انطلقت فاعليات المؤتمر الدولي الأول لكلية أصول الدين
بالقاهرة، اليوم الأربعاء، بالتعاون مع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، والذي يعقد تحت عنوان
"قراءة التراث الإسلامي بين ضوابط الفهم وشطحات الوهم" بمشاركة نخبة من
العلماء والمفكرين من 20 دولة من مختلف دول العالم، وذلك بقاعة الأزهر للمؤتمرات بمدينة
نصر، برعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر.
وقال أ.د عباس شومان وكيل الازهر، خلال افتتاح المؤتمر، إن هذا المؤتمر ليس الأول الذي عقده الأزهر الشريف من أجل
التراث، ولكنه عقد العديد من المؤتمرات في هذا الصدد، وهذا المؤتمر يأتي تنفيذًا لتوصيات
مؤتمرات الأزهر التي عقدها من قبل، لأن الأزهر حينما يعقد مؤتمرًا يعمل على تنفيذ توصيات
المؤتمر ويحول هذه التوصيات إلى خطط لتفيذها في الواقع.
وأكد وكيل الأزهر أن الأزهر أولى تراثنا
الإسلامي مكانة كبيرة، وهذا ليس بكلام بل أسرع في تنفيذ توصيات المؤتمرات السابقة من خلال
معرض الكتاب، حيث قدم مجمع البحوث أكثر من 100 كتاب تعرف بالتراث وبعظمته، وكان عليها
إقبال كبير بخلاف مركز الترجمة الذي قدم أكثر من 150 عنوانًا تبين حقيقة الإسلام
وتراثه وتوضح ما هو مقدس وما هو من كلام بشر بأكثر من عشر لغات تعرض في العديد من
المؤتمرات في دول العالم.
وشدد شومان على أن نظرة الأزهر الشريف
إلى التراث الإسلامي نظرة فخر واعتزاز بكل ما فيه من كنوز ثمينة، مشيرا على اتفاق العلماء على أن كتاب الله وما ثبت صحته عن رسول الله لا يجوز المساس به وغير قابل للاجتهاد،
أما ما فيه خلاف فلا مانع من الاجتهاد فيه.
وأضاف وكيل الأزهر: إننا نعتز بما قدمه سلفنا
الصالح، فقد فتحوا باب الاجتهاد والتجديد بما يتناسب مع المكان والزمان، وأنهم رفضوا
أن يتمسك أحد باجتهادهم باعتباره قرآنًا معصومًا بل لابد من الاجتهاد فيه إذا تطلب
الأمر، مؤكدًا أن الأزهر لن يتخلى
عن تراثنا الإسلامي ولن يتنكر له، بل سيبقى حارسًا عليه ومتعاونًا وماددًا يد العون
لكل المؤسسات الدينية المهتمة به، وسيبقى الأزهر مدافعًا عن التراث وفاضحًا لكل من
يحاول النيل منه.
وقال أ.د محمود حمدي زقزوق عضو
هيئة كبار العلماء، إن التراث ميراث لابد من المحافظة عليه، ولكن لابد من تنميته، مضيفًا أنه لا يجوز أن نقول إن الإسلام هو التراث، بل هو قائم على الكتاب والسنة، موضحا أن التراث
شيء والكتاب والسنة شيء آخر.
وأضاف فضيلته لا يجوز الخلط بين العمل
البشري وأصول الإسلام؛ لأنه يسيء إلى الإسلام نفسه، موضحًا أن الهجوم على الإسلام
أساسه الهجوم على التراث الإسلامي، لذلك علينا أن نميز التراث الإسلامي والإسلام نفسه.
