تحل اليوم الذكرى 41 لرحيل العندليب عبد الحليم حافظ، ذلك الصوت الذي
كان وما زال محطة تتوقف عندها قلوب الشباب على مر الأجيال، ودعونا نعترف أنه
وأبناء جيله كانوا آخر نجوم الطرب والغناء، فبعده لم نرَ صوتا عذبا تملك القلوب واستمر
على الساحة الفنية مثل حليم.
في ذكراه، كان علينا أن نأتي بالجديد لنسعد
محبيه وعشاق فنه، لذلك بحثنا في أروقة الماضي لنرصد ما حدث لحليم في شهر مارس 1961
وكيف انطلقت شائعة موته، ورد فعل نجوم الفن وتعليق حليم بعد الأزمة على تلك
الشائعة.
في الساعة الثالثة والنصف عصر يوم السبت 18 مارس 1961 اتفق عبد الحليم مع شقيقه
محمد على زيارة الكاتب الصحفي مفيد فوزي، وكان مريضاً يرقد بالمستشفى، واستقر رأي
حليم وشقيقه أن يزورا أيضاً قريبة لهما بمستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة، لذا اتجها
أولاً إلى محل بيع للزهور بشارع سليمان باشا لشراء باقتين من الورود.
اتفق حليم وشقيقه على زيارة المريض الأقرب أولاً، وفي الطريق عند منشية البكري بدأ
الإعياء يظهر على عبد الحليم، وقد لاحظ شقيقه ذلك وسأله عما به فقال إنه يشعر
بدوخة ويميل إلى القيء، وشعر شقيقه بالارتباك، وقرر أن يعود إلى المنزل مرة أخرى، وفي
طريق العودة عند مستشفى الدمرداش، طلب حليم أن تتوقف السيارة في شارع مجاور للمستشفى
لرغبته الشديد في أن يتقيأ، وبالفعل نزل شقيقه وساعده على النزول وقد غلبه القيء،
وهنا ارتعد شقيق حليم عندما وجد القيء دماً.
ساعد محمد شقيقه حليم على الرقود في المقعد الخلفي وأسنده بذراعه، وانزعج بشدة
عندما وجد نبض حليم في ضعف متواصل، وأوصله إلى شقته وأرقده على سريره وطلب من في
المنزل أن يتصلوا بالطبيب زكي سويدان، بينما هرول هو إلى مستشفى العجوزة واقتحم
العنابر ليصطحب معه فتحي طمارة، الذي أسرع معه لإسعاف حليم.
أتى بعد قليل الأطباء زكي سويدان وعبد الحميد أحمد ورياض فوزي وقد سهروا الليل
بطوله بجانب حليم حتى مرت الأزمة بسلام، وهنا سأل محرر الكواكب عن مكان النزيف
فقال شقيقه من المعدة، وعاوده المحرر بالسؤال: هل نصحتموه بالسفر إلى الخارج ؟
فقال شقيقه إنه فقط يحتاج إلى الراحة وهو بصحة جيدة، وهذا ما أكده الطبيب سويدان
حيث قال "دعوه يستريح".
اندلعت في ذلك الوقت شائعة موت عبد الحليم، حيث إنها زلزلت الوسط الفني، فأسرع
فريد الأطرش بسيارته إلى شقة حليم وهو يرتعد وقد لمح محرر الكواكب جميل الباجوري
ونادى عليه وسأله: أنت نازل من عند عبد الحليم.. هو عامل إيه؟، وبعد أن طمأنه
الباجوري، ابتسم فريد وبدأت دمعه تهرب من عينيه إلى خده، ثم تنهد وقال: "الحمد
لله.. الله يسامحهم.. فيه ناس عقارب معندهاش غير الإشاعات.. وسأل فريد الباجوري:
سمعت الإشاعة؟ فرد عليه : نعم.. لقد ملأت القاهرة، لكنه الآن بخير والحمد لله.
لم تنقطع وفود نجوم الفن والغناء عن زيارة حليم ومنهم عز الدين ذو الفقار وفريد
الأطرش ومحرم فؤاد، الذي قبله ووضع تحت وسادته مصحفاً، وظل جانبه طول النهار
والليل شادية ونجاة الصغيرة وزهرة العلا وزيزي البدراوي وضحك حليم بشدة، بعد أن
سمع نكتة ألفتها صباح عن عبد السلام النابلسي.
في اليوم الثالث عاوده محرر الكواكب للاطمئنان عليه ووجد جانبه لفيفا من الأهل
والأصدقاء وسأل حليم: "هل ستسافر إلى الخارج ؟ فقال حليم: لم يشِر علىّ
الأطباء بذلك، وربما سافرت فقط من أجل الراحة، وعاوده المحرر بسؤال: هل سمعت
الإشاعة ؟ فقال حليم: أيوه يا سيدي سمعتها.. أموت أموت بس أعيش.. وضحك الجميع..
وقبل أن يغادر المحرر الحجرة طلب منه حليم ورقة وقلماً وكتب رسالة إلى جمهوره
يطمئنهم بنفسه على صحته.