الخميس 27 يونيو 2024

سفيتلانا أحبك .. ولا عزاء للأدباء العرب

15-1-2017 | 14:19

فوز الروسية سفيتلانا إليكسيفيتش بجائزة نوبل للأدب ،إعلان وفاة وبرقية عزاء في أدبائنا العرب (الدواجن) على عنوانهم الدائم في حظائر وزارات الثقافة، وطبيعي أن يهاجم هؤلاء الجائزة،ولجنة نوبل،لأن سفيتلانا لم تكتب رواية واحدة في حياتها،فقد كانت تكتب قصصا صحفية إنسانية صغيرة،وتقاتل من أجل شعبها لتصف بشائع تشرنوبيل ومستنقع أفغانستان وتعرضت للاضطهاد ، وكتب عنها جابرييل جارسيا ماركيز،بينما أدباؤنا العرب تعمى عيونهم عمن يموتون في مواسير المجاري ويهاجرون بالملايين وتنتهك أعراضهم.

الجمال أن تكتب الحقيقة هذا صعب جدا لأن الجمال الآخر مساحيق، تذكرت تلك الكلمات عند قراءة بعض فقرات من كتابها الأشهر: « أصوات من تشرنوبيل» ترجمة الموهوب أحمد شافعي والتي استسمح القاريء بعرضها بقليل من التصرف.

زوجة الفقيد فاسيلي

كنا حديثي الزواج. لا نزال نسير في الشوارع متشابكي الأيدي، حتى لو كنا في الطريق إلى المتجر لا أكثر. أقول له «أحبك ،وذات ليلة سمعت ضوضاء. نظرت من الشباك. رآني. «أغلقي الشباك وعودي إلى النوم. هناك حريق في المفاعل. سأرجع بسرعة».

لم أر الانفجار نفسه. فقط ألسنة اللهب. والحرارة كانت فظيعة. ولم يرجع.

ذهبوا على الحال التي كانوا عليها، في قمصانهم. لم يخبرهم أحد. تلقوا اتصالا بأن هناك حريقا، لا أكثر.

في المستشفى. رأيته. كان متورما تماما، منتفخا. لا تكاد تميز الواحدة عينيه.

خرج الطبيب وقال إنهم سينقلونهم بالطائرة إلى موسكو، وإن علينا أن نحضر لهم ثيابا. ورجعنا جاريات والأكياس في أيدينا، لكن الطائرة كانت قد أقلعت. خدعونا. لكي لا نبقى هناك صارخات باكيات.

في موسكو أردت أن أنفرد به،. احتضنته وقبّلته. ابتعد عني خوفا من الإشعاع.

«لا تجلسي بالقرب مني. اجلسي على مقعد».

بدأ يتغير ـ كنت في كل يوم أقابل شخصا جديدا تماما. بدأت الاحتراقات تظهر على السطح. في فمه، وفي لسانه، وفي خدّيه ـ في البداية كانت هناك لسعات صغيرة، ثم بدأت تكبر. بدأت تظهر في طبقات ـ مثل نسيج أبيض ... لون وجهه ... جسمه ... أزرق ... أحمر .... رمادي في بني. ومع ذلك هو هو زوجي!. الشيء الوحيد الذي أنقذني هو أن كل شيء كان يحدث بسرعة خاطفة، لم يكن هناك أي وقت للتفكير، لم يكن هناك من وقت للبكاء.

أربعة عشر يوما. في أربعة عشر يوما يموت الشخص.

كان الجنود هم الذين يقومون بالرعاية بعد أن رفض التمرجية العمل، مطالبين بثياب واقية من الأشعة.

كان يتبرَّز ما بين خمس وعشرين مرة وثلاثين في اليوم الواحد. بدم ومخاط. بدأت بشرته تتشقق في الذراعين والساقين. صارت تملؤه الدمامل. وحينما كان يتقلب برأسه، كنت أرى كتلة شعر على المخدة. حاولت أن أمزح: «هكذا أحسن، لن تحتاج إلى مشط».

يقول أحدهم: «لا بد أن تفهمي: هذا لم يعد زوجك الذي تعرفين، بل مادة مشعة ذات قدرة تسميمية قوية. أنت لست انتحارية. أدركي نفسك». وكنت كمن فقدت عقلها: «لكنني أحبه. أحبه».

في غرفتي، استلقيت ، عندما بدأت عاملة خدمة الغرف تطرق الباب. «هيا! اجري إليه! إنه ينادي عليك كالمجنون».

سارعت أتصل بالممرضة. «كيف حاله؟» «مات منذ خمس عشرة دقيقة».

قالوا لي في المشرحة، «هل تحبين أن تري ما سنلبسه؟» قلت نعم. ألبسوه زيه الرسمي، بقبعة الخدمة. لم يستطيعوا أن يلبسوه الحذاء وقد تورّمت قدماه.. لم يكن هناك جسد كامل أصلا ليلبسوه. في اليومين الأخيرين له في المستشفى، كانت أجزاء من رئتيه وكبده تخرج من فمه. كان يبتلع أجزاء من أعضائه الداخلية. كنت ألف يدي بضمادة وأدخلها في فمه لأزيل كل تلك القطع. مستحيل الكلام عن هذا. لم يعثروا على حذاء واحد يناسب قدميه. دفنوه حافي القدمين.

وكرروا نفس الكلام للجميع، مستحيل أن نعطيكم جثامين أزواجكن وأبنائكم، فهي مشعة للغاية وسيجري دفنها في مقبرة موسكو في يوم معيّن. في توابيت من الزنك المختوم.

وسارعوا بشراء تذاكر طيران تعيدنا إلى مدينتنا. في اليوم التالي مباشرة.

وداعا د . ثناء أنس الوجود

رحلت أستاذة النقد الأدبي الموهوبة الخلوقة د . ثناء أنس الوجود .

تلقيت النبأ ولم أصدق ،عرفتها منذ ست سنوات،وكنت أتقابل معها بالمصادفة عند السفر مع وزارة الثقافة،وصارت لا تخرج في الغربة إلا معي ،والأغرب أنها لم تسألني أبدا عن عملي ولم أسألها، كنت أعتقد أن اسمها سناء،حتى صحح الاسم زميلنا صحفي الثقافة المخضرم فتحي المراكبي بجريدة الجمهورية،كنا - أنا وفتحي – نتجول في معرض القاهرة الدولي للكتاب،عندما نصحني بإهداء المجموعة القصصية «البابا مات» للناقدة المهمة ثناء أنس الوجود،فقلت: لا أعرفها،وبعد دقائق مرقت أمامنا ،وفوجئت بأنها- صديقتي - ناقدة ومهمة جدا،وكعادتها صافحتني بحرارة قائلة : « إنت هنا مش تقول ؟» أعطيتها المجموعة فرفعت حاجبيها في دهشة قائلة: « إنت بتكتب قصة ؟ «

في المساء هاتفتني نصف ساعة،قالت إنها قرأت جريمة،وأن تلك المجموعة مزعجة جدا،قلت ضاحكا : « تقولين ذلك لأنك صديقتي « فقالت غاضبة : « لا .. لست صديقتك ولا أعرفك وسوف ترى «

خلال أيام أعدت دراسة وتحمست لنشرها في جرائد مهمة كأخبار الأدب والقدس الدولية والحياة اللندنية،وملأت الدنيا ضجيجا عن كوابيس ومساخيط المجموعة .

تواعدت معها أن نخرج سويا لشارع المعز والسيدة زينب،بشكل منتظم مع أصدقائنا ،بعيدا عن أسفار وزارة الثقافة .

لكن هاتفها توقف ،واكتفى فقط بالرنين،واعتقدت أنها سافرت فقد كانت تدرس في جامعات عدد من الدول العربية،لكن الغياب طال.

في إحدى المرات نطق الهاتف، وجاءني صوت آخر،قال إن الدكتورة ثناء مريضة، وجاءني صوتها واهنا،قالت إنها مصابة بالتهاب في الأطراف ولا تقوى على المشي، يا إلهي كل هذه الطاقة الهائلة تخشبت.

عاودت الاتصال بها عدة مرات،وكان صوت شقيقتها الوحيدة يؤكد أنها في غرفة الإنعاش ولا تقوى على الكلام وتنصحنا بالدعاء.

مر على ذلك ثلاثة شهور،حتى سكنت واستراحت.

رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.

كتب : عادل سعد

    الاكثر قراءة