وقال أ.د محمد حسين المحرصاوي رئيس
جامعة الأزهر، إنه من المفارقات العجيبة أن يبدأ هذا المؤتمر بعد افتتاح ترميم الجامع
الأزهر وهو له مغزيان، مغزى بالمكان وهو تطويره وتحديثه بما يتناسب مع العمارة الحديثة، ومغزى بالمعنى في تجديد التراث بصورة تتناسب مع العصر، لنؤكد أن التطوير والتجديد سمتان ومطلبان لكل عصر، مضيفًا أن المملكة العربية
السعودية هي من تكفلت بتطوير الجامع الأزهر، وهذا يدل على أن الأزهر للعالم كله وليس
لمصر وحدها، وكذلك حضور وفود من أكثر من عشرين
دولة ممن يمثلون العالم في هذا المؤتمر، للتأكيد
أن التراث الإسلامي للعالم أجمع، ونحن نسعى لإحيائه والمحافظة عليه.
وقال أ.د شوقي علام مفتي الجمهورية: إننا نفخر بالجهود التي بذلها العلماء القدامى، مطالبا المشاركين في المؤتمر بالخروج
بتوصيات تدعم الاجتهاد من أجل الحفاظ على التراث بما يتناسب مع العصر.
وقال الدكتور حاتم العوني أستاذ بجامعة
أم القرى بالسعودية: يجب علينا أن نسعد بتراثنا، فهو مصدر عز الأمة، مشددا على أن المعتدين
عليه أصبحوا يمثلون خطرا على الأمة، مشيرا إلى أهمية دور الأزهر الشريف في الحفاظ على
التراث، فالأزهر الشريف بوسطيته وبغيرة علمائه على الدين هو صاحب الشأن في الحفاظ
على التراث، قائلا: أيها الأزهر، نستودعك بعد الله تراثنا تجديده وحمايته من عبث العابثين، فأنت الركن الحصين في الحفاظ عليه.
وقال الدكتور عبد الدايم نصير مستشار
شيخ الأزهر، إن جامعات العالم تهتم بالعلوم الإسلامية وتنشئ أقساما لها وهو ما يستدعي
التواصل والبحث الجيد لمتابعة هذه التطورات، مشيرا إلى أن فضيلة الإمام الأكبر إبان
قيادته لرئاسة الجامعة حضر مؤتمرا بالولايات المتحدة الأمريكية واستمع لباحثة غير مسلمة
تتحدث في التراث الإسلامي، الأمر الذي جعله يفكر في إعداد جيل مثقف متعلم للغات الأجنبية
حتى يتواصل مع باحثي الغرب.
وأضاف نصير أن شباب الباحثين الذين
تعلموا اللغات في جامعة الأزهر من خريجي الكليات الشرعية استطاعوا الحصول على منح علمية
مكنتهم من رصد الدوريات الأجنبية التي تتحدث عن العلوم الإسلامية والعربية.
وأكد الدكتور عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن تراث الأمة هو إرثها الحضاري، وذاكرتها الحافظة
لتطور العلوم والمعارف والمناهج والعقول والثقافة والفنون، موضحًا أن ما من أمة شيدت
صروح المجد وبنت عزها إلا من خلال البناء على تراثها والاستفادة من تجاربه ومناهجه،
فكان حاضرها امتداداً لماضيها، ومستقبلها ما هو إلا بناء تراكمي لذلك الماضي والحاضر.
وأوضح عميد أصول الدين أنه قد تعددت
القراءات للتراث بين مقدس ومدنس، وخرجت أطروحات صادمت العقل والنقل ولم تعظم النقل،
فوصلنا إلى مأزومية اللحظة، لذلك كان واجبًا على قلعة العلم الأزهر الشريف أن تعيد
تقييم هذه القراءات المتعددة للتراث، لتجيب عن إشكاليات غياب المنهجية وتبرز للأمة
رؤية متكاملة لتستفيد من تراثها وتواكب متغيرات عصرنا، مشددًا على أن الدفاع عن التراث الإسلامي
وقضاياه لا يعني أن التراث نص مقدس ولا يعتريه خطأ، بل إن كاتبيه على مدى تلك القرون
هم بشر.