربنى المخرج تدريبا جعلنى أؤديه بنجاح لم يكن يتصوره، وبدأ يهمس لمن حولى بأننى سأكون ذات مستقبل إن أنا سرت فى الطريق إلى نهايته.

وفى هذا العام أعلنت "الكواكب" عن مسابقتها لاختيار وجوه جديدة لفيلم "دليلة" وقد مررت بها مرورا عابرا، ولكنى ما أن وصلت إلى المدرسة، مدرسة الرمل الثانوية للبنات، حتى وجدت المدرسات والتلميذات صديقاتى قد عقدن مؤتمرا يناقشن فيه موضوع اشتراكى فى المسابقة.

ولكنى قلت لهن فى حيرة:

- طولوا بالكم لما نشوف رأى بابا!

ولكنى كنت على ثقة من أن أبى لن يرفض، فهو بحكم مهنته كضابط بحرى طاف أقطار الأرض وتحرر مما يلتصق فى عقول الرجعيين من تزمت لا طائل تحته، كان - ولا يزال - يشجع كل هواياتى، أحببت الموسيقى فاتفق مع كبار الموسيقيين فى الاسكندرية ليعطونى دروسا فى الموسيقى، وهويت الرسم فأخذنى لمن يعلمنى أصوله، وتعلمت السباحة فكان يذهب بى إلى حوض السباحة ويراقبنى الساعات الطوال وأنا أسبح.

عدت إلى البيت، وأخرجت "الكواكب" من حقيبتى، وقلت لأبى وأنا أشير له على صفحة المسابقة: - من فضلك اقرأ دى يابابا.

وقرأها، ورفع رأسه بعد ثوان ثم قال: - وبعدين..

وأدركت أنه بدأ يحاورنى، فقلت له فى استسلام:

- وبعدين أمرك يابابا...

فقال العسكرى الحازم وعلى وجهه ابتسامته التى صادف بها كل أنواء البحار: - مافيش مانع..!

وكدت أرقص فرحا، وكتبنا إلى مجلة "الكواكب" البيانات المطلوبة وأرسلنا لها الصور ومضت على ذلك أيام كنت أترقب فيها النتيجة دون أن يلوح فى الافق شىء يبشر بالأمل أو بالفشل . وذات ليلة كنت ألعب مباراة حامية فى البنج بنج فى ندى "الامريكان ميشين" حين دوى جرس التليفون، وجاء من يقول لى:

- باباكى على التليفون

وهرولت إلى السماعة لاسمع صوته يقول

- زبيدة؟..

- أيوه يا بابا.. خير؟

- خير قوى.. جالك تلغراف من مجلة "الكواكب" ولازم تسافرى بكرة الصبح بدرى علشان فيه مقابلة مع لجنة المسابقة.. ياللا بقى تعالى علشان تجهزى نفسك.

وطرت إلى البيت، كانت الفرحة ترعش كل جسدى، وحين أغلقت بابا حجرتى دونى بكيت من فرط فرحتى ثم جففت دموعى واتجهت إلى سماعة التليفون لابلغ صديقاتى بالنبأ الذي يسرهن.

وفى الصباح استقللنا - أبى وأنا - أول قطار إلى القاهرة، كنت محملة بتمنيات مدرسة كاملة، محملة بقبلات اختى التى تنازلت لى عن أحلامها وتركتنى أحققها لنفسى، وكان أول ما فعلناه أن اتجهنا إلى دار الهلال، ووصلنا قبل الموعد المحدد لنا بساعة كاملة، فجلسنا ننتظر وصول أعضاء اللجنة.

وانتابنى شعور التلميذة التى تدخل الامتحان لمادة ليست مكتوبة فى كتاب، ولا هى درست لها فى فصل أو مدرسة، وكانت نظرات أبى لى تبث فى قلبى الشجاعة.

وحققت لى الاقدار أمنيتى فنجحت أمام المخرج البارع كريم، ثم نجحت امام عدسة وحيد فريد القاسية، وأصبحت واحدة من بين الثلاثة اللواتى وقع اختيار اللجنة عليهن ليقمن بأدوار في فيلم دليلة.

إننى أحب الفن، وأحب أهله، أحب فاتن وشادية ومريم، وأحب عماد ومحسن وحسين صدقى، وأحب كل الناس الذين اختارت لى الاقدار مستقبلا بينهم.. وأن كنت أعتزم الاستمرار فى الدراسة حتى أحصل على أجازتى الجامعية.. فالفن فى نظرى لا يكتمل ويصلح إلا بالثقافة العالية والاطلاع الدائم.

نسيت شقيقتى..

إنها فى الأيام التى اتجه فيها إلى استوديو السينما لأحقق أحلامها تتجه إلي المدرسة والبيت لتواصل علومها، وتعد نفسها لتكون طبيبة... وهكذا تبادلنا الامنيات!..

العدد 228 الكواكب - 12 ديسمبر 1